محللون لـ"العين الإخبارية": بوادر انفراجة للأزمة السياسية في الجزائر
محللون لـ"العين الإخبارية" تراجع زخم الحراك الشعبي وغياب أجواء الانتخابات وفتح قضايا الفساد، معطيات متناقضة لا بد منها لحلحة الأزمة.
دخلت الأزمة السياسية في الجزائر شهرها الثالث التي بدأت مع ترشح الرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة أوائل فبراير/شباط الماضي.
- أحزاب السلطة في الجزائر.. بين فكّي محاسبة الحراك والقضاء
- هل يغير الحراك الشعبي خارطة الانتقال السياسي في الجزائر؟
ورغم تحقيق الحراك الشعبي لبعض مطالبه وبدء محاسبة كثير من رموز نظام بوتفليقة، فإن جملة مع المعطيات التي يراها المراقبون "متناقضة"، والتي أحاطت بمشهد الأزمة السياسية، جعلت منه مشهداً ضبابياً لحاضر ومستقبل الوضع السياسي في بلد عربي يعيش ارتدادات أضخم حراك شعبي في تاريخه، فرضته تراكمات تعقيدات سياسية منذ استقلاله، وزادتها سياسات العشريتين الأخيريتين بحسب ما ذكره محللون جزائريون لـ"العين الإخبارية".
ومن أبرز تلك المعطيات المتناقضة التي طفت على سطح الأزمة السياسية بالجزائر التي رصدتها "العين الإخبارية" نقلاً عن متابعين للشأن السياسي الجزائري، تراجع زخم الحراك الشعبي في الجمعتين الأخيريتين خاصة في العاصمة الجزائرية ومدن أخرى.
بالإضافة إلى غياب الرئيس الجزائري المؤقت عبد القادر بن صالح عن ندوة التشاور الأسبوع الماضي "في آخر لحظة" ولأسباب مجهولة رغم أنه كان الداعي لانعقادها، إضافة إلى المقاطعة "المفاجأة" لأحزاب الموالاة للندوة على غرار أحزاب المعارضة.
كذلك من المعطيات المتناقضة للمرحلة اقتصار المرشحين المحتملين لرئاسيات 4 يوليو/تموز القادم على أسماء غير معروفة عند الرأي العام الجزائري (32 مرشحاً بحسب وزارة الداخلية الجزائرية)، وغياب تام لأجواء أهم انتخابات بالجزائر، خاصة مع عدم اتضاح موقف أحزاب الموالاة منها، ومقاطعتها من قبل بعض أحزاب المعارضة، والغموض في مواقف أخرى.
ومؤخرا أضيف إلى الأحداث التي تموج بها الساحة السياسية في الجزائر زج عدد من رجال المال في السجن بتهم فساد عدة، من بينها "تمويل أحزاب في الموالاة والمعارضة بطرق غير قانونية"، وهو ما يضع تلك الأحزاب في "مأزق سياسي ومالي" في الاستحقاقات الانتخابية، كما ذكر مراقبون لـ"العين الإخبارية".
معطيات أجمع محللون سياسيون في تصريحات لـ"العين الإخبارية" على أنها "أسهمت بشكل كبير في بعثرة حقيقة الوضع الحالي للأزمة السياسية بالجزائر عند الرأي العام"، غير أنهم أجمعوا أيضا "على فك طلاسم ذلك الغموض"، بالإشارة إلى أن "بعضاً من تفاصيل تلك المعطيات تحمل دلالات واضحة على انفراج الأزمة في المنظور القريب وفق استراتيجية سياسية وضعها صانعو القرار بالجزائر، تُخرج البلد من عنق الزجاجة بعد استبعاد رموز النظامين السابقين، وهما محيط بوتفليقة والدولة الموازية".
الجيش يتحرك باستراتيجية مدروسة
أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الدكتور محمد لعقاب وجد نفسه أمام ضبابية في المشهد السياسي الحالي للجزائر يصعب فهمها، كما قال في حديث مع "العين الإخبارية".
وأوضح أن سبب تلك الضبابية هو "أنه من الناحية العملية فإن الجزائر استهلكت من الوقت المحدد لإجراء الانتخابات الرئاسية تقريبا 15 يوماً، وبالتالي فإن الفترة المتبقية لا يمكن خلالها إجراء الانتخابات.
كما لا يمكن تنظيم الانتخابات، حسب لعقاب، دون إنشاء لجنة مستقلة لمراقبة الانتخابات، لأنها لجنة دستورية، فيما فشلت ندوة بن صالح في إنشاء هذه اللجنة بسبب مقاطعة الكثير من الأحزاب السياسية، ولم تتقدم إلى حد الآن للانتخابات شخصية تحظى باحترام الجزائريين.
ويرى الأكاديمي الجزائري أن استمرار الحراك الشعبي لا يساعد على إجراء الانتخابات، والجزائريون مشحونون عاطفياً وسيقاطعون الاستحقاق الرئاسي، وهو ما يعني أن إجراءها في وقتها بات عملية مستحيلة".
ومن هنا توقع الدكتور لعقاب "تأجيل الانتخابات الرئاسية الذي لن يكون إلا من خلال ندوة وطنية للمشاورات بين رئاسة الدولة ومختلف الفاعلين السياسيين.
وهناك مؤشرات على ذلك، بحسب لعقاب، أولها انتقاد قائد الأركان لمقاطعة الندوة التشاورية، وهو ما يعني أن الجيش يميل إلى هذا النوع من المشاورات، أما المؤشر الثاني فهو التغييرات التي وقعت على مستوى رئاسة الجمهورية عندما تم إبعاد الأمين العام للرئاسة حبة العقبي، وهو بمثابة الضمان لإنجاح المشاورات القادمة، وخلالها يتم تعديل المادة 194 من الدستور الخاصة بإنشاء اللجنة العليا المستقلة لمراقبة الانتخابات التي سيصبح من مهامها تأجيل الانتخابات، وهذا هو الاحتمال الأول".
وأضاف أن "الاحتمال الثاني فهناك توقعات كبيرة باستقالة حكومة بدوي لأن الحراك لا يزال مصراً على رفضها، وإقالتها تتم وفق إجراءات بسيطة ودستورية، لكن يبقى الإشكال المطروح هو رئاسة بن صالح للدولة، وأعتقد أنه في حال إقالة الحكومة الحالية وإنشاء لجنة مستقلة لمراقبة الانتخابات أعتقد أن بقاء بن صالح يبقى تقريباً مقبولاً عند الحراك".
أما تراجع زخم الحراك، فقد أرجع المحلل السياسي ذلك إلى "تفاعل كثير من الجزائريين الإيجابي مع فتح ملفات الفساد، ومع ذلك ارتفعت أصوات أخرى بمحاكمة كل الفاسدين من شقيق الرئيس المستقيل إلى رئيس الحكومة السابق، كما أن الحراك يسير في نفس الأهداف التي رسمتها لنفسها المؤسسة العسكرية، ولذلك نلاحظ في البيان الأخير لقائد الأركان الذي يقول فيه بالحرف الواحد إن الجيش عازم على مواصلة تحقيق مطالب الشعب وفق استراتيجية مدروسة".
وأوضح أن "الضبابية موجودة فعلا أمام الرأي العام، لكن عند المؤسسة العسكرية كل الأمور واضحة وفق تلك الاستراتيجية، وهذا ما يشير إلى أن التوجه العام يسير نحو الانفراج، والدليل على ذلك هو تراجع زخم المظاهرات لأن الحراك الشعبي في بداياته رسم لنفسه مجموعة من المطالب والأهداف، تحقق كثير منها".
وأكد أن "مهمة الجيش تتمثل في حلحلة الأزمة والخروج بالجزائر إلى بر الأمان، وهذا ما يعمل عليه في اعتقادي، والمؤسسة العسكرية تسير على دراية بالأمور دون تدخل في السياسة، وسيرها لحلحة الأزمة من أسبابه فشل السياسيين والأحزاب، وأصبحنا ننتظر كل أسبوع خارطة طريق جديدة من الجيش، وتبقى العملية معقدة، وهناك مجموعة من الألغام التي يتعين على الجزائريين الانتباه لها لإعادة الجزائر إلى سكة الاستقرار، وأتوقع أن تؤجل الانتخابات إلى أواخر يوليو/تموز".
الأولوية استبعاد رموز بوتفليقة ورجال المال
وفي تصريح لـ"العين الإخبارية"، اعتبر الدكتور محمد سي بشير أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر أن "المعطيات وإن كانت تبدو متناقضة، لكن عند التمعن فيها تبدو صورة المشهد السياسي في الجزائر غير واضحة، لسبب واحد، وهو أن قاعدة عمل النظام السياسي في الجزائر تعتمد على العمل في صمت وليس أمامنا الكثير من المعلومات أو التصريحات، باستثناء خُطب قائد الأركان كل يوم ثلاثاء".
وأضاف "أن كل الفاعلين اليوم في المشهد السياسي يحاولون التموقع، وغياب أحزاب الموالاة عن ندوة التشاور تعيش حركية داخلية لاستبدال قيادات الصفوف الأولى بقيادات أخرى، حتى تضمن مكانة لها في مستقبل الأحداث السياسية، خاصة مع ما تعلق منها باللجنة العليا للانتخابات وتعديل الدستور وهيئة رئاسية جماعية بقيادة شخصية وطنية توافقية، وبصفة خاصة الانتخابات الرئاسية والتشريعية".
كما يرى المحلل السياسي أن "جمع تلك المعطيات مع انخفاض صوت المعارضة خاصة بعد اجتماعهم الأخير الذي أصدر بياناً محتشماً، وهذا ما يعني أن جميع الأحزاب معنية إما بعمليات تصحيحية أو مؤتمرات استثنائية لتغيير قياداتها، خاصة بعد سجن رجال مال تمول كثيرا منها، إضافة إلى بيان الداخلية الذي دعا إلى إنشاء أحزاب جديدة، وهو ما سيعيدنا إلى فترة بداية التسعينيات، وهو ما يعني أن الساحة السياسية ستشهد انقلاباً كبيراً".
وقدم بعدها الدكتور سي بشير قراءة لما يحدث حالياً بالجزائر وصفها بـ"السرعات الثلاث"، وقال "إن الوضع يبدو وكأنه ضبابي، لكنه يسير بسرعات متفاوتة، لأن الفعل السياسي تُدار من خلاله أزمات، والفعل مبني على توازنات وتسويات وتنازلات، وهو ما يحتاج إلى مزيد من الوقت، وهناك تسارع في المبادرات مؤخراً التي خرجت من الحراك التي استجابت لدعوة قائد الأركان، الذي قال إن المؤسسة العسكرية منفتحة على كل المبادرات".
وختم المحلل السياسي بالقول "إن الجزائر دخلت حالياً مرحلة من اللاتوازن الذي يُعالج من خلال إنتاج نظام سياسي جديد، والجيش منفتح على كل المبادرات رغم تأكيد قيادة الأركان على أن رموز نظام بوتفليقة لا تزال تتحرك، وهناك قناعة لديها بأن هناك رواسب داخل بنية النظام يجب التعامل معها بحذر حتى يتم الدخول في مفاوضات تفضي في الأخير إلى بقاء فاعلين أساسيين وهما الحراك والجيش، ومنه يمكن القول إنه تم استبعاد على أقل تقدير رموز نظام بوتفليقة ورجال المال".
تمديد الفترة الانتقالية لمرحلة ثانية
أما المحلل السياسي الدكتور عبد العالي رزاقي يرى ضرورة تمديد الفترة الانتقالية بالجزائر إلى مرحلة ثانية، "بعد توفير أجوائها واستبعاد أكبر عدد ممكن من رموز نظام بوتفليقة والدولة العميقة".
وقال في تصريح لـ"العين الإخبارية": "إن الواقع على الأرض مختلف تماماً، وعن الانتخابات الرئاسية فإن بلديات تابعة لأحزاب الموالاة أعلنت مقاطعتها للاستحقاق الرئاسي خاصة في منطقة الشراقة بالعاصمة وولاية بسكرة (جنوب الجزائر)، والنقطة الثانية فإن جميع رؤساء أحزاب الموالاة يواجهون تهماً بالفساد، وسيحدث تغيير على رأس تلك الأحزاب، وهذا ما يعني تأخراً في إصدار المواقف حول الوضع السياسي، وغالبية المعارضة غير موجودة نهائياً في المشهد، ومنها من قبلت بدخول أطراف أخرى للتأثير سلبياً على طبيعة الأزمة الحالية".
أما عن المحاكمات، فقد أوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة الجزائر أن "غالبيتها تندرج في إطار محاسبة المشاركين والممولين لمحاولة الانقلاب على قيادة الأركان في اجتماع 30 مارس/آذار الماضي، وذلك من خلال محاكمات مغلقة".
كما أشار إلى "أنه بعد اكتمال المحاكمات مع الرأس المدبر لعملية الانقلاب مع كثير من رموز الفساد ستبدأ المرحلة الانتقالية الحقيقية، وما تعيشه الجزائر هو تمهيد لتلك المرحلة، ورغم ذلك فإن لتلك الأطراف خطط تسعى لتنفيذها، تقوم على إفشال الحراك الشعبي خاصة بالعاصمة وولاية برج بوعريريج، وخلق نوع من النعرات بالاستعانة بشخصيات معينة وبلطجية".
وعن أحزاب السلطة التي تعيش أزمات داخلية غير مسبوقة، توقع رزاقي "إعادة تكييفها وصناعتها وفق الواقع الحالي للبلاد بشخصيات جديدة لها ماض محترم ومقبول عند الجزائريين".
ووفق ما سبق، توقع أيضا المحلل السياسي "تأجيل الانتخابات الرئاسية، ودخول البلاد في مرحلة انتقالية حقيقية بعد انتهاء الحالية، وقد يُحسم أمر الانتقال إلى تلك المرحلة بمجلس انتقالي في شهر رمضان".