الأجيال الجديدة ومستقبلها كان لها نصيب وافر من رؤية وفكر الشيخ محمد بن راشد
خمسون عاما أتمها في خدمة وطنه ولا يزال نهر عطائه متدفقا ونبع حكمته متجددا وإلهام أفكاره مستمرا، يبدأ عامه الحادي والخمسين في خدمة الإمارات بنفس النشاط والهمة وروح الشباب التي بدأ بها عامه الأول، وأضعاف الحكمة والخبرة والتجربة التي بدأ بها منصبه الأول، فلم تزده سنوات خدمته الطويلة ولا تجربته الكبيرة إلا رغبة في العطاء وحبا في العمل، فلا يزال لديه جديد يقدمه وعظيم يضيفه وإنجاز يحققه وطموح يصبو إليه وفكر يبهرنا به ورؤية تسبق عصرها ويفاجئنا ببعض عناصرها بين الفينة والأخرى.. إنه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الذي أبى إلا أن يحتفل بمناسبة مرور 50 عاما على توليه أول منصب له في خدمة وطنه، وأن يشكر مهنئيه بطريقته الخاصة التي يجيدها، وهي التعهد باستمرار الإبداع في العمل، والإصرار على تقديم المزيد في خدمة الوطن والمواطنين، والإسراع في تحقيق المزيد من الإنجازات والمنجزات، استغل الشيخ محمد بن راشد هذه المناسبة ليضع خارطة طريق لمستقبل الإمارات ودبي بما يضمن استمرار مجدها ورفعتها وعلو شأنها وضمان جودة حياة مواطنيها والمقيمين على أرضها، فترك لنا وللتاريخ وثيقة شاملة وضعت أسسا لإدارة المستقبل وضمان نتائجه، في الحكم والسياسة والاقتصاد والمعرفة والتجارة والاستثمار والتعليم، لم تترك الوثيقة أي شاردة ولا واردة تتعلق بالمستقبل إلا وتطرقت إليها من خلال 8 مبادئ جامعة تمثل مرتكزات للحكم والحكومة وفلسفة متكاملة للحكم الرشيد في السياسة والاقتصاد، مبادئ مرتبطة يقود كل منها إلى الآخر، وهدف مَنْ خَطَّها أن تكون نبراسا ومرشدا لكل من يتولى مسؤولية في دبي في أي وقت وتحت أي ظروف مهما تبدلت الأحوال أو تغيرت الوجوه.
أول وأبرز المبادئ الثمانية التي أعلن عنها الشيخ محمد بن راشد هو مبدأ "الاتحاد هو الأساس" انطلاقا من قناعة حاكم دبي أن اتحاد الإمارات ووحدة ترابها هو الأولوية وهو الغاية وهو المصير، فـ"مصلحة الاتحاد فوق مصلحتنا، وقوانين الاتحاد فوق قوانيننا وتشريعاتنا، وسياسة الاتحاد هي سياستنا، وأولويات حكومة الاتحاد هي أولويات حكومتنا".
وتحقيقا للمبدأ الأول كان المبدأ الثاني "لا أحد فوق القانون"، فالجميع أمام القانون سواسية، فلا أحد فوقه، ولا أي شخص مهما علا شأنه أو عظمت مكانته استثناء منه، فالعدل أساس الحكم، ولا دولة تنهض إلا بإعلاء حكم القانون وتطبيقه على الجميع أيا كانت مواقعهم أو وظائفهم أو جنسياتهم أو دياناتهم، فلا فرق بين حاكم ومحكوم، غني أو فقير، مواطن أو مقيم.
المبدأ الثالث كان ترسيخا لفصل الاقتصاد عن السياسة وإبعاده عن تأثيراتها وارتداداتها، لذا حمل هذا المبدأ عنوانا لافتا "نحن عاصمة الاقتصاد" .
تحية إلى الشيخ محمد بن راشد الذي حوّل رؤيته إلى مدرسة فكرية ملهمة في أصول القيادة والإدارة والحكم الرشيد، مدرسة لا تستورد معاييرها ولا تستقيها إلا من تجربته وخبرته وحكمته وفلسفته المتفردة
فدبي عاصمة الإمارات الاقتصادية لا شأن لها بالسياسة ولا تضع آمالا عليها ولا تتدخل فيها أو تستثمر بها، فهي صديقة للمال والأعمال وتعول عليهما وحدهما لضمان تفوق نموذجها وضمان تحسين حياة كل من يقيم على أراضيها.
وتفسيرا لهذا المبدأ جاء المبدأ الرابع "النمو له محركات ثلاثة"، الذي ينص على أن نمو دبي تقوده ثلاثة محركات هي: حكومة ذات مصداقية ومرونة وتميز، وقطاع خاص نشط وعادل ومفتوح للجميع، بالإضافة إلى قطاع شبه حكومي ينافس عالميا ويحرك الاقتصاد محليا، ويشكل للحكومة دخلا وللمواطنين وظائف وللأجيال القادمة أصولا.
ومن الاقتصاد انتقل الشيخ محمد بن راشد في مبادئه التاريخية إلى المجتمع الإماراتي، مشيدا في المبدأ الخامس بسمات المجتمع الإماراتي وخصاله التي أوصلته إلى المكانة التي يتبوأها حاليا والتي يشار إليها بالبنان من كل قاصٍ ودانٍ، فهو مجتمع قليل الجدل كثير العمل منفتح على الجميع، يحب الخير ويعشق التسامح وينبذ العنف ويبغض العنصرية والتمييز ويلفظ مثيري الفتن والكراهية ويدمن الانضباط والالتزام بالوعود والعهود، وهو ما أعطى له شخصية متفردة.
ومن المجتمع يعود محمد بن راشد في المبدأ السادس من جديد إلى الاقتصاد وضرورة تنويع مصادره وعدم الاعتماد على مصدر واحد، معلنا عن هدف جديد وضع له مدى زمنيا محددا، متمثلا في استحداث قطاع اقتصادي جديد على الأقل كل 3 أعوام، محددا مواصفات هذا القطاع الجديد بأنه يجب أن يكون منتجا ومساهما بفاعلية في الناتج المحلي، وموفرا للوظائف وقادرا على الاستمرار بقوة دفعه الذاتية، وفي المبدأ السابع يتحدث الشيخ محمد بن راشد عن دبي بوصفها أرضا ووطنا لكل صاحب موهبة، راهنا بقاء تفوقها ببقائها قبلة للمتفوقين والموهوبين واستمرار قدرتها على استقطاب أصحاب العقول والأفكار من كل حدب وصوب، وهو ما يقتضي تجديد السياسات والإجراءات بشكل مستمر لتجديد جاذبية دبي للمواهب وأصحاب العقول والأفكار.
الأجيال الجديدة ومستقبلها كان لها نصيب وافر من رؤية وفكر الشيخ محمد بن راشد، حيث اختتم مبادئه بالحديث عن هواجسها وآمالها وطموحاتها والتفكير من اليوم من أجل رخائها ومستقبلها، مؤكدا ضرورة تحصين مصير الأجيال الجديدة وعدم رهنه بتقلبات السياسة ودورات الاقتصاد، والسبيل الأمثل لتحقيق ذلك هو الاستثمار لهم وخلق أصول استثمارية من أجلهم، مرسخا قاعدة جديدة لضمان مستقبل الأجيال المقبلة، وهي أن تمتلك الحكومة في كل الأحوال أصولا تعادل 20 ضعف ميزانيتها السنوية على الأقل.
تحية إلى الشيخ محمد بن راشد الذي حول رؤيته إلى مدرسة فكرية ملهمة في أصول القيادة والإدارة والحكم الرشيد، مدرسة لا تستورد معاييرها ولا تستقيها إلا من تجربته وخبرته وحكمته وفلسفته المتفردة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة