أحزاب السلطة في الجزائر.. بين فكّي محاسبة الحراك والقضاء
اختفاء أحزاب السلطة في الجزائر عن المشهد نتيجة مطالب الحراك برحيلها والمتابعات القضائية لكبار المسؤولين فيها بتهم فساد ثقيلة.
تعيش أحزاب التحالف الرئاسي الداعم للرئيس الجزائري المستقيل عبدالعزيز بوتفليقة أسوأ مراحلها منذ تأسيسها، على خلفية الحراك الشعبي المتواصل المطالب برحيلها تحت شعار "يرحلون جميعاً" وتورط قياديين منها في قضايا فساد.
- آلاف المتظاهرين يتجمعون في ساحة البريد بالعاصمة الجزائرية للأسبوع الـ10 على التوالي
- أسبوع الجزائر.. إعصار الحراك يخرج ملفات الفساد للعلن وفشل ندوة التشاور
ومنذ استقالة بوتفليقة في 26 مارس/آذار الماضي، اختفى قادة أحزاب السلطة بالجزائر خاصة رباعي التحالف الداعم لبوتفليقة، وهي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وتجمع أمل الجزائر والحركة الشعبية الجزائرية.
ومنذ أن انطلقت شرارة الحراك الشعبي في 22 فبراير/شباط الماضي بالجزائر، دخلت أحزاب الموالاة في أزمات داخلية غير مسبوقة، تعدت بعضها حد الاتهام "بالعمالة للخارج"، فجّرها الرفض الشعبي لبقائها في السلطة، على خلفية ترشيحها بوتفليقة لولاية خامسة.
ارتباك أحزاب السلطة في الجزائر بدأ من أكبرها وهو حزب "جبهة التحرير الوطني" الحاكم، منذ نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عقب الإقالة المثيرة للجدل لأمينه العام السابق جمال ولد عباس أكبر الداعمين لترشح بوتفليقة لولاية خامسة، وتشكيل معاذ بوشارب هيئة تسيير الحزب برفقة 6 قياديين آخرين.
وبعد شد وجذب بين مختلف الأجنحة المتصارعة داخل حزب "الأفالان"، سحبت وزارة الداخلية الجزائرية اعترافها من معاذ بوشارب، وأعادت جمال ولد عباس كأمين عام للحزب، قبل أن يسحب الثلاثاء الماضي أعضاء اللجنة المركزية الثقة من ولد عباس.
وفشل الحزب في انتخاب أمين عام جديد، بعد أن أجّل ذلك إلى تاريخ لاحق على وقع خلافات ومناوشات، ليبقى "الأفالان" للمرة الأولى منذ تأسيسه في نوفمبر/تشرين الثاني 1954 بدون قيادة، وسط مطالب شعبية بـ"وضعه في المتحف".
وكما انفردت بذلك "العين الإخبارية" خلال الأسبوع الماضي، طلبت وزارة العدل الجزائرية من البرلمان الجزائري الإسراع في اتخاذ الإجراءات الضرورية لرفع الحصانة عن الأمين العام السابق لجبهة التحرير جمال ولد عباس والقيادي فيه السعيد بركات، تمهيداً للتحقيق معهما في قضايا فساد.
ويواجه ولد عباس وبركات تهماً بـ"الفساد واختلاس أموال واستغلال منصبيهما" خلال تولي الأول حقيبة التضامن سنة 2007، والثاني حقيبتي التضامن والفلاحة منذ 2010.
وذكر بيان عن مجلس الأمة الجزائري (مجلس الشيوخ)، حصلت "العين الإخبارية" على نسخة منه، عقب اجتماع مكتب المجلس برئاسة صالح قوجيل أنه "نظر في طلب وزير العدل حافظ الأختام تفعيل إجراءات رفع الحصانة البرلمانية عن عضوي مجلس الأمة السعيد بركات وجمال ولد عباس، طبقاً لأحكام المادة 127 من الدستور، حتى يتمكن القضاء من ممارسة مهامه الدستورية وتفعيل أحكام المادة 573 وما يليها من قانون الإجراءات الجزائية".
وأضاف: "وعملاً بأحكام المادة 125 من النظام الداخلي لمجلس الأمة، فقد أحال المكتب طلب وزير العدل إلى لجنة الشؤون القانونية والإدارية وحقوق الإنسان والتنظيم المحلي وتهيئة الإقليم والتقسيم الإقليمي لإعداد تقرير في الموضوع، ورفعه إلى المكتب، على أن يُعرض تقرير اللجنة فيما بعد على الأعضاء للفصل فيه في جلسة مغلقة".
حزب "التجمع الوطني الديمقراطي" ثاني أكبر أحزاب السلطة في الجزائر، يعيش هو الآخر على وقع انقسامات غير مسبوقة وغياب تام عن المشهد السياسي، بدأت مع التصريحات المثيرة التي أدلى بها الشهر الماضي الناطق الرسمي "المقال" للحزب شهاب صديق والتي اعتبر فيها أن "ترشيح بوتفليقة كان فقدان بصيرة من الحزب".
ثم سرعان ما توالت الأحداث داخل حزب "الأرندي"، وحدث "الطلاق السياسي" بين الأمين للحزب ورئيس الوزراء الجزائري السابق أحمد أويحيى وشهاب صديق، بعد أن حشد الأخير أعضاء الحزب لسحب الثقة من أويحيى، الذي سارع إلى إقالة شهاب صديق، وسط اتهامات متبادلة "بالعمالة لأطراف خارجية والكذب على الحزب والشعب".
كما يواجه أويحيى للمرة الأولى تهماً بالفساد عقب التقرير الأخير لبنك الجزائر الذي وصفه خبراء اقتصاديون بـ"الصادم"، والذي اتهم فيه رئيس الوزراء السابق بـ "تدمير اقتصاد الجزائر نتيجة الإفراط في إعادة طبع النقود، والإصرار على تطبيق سياسة التمويل غير التقليدي على اقتصاد غير منتج"، في وقت بلغ حجم الأموال المطبوعة ما قيمته 55.5 مليار دولار بحسب الأرقام التي قدمها بنك الجزائر.
وهو التقرير الذي كان كافياً لاستدعائه من قبل محكمة "سيدي محمد" بالجزائر العاصمة مع محمد لوكال وزير المالية الحالي بصفته محافظ بنك الجزائر السابق.
وبعد ورود اسمه في التحقيقات القضائية والأمنية مع رجل الأعمال رضا كونيناف وأشقائه الثلاثة، استدعى الدرك الجزائري أويحيى ولوكال، للتحقيق معهما في قضايا فساد تتعلق بـ"تبديد المال العام والحصول ومنح امتيازات غير مشروعة".
حزب "تجمع أمل الجزائر" أحد أكبر الداعمين للرئيس الجزائري المستقيل، يصارع هو الآخر وسط غياب تام لرئيسه، حيث طالب بداية الشهر الحالي رئيسه عمار غول بالاستقالة.
وأعلنت المحكمة العليا في الجزائر، الأربعاء الماضي، إعادة فتح ملف الطريق السياّر شرق – غرب، وهي القضية التي أثارت الكثير من الجدل عندما كان عمار غول وزيراً للأشغال العمومية منذ 2008 ومشرفاً مباشراً على المشروع الذي تضاعفت قيمته الإجمالية إلى 14 مليار دولار، بعد أن كانت في حدود 3 ملايين دولار بحسب موازنة الجزائر لسنة 2008.
ومنذ بدء الحراك الشعبي بالجزائر، حاولت أحزاب السلطة استمالة الجزائريين بتغيير مواقفها الداعمة لترشح بوتفليقة لولاية خامسة إلى التخلي عنه، مع رفضها المشاركة في ندوة التشاور الوطني التي دعا إليها الرئيس الجزائري المؤقت عبدالقادر بن صالح، إضافة إلى استقالة المئات من قيادييها ومناضليها "دعماً للحراك الشعبي".
وسبق لمحللين سياسيين أن توقعوا في تصريحات لـ"العين الإخبارية" حدوث تغييرات كبيرة في الصفوف الأمامية للأحزاب الجزائرية، خاصة الموالية منها، التي تسعى مؤخراً "الصفوف الخلفية" فيها لتدارك "هفوات المواقف"، كما أكد قياديون في تلك الأحزاب، من خلال الضغط باتجاه سحب الثقة عن رؤسائها، وتعيين شخصيات "لا تحظى برفض الحراك الشعبي".
ويرى كثير من المراقبين أن أحزاب السلطة بالجزائر "خسرت كل أوراقها عقب ترشيحها بوتفليقة لولاية خامسة، ووضع رحيلها كأهم مطالب الحراك الشعبي"، وأن "أي تغييرات على قياداتها يبقى مرهوناً بالمواعيد الانتخابية القادمة التي ستحدد مصيرها".
aXA6IDEzLjU5LjEyOS4xNDEg
جزيرة ام اند امز