من الأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها الأمم المتحدة في ليبيا اعتبار حكومة الوفاق الوطني سلطةً شرعيةً للبلاد.
ووضع فايز السراج، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، على رأسها في 12 مارس/آذار 2016، ومنذ ذلك الحين، أضحت ليبيا تحت رحمة وسلطة الإخوان والفوضى والمليشيات وحتى المهربين، وهو ما جعل تدخّل اللواء حفتر أمراً ضرورياً للفت انتباه المجتمع الدولي، وبالتالي إشراك القوى الدولية في محاولة فرض فترة انتقالية دون عنف.
بدأت محادثات السلام في المغرب في مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، لكنها سارت بطريقة متعثرة، إذ إن الحضور الطاغي للإخوان المسلمين في هذه المحادثات، بموافقة الأمم المتحدة، جعلهم يرتكبون الخطأ نفسه مرة أخرى. لقد تلقى وفد حكومة الوفاق الليبية في المغرب ضغوطاً متواصلة من تركيا، وكان أحد الأدلة على ذلك أن جماعة الإخوان المسلمين الليبية ذكرت أنها ترحب بنتائج الاجتماعات في المغرب وسويسرا.
من الطبيعي أن يأتي الترحيب بالمحادثات من الإخوان المسلمين، لأن اللقاءات التي استمرت في تونس يُشارك فيها 75 سياسياً، 42 منهم من جماعة الإخوان المسلمين.
كان كل شيء يسير على ما يبدو بطريقة مواتية، ويُعزى ذلك لأن جماعة الإخوان المسلمين كانت حريصة على الحفاظ على مكانتها في مراكز صناعة القرار الرئيسية. لقد طلبوا مناصب مثل محافظ مصرف ليبيا المركزي، ورئيس مصلحة المحاسبة، ورئيس هيئة الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس وأعضاء المفوضية الوطنية العليا للانتخابات، ورئيس المحكمة العليا والمدعي العام.
وبالتزامن مع ذلك، واصلت تركيا توسيع وجودها في قاعدة الوطية العسكرية على بُعد 40 كيلومتراً من الحدود مع تونس، دون أن نسمع أي تنديد دولي بذلك حتى الآن، وواصل السراج ووفوده زياراتهم المتتالية إلى تركيا لتلقي التعليمات.
وكدليل على حسن النية، دعمت الأمم المتحدة عقد بعض الاجتماعات المقبلة في جربة بتونس لإشراكهم في المشروع، ولكن دون تصحيح المشكلة الجذرية المتمثلة في أن غالبية الناخبين كانوا من المؤيدين للحكومة الموجودة في ليبيا طيلة السنوات الماضية والمتحالفة مع تركيا.
كان لا بد من مرور كل هذا الوقت، وحتى شهر يناير الجاري، لتُحذر ستيفاني ويليامز، المبعوثة الخاصة للأمم المتحدة بالإنابة إلى ليبيا، علانية، من أن البعض يحاول القيام بمناورات سياسية لعرقلة العملية، وكانت المسؤولة الأممية تُشير أيضا إلى فايز السراج وبعض السياسيين الليبيين الراغبين في إلغاء منتدى الحوار السياسي. لا ينبغي أن يُشكل ذلك مفاجأة للمحللين، لأنه كان نفس الخطأ الذي ارتكبته الأمم المتحدة والذي تكرر باستمرار منذ عام 2016.
لقد أيّد تحالف المليشيات الموالية للسراج، الذي يعمل تحت اسم "قوة دفاع طرابلس"، موقف السراج المعارض للجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة. وبعد أيام، صعّدت ستيفاني ويليامز لهجتها ضد الذين يعرقلون العملية الليبية، حتى وصفتهم بـ"مغتصبي السلطة". وبهذه الطريقة، أدركت بشكل ضمني خطأ الأمم المتحدة، ولكن من ناحية أخرى، حققت إدارتها شيئاً إيجابياً يتمثل في فضح أصحاب النوايا السيئة.
وبعد أيام، كان هناك تغيير في موقف السراج، حيث حاول إظهار نفسه كمشارك إيجابي في العملية السياسية، ربما من أجل إبعاد الشبهات عن موقفه بأنه متجمّد في العملية، بسبب صرامة مندوبة الأمم المتحدة ستيفاني ويليامز.
ومن ناحية أخرى، من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن قوائم الإخوان الليبيين قد هُزمت في الانتخابات المحلية التي جرت في بعض بلديات غرب ليبيا، الأمر الذي دفع مفتي الجماعة، صالح الغرياني، إلى إصدار فتوى جديدة تحث على المشاركة في الانتخابات، في محاولة لقلب الموازين لصالحه.
نعلم في الوقت الحالي أن أعضاء الحوار الليبي سيصوتون لمرشحي المناصب القيادية للحكومة الجديدة في سويسرا من 1 إلى 5 فبراير/شباط المقبل. وفي الوقت ذاته، تواصل تركيا خوض حربها الخاصة في ليبيا من خلال تسيير رحلة شحن عسكرية كل يومين، ما سيؤثر بلا شك على مصير البلاد، وهو الأمر الذي لا يبدو أنه يثير اهتمام الأمم المتحدة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة