"مصيبة المجتمعات".. إخوان تونس بميزان "بنك أسرار" السبسي
أسرار يكشفها سياسي تونسي يعرف بأنه "بنك أسرار" الرئيس الراحل الباجي قايد السبسي، يفتح فيها جانبا من ملفات الإخوان بزاوية مختلفة.
وفي مقابلة مع "العين الإخبارية"، تحدث عبد الستار المسعودي؛ المحامي والقيادي السابق بحزب "نداء تونس" الذي كان يتزعمه السبسي، عن موقف الأخير من الإخوان بعيدا عن حسابات السياسة وتوازنات القوى الحزبية.
المسعودي الذي يقول إنه كان بمثابة الابن للرئيس الراحل، تطرق إلى تفاصيل وأسباب قبول السبسي بالإخوان في اللعبة السياسية، وعرج على شبهات مقتله من قبل الجهاز السري لحركة "النهضة" الإخوانية، وتفاصيل أخرى ذات صلة بالملف الذي وصفه بـ"القنبلة المفتوحة".
"أسرار" السبسي
وفي المقابلة، قال المسعودي إنه كان بمثابة الابن للرئيس الراحل، وكان يجتمع به دائما ويتناولان جميع المواضيع حتى الخاصة منها.
ونقل المسعودي الذي يعرف بـ"بنك أسرار" الرئيس الراحل عن الأخير قوله له ذات مرة إن "النظام البرلماني في دستور 2014 لا يتماشى مع مجتمعاتنا"، مضيفا أن السبسي لم يكن له الوقت - ولا السنّ- للدخول في معارك خاصة، كما لم يكن لديه من يسوق برامجه باستثناء البعض ممن لم يكن لديهم وزن يذكر في المشهد السياسي التونسي.
وسبق أن فتح القضاء التونسي التحقيق في شبهة اغتيال السبسي الذي وافته المنية يوم 25 يوليو/ تموز 2019 إثر وعكة صحية، فيما يشتبه بأن الوفاة ناجمة عن تسميمه.
ومضى المسعودي يقول إن الضربة الكبرى كانت بتفتيت "نداء تونس" الذي أسسه السبسي، حيث "فقد منذ الشهر الأول والثاني العديد من القياديين، وانطلقت المعارك الداخلية بالحزب وفقد القوة التي كانت تدافع من ورائه، ولم يكن بإمكانه الدخول في معركة لاقتراح تغيير الدستور".
وتابع أن الرئيس الراحل "لم يتمكن من إزاحة الإخوان من السلطة لأنه كان مكرها، لكنه خير في عام 2015 أن يجمع اليسار التونسي في حكومة، لكن اليسار كان رافضا بتعلة وجود أزلام من نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي".
وأكد أن "السبسي كان يدرك -بحنكته السياسية- أن إزاحة الإخوان أمر صعب وكان يرى أنه من غير السهل تغيير الموازنات السياسية مع (حزب) النهضة الموجودة بحجم معين داخل السلطة، وكان يخير أن يتصرف في الفترة الزمنية بطريقة عدم حل الملفات الكبرى من جملتها تنقيح الدستور".
مصيبة المجتمعات
وأشار المسعودي إلى أن السبسي لم يكن يحب الإخوان وأن هذا الأمر "في جيناته، وكان يقول في أحاديثه الخاصة إنهم مصيبة المجتمعات المتحضرة".
واستطرد أنه "في دردشة سابقة مع الرئيس الراحل، كان يقول إنه لا يمكن إزاحة الإخوان لأن لديهم المئات من القنوات التلفزيونية وتمويلا رهيبا، وأن بلادا مثل تونس محدودة الدخل والثروات لا يستطيع أن تنفذ معهم سياسة كسر العظام".
وبالنسبة للسبسي -على لسان المسعودي دائما- فإن "من يستطيع فعل ذلك هو الرئيس الحالي قيس سعيد لأنه لا يزال شابا وماسكا بدواليب السلطة، كما أن المجتمع (التونسيين) اختبر هؤلاء الأشخاص ووجد أنهم فاشلون، والحكمة في التجربة".
واستشهد المسعودي بالتجربة المصرية مع الإخوان، قائلا إن "الإخوان لم يبقوا في مصر على سبيل المثال كثيرا، كانت سنة واحدة، والإخوان كان يمكن أن يجعلوها خرابا في تلك الفترة، لأني زرت مصر وحضرت محاكمة الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في 6 يونيو/ حزيران 2013، وكنت طرفا من الهيئة الوطنية للمحامين".
وتابع: "شاهدت أن مصر التي كنت أعرفها في السابق قد تغيرت (في عهد الإخوان) وقلت إنها انتهت (...) لكن من حسن حظهم أن لديهم رجل قوي قام بتغيير كبير وأخرج البلاد من تلك البوتقة"، في إشارة للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي.
"مقتل" السبسي
وفي معرض حديثه عن شبهات تتعلق بـ"مقتل" الرئيس الراحل، أكد المسعودي أن "فرضية القتل كانت موجودة بالفترة الأخيرة من حياة السبسي، حيث كانت هناك مؤشرات تدل على تدهور وضعه الصحي، كما أن توجد شكوك أثارتها عائلته بعد نحو 3 أيام من 'وفاته"، وربما كان لديها أشياء موثقة".
وأضاف أن التحقيق جاء متأخرا، كما أن التحاليل الطبية لم يطلع عليها باستثناء أطبائه المباشرين له ووزير الدفاع حينها عبد الكريم الزبيدي.
وقال المسعودي: "التقيته قبل شهرين أي قبل وعكته الصحية، وكان من المقرر أن يتوجه إلى باريس لإجراء تحاليله الطبية المعتادة، وقبل ذهابه الذي تزامن مع زيارة أجراها وفد أمريكي إلى تونس، دخل السبسي في دوامة مرض حالت دون أن ألتقيه أو أتواصل معه".
وأكد المسعودي أنه "في محاولة أخيرة، أراد السبسي إثناء زعيم الإخوان راشد الغنوشي على تغيير رئيس الحكومة آنذاك يوسف الشاهد، وكانت آخر محاولة حين استقبله في لقاء لم يدم سوى بعض الدقائق، وأصر الأخير على معاضدة الشاهد لغاية في نفس يعقوب".
وأوضح أن "الشاهد خدم النهضة والأخطر من كل ذلك أن فك الارتباط مع الإخوان كان بالنسبة له موجعا، وقال السبسي حينها معلقا 'إن أكرمت اللئيم تمرد'، لأنه لولا لقاء باريس الذي جمعه بالغنوشي لكانت النهضة قد سقطت من الناحية السياسية".
قنبلة مفتوحة
المسعودي اعتبر أن الجهاز السري لإخوان تونس بمثابة "قنبلة مفتوحة، وأعتقد أن لجنة الدفاع قامت بعمل جبار عوضا عن النيابة العمومية التي كان دورها بمثابة الحلقة المفقودة، والتي كان من أوكد واجباتها البحث عن مواطن التجريم، لكن هذه اللجنة سعت بكل ما لديها ووفرت كل المعطيات والوثائق والملفات التي تدين الإخوان".
وأوضح المسعودي أنه "بعد اتخاذ قرار ضد الرؤوس الكبرى (للإخوان) والإطاحة بهم أمثال نور الدين البحيري وزمرته، سيجد القاضي نفسه يشتغل بكل أريحية على هذا الملف، وأعتقد أنه سيأتي اليوم الذي يتم فيه البوح بالحقيقة، كما سيأتي موعد تنزيل العقوبات اللازمة على المجموعات التي كانت وراء الجهاز السري".
وشدد على "أهمية عدم وجود أي جهاز أمني مواز في أي دولة ولا جوسسة خارج نطاق المنظومة القانونية"، لافتا إلى أن "هذا الملف بعد 25 يوليو (تموز الماضي) سيحرر القضاء من الضغوطات التي كانت مسلطة عليه بخصوص مثل هذه القضايا".
وختم مؤكدا أنه "بدون الإخوان، ستخرج تونس من نكستها وأعتقد أنه كان هناك العديد من الشخصيات الوازنة التي كان بإمكانها تسيير الدولة، لكن الإخوان وضعوهم بغير مواقعهم".