"سراب" من "نيتفلكس".. أقدار مختلفة لأبطال حكاية بفارق 25 عاما وعاصفة
الفيلم يتألف من أحداث تختلط فيها ذاكرة زمنين في عقل "فيرا روي" بعد أن ترمي بها أسباب تقنية مجهولة في فجوة زمنية تعود بها قبل 25 عاما
يحتاج فيلم "سراب" (Mirage)، الذي طرحته "نيتفلكس" مؤخراً، إلى أكثر من وسادة وثيرة في المنزل لاستيعاب حكايته، ربما يتطلب غرفة غارقة في الظلام لفك ما تشابك من الزمان والمكان بين ماضٍ وحاضر في أحداث الفيلم، وربما تحتاج إلى حواسك الخمسة كلها للنجاح في ذلك.
يتألف الفيلم الإسباني من ترتيب لأحداث تختلط فيه ذاكرة زمنين في عقل "فيرا روي" (أدريانا أوغارتي)، بعد أن ترمي بها أسباب تقنية مجهولة في فجوة زمنية تعود من خلالها إلى ما قبل 25 عاماً؛ لتجد نفسها وسط عالم يشبه عالمها بالضبط، لكنه بذاكرة وحياة مختلفة، وبين مهمة إنقاذ طفل من الموت تريد أن تتأكد من إنجازها في هذا العالم القديم، والرغبة الملحة في مغادرته إلى عالمها الحقيقي، إذ يتوجب عليها إنقاذ ابنتها، والعودة إلى عائلتها تتفاعل حكاية "فيرا روي"، ويكمن جوهر فيلم "سراب".
تبدأ الحكاية في نوفمبر/تشرين الثاني 1989، حين تشهد ألمانيا سقوط جدار برلين في هذا الوقت، كما يخبرنا جهاز التلفزيون القديم، بينما تهب عاصفة قوية على المكان ينذر منها التلفزيون أيضاً، سنتعرف على الطفل "نيكو لاسارتي"، وهو يعزف على الجيتار أمام كاميرا بعد أن أعدها، قبل أن يلفت انتباهه قتالاً في منزل جيرانه ويدفعه الفضول لمعرفة ما يحدث.
يقتحم "نيكو" بيت جيرانه ليكتشف أن سيدة المنزل هيلدا فايس (كلارا سيجورا) جثة هامدة، ويتفاجأ بزوجها "أنخيل بريتو" (خافيير غوتيريز) يحمل سكيناً ملطخة بالدم، فيحاول الطفل الهروب منه إلى الشارع، وهناك تصطدمه سيارة عابرة ويموت.
سرعان ما تقفز أحداث الفيلم إلى عام 2014، لنتعرف على "فيرا روي" التي تنتقل للعيش في منزل جديد مع زوجها ديفيد أورتيز (ألفارو مورتي) وابنتهما الصغيرة جلوريا (لونا فولجنسيو)، وتشاء المصادفة أن يكون منزل العائلة الجديد هو منزل الطفل "نيكو" ذاته بعد أن هجرته العائلة، وهناك ستكتشف في محزن البيت تلفزيون الطفل "نيكو"، إضافة إلى كاميرا الفيديو التي كان يستخدمها وأشرطتها القديمة.
يدفع فضول العائلة لمشاهدة بعض هذه الأشرطة القديمة، لكنهم سرعان ما يفزعون حين يشاهدون التلفزيون يعمل دون شريط، ويبث اللحظة ذاتها التي بثها قبل 25 عاماً عند انهيار جدار برلين، وفي اليوم ذاته سيخبرهم جارهم الطيّار "أيتور" (ميكيل فرنانديز)، ووالدته "كلارا " (نورا نافاس)، أن الطفل الذي شاهدوه في الفيديو كان جارهم القديم، وأنه قُتل في حادث سيارة بعد أن اكتشف جريمة قتل "أنخيل" لزوجته " هيلدا"، وسرعان ما تتضح تفاصيل الحكاية كلها لعائلة "فيرا"، حين يبحث زوجها ديفيد عنها في "جوجل".
في تلك الليلة تهب عاصفة شبيهة بتلك التي هبت قبل 25 عاماً، تستيقظ فيرا لتتفاجأ بأن التلفزيون القديم في وضع التشغيل، وفي شاشته سترى نيكو قبيل اللحظة التي يخرج فيها لتتبع صوت القتال في بيت جيرانه، فتدرك أن هناك فرصة لإنقاذه، وتطلب منه عدم الخروج، وتصرخ بشدة لمنعه من ذلك.
شيء ما يحدث، يسبب اختلالاً زمنياً في حياة "فيرا"، لتجد نفسها فجأة في الأمكنة ذاتها التي تعيش فيها، لكن مع اختلافات جذرية، فهي هنا جراحة أعصاب شهيرة وليست ممرضة، وليس لديها ابنة، والطفلة التي تعتقد أنها ابنتها كانت واحدة من مرضاها، قضت نحبها أثناء عملية جراحية، وزوجها ديفيد هو زوج لامرأة أخرى، وهي مجرد طبيبة أجرت لها عملية جراحية، وكل من حولها يؤكدون أنها هي ليست كما تعتقد، فتلجأ إلى مفتش الشرطة ليرا (تشينو دارين) لطلب مساعدته، وسرعان ما تدرك أنها في فجوة زمنية غير التي كانت تعيش فيها، وتبدأ البحث عن "نيكو" بوصفه الوحيد القادر على تثبت صحة كلامها.
في هذا الوقت سنكتشف أن الطفل "نيكو" أدرك في 1989 أن امرأة من المستقبل خاطبته عبر شاشة التلفزيون وأنقذت حياته، فيبدأ بالبحث عنها، لا سيما بعد أن تأكد الطفل بنفسه من قتل أنخل زوجته هيلدا، حين تسلل إلى منزلها ليجدها ميتة في الحمام، ويشهد بنفسه كيف يقطع زوجها "أنخل" جثتها، وعلى الرغم من أن الولد حاول وقتها كشف ملابسات الجريمة فإن أحدا لم يصدقه.
دخول "فيرا" الفجوة الزمنية ستعيد فتح ملفات الجريمة، وسيتمكن المفتش ليرا من اكتشاف بقايا جثة هيلدا المدفونة ومواجهة "أنخل" بضلوعه في جريمة قتل، قبل أن نكتشف لاحقاً أن المفتش هو الطفل "نيكو" ذاته بعد أن كبر، ولأن فيرا كانت الحلم الجميل الذي انتظر اللقاء معه طوال 25 عاماً، سنكتشف أنه كان يعرفها منذ اللحظة الأولى للقاء معها، وأنه تجاهل معرفته بها لكي يحظى بالحياة معها، لكنها سرعان ما تدفعه لمساعدتها بالعودة إلى عالمها، حين ترمي بنفسها من شرفة بيته، فيسارع لإنقاذها بإعادتها إلى زمنها الحقيقي، إذ نجدها تصحو إلى جانب زوجها في السرير، وتسارع للاطمئنان على ابنتها، قبل أن تذهب إلى المستودع وتتأكد من عدم وجود جهاز التلفزيون والكاميرا، وكأن كل ما عاشته كان مجرد حلم أو كابوس.
على هذا النحو تدور أحداث الفيلم حول الحب والجريمة والوفاء للعائلة في 4 أزمنة غير متداخلة لكنها تجري في الوقت ذاته، الأول زمن طفولة "نيكو" في عام 1989 حين تعرض للقتل دهساً بالسيارة بعد اكتشاف جريمة أنخل، الذي يُلقى القبض عليه بدوره، وينتحر في سجنه بعد 3 أشهر، والزمن الثاني هو امتداد الزمن الأول في عام 2014، إذ نتعرف على بقية شخصيات حكاية عام 1989، إضافة إلى فيرا وعائلتها، ويومياتها إلى جانبهم، ومعرفتها بحكاية موت الطفل "نيكو"، وصولاً إلى إدراكنا أنها كانت تشهد كابوساً أثناء نومها.
أما الزمن الثالث، فهو زمن "نيكو" في عام 1989 الذي تتواصل خلاله فيرا مع الطفل عبر جهاز التلفزيون القديم وتنقذه من الموت، وبالتالي تغير مسار شخصيات الحكاية برمتهم، وفي الزمن الرابع نشهد امتداد ذلك الزمن (الثالث) في 2014، إذ نجد شخصيات الحكاية الرئيسية كبروا وتفرعت حكايتهم وتشابكت على نحو ما، ووسطه ستكون فيرا بالنسبة لهم هي طبيبة الأعصاب الشهيرة، من دون أن يدرك أحد عالمها الذي تتذكر كل تفاصيله وينكره الجميع حولها.
تشبه الأزمنة الأربعة لعبة الاحتمالات التي سبق وشاهدنا أمراً مشابهاً لها في فيلم "نيتفلكس" التفاعلي"Black Mirror: Bandersnatch"، لكن في هذا الأخير كان على المشاهد أن يختار مصير أبطال الحكاية، وبالتالي التحكم بمسار حبكتها، أما في فيلم "سراب" فتنوب هواجس "فيرا" عن المشاهد، لتضعنا أمام احتمالين للحكاية، انطلاقاً من اختيار واحد من مصيرين للطفل "نيكو"، إما الموت دهساً أو النجاة.
كل تلك التفاصيل تجعل فيلم "سراب" مدهشاً حتى لو تقاطعت فكرته مع أفكار أعمال سابقة، منها على سبيل المثال مسلسل "Doctor Who".
وبينما يختفي الإخراج خلف سحر الحكاية وأداء الممثلين في الفيلم، لا سيما بطلته "أدريانا أوغارتي"، يبشر الفيلم بمجمله بشكل المنافسة التي تعد فيها "نيتفلكس" استدويوهات هوليوود الكبرى وغيرها في العالم على جوائز مهرجانات السينما الكبرى، ولعل عملاق البص الأمريكي يريد أن يؤكد أن تفوق فيلمه "روما" المذهل في مهرجانات 2018 ليس سببه المخرج ألفونسو كوران وحده، وإنما مؤسسة قائمة بحد ذاتها تقف خلف الفيلم، ولعل في ذلك ما يفسر مشاعر ستيفن سبيلبرج العدائية تجاه "نيتفلكس"، ومطالبته بعدم حضور هذه الأخيرة على قائمة المنافسة في مهرجانات السينما العالمية.
aXA6IDMuMTQyLjU0LjEzNiA= جزيرة ام اند امز