تُوصف زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، إلى سلطنة عُمان الشقيقة، والتي بدأت أمس وتُختتم اليوم، بأنها "زيارة تاريخية".
هي الزيارة الأولى لسموه إلى السلطنة بعد توليه رئاسة دولة الإمارات في 14 مايو الماضي، وهو أيضا اللقاء الأول بين صاحب السمو وجلالة السلطان هيثم بن طارق، منذ زار جلالته الإمارات لتقديم واجب العزاء في وفاة المغفور له الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، طيّب الله ثراه.. أي إن زمنًا قصيرا جدا فصل بين اللقاءين في عاصمتَي البلدين الشقيقين، ما يُعطي انطباعا حول أهمية وخصوصية العلاقة بين الدولتين.. وكذلك حرص قيادتَي البلدين على التواصل المباشر والتشاور في كل ما يهم الشعبين ومستقبل بلديهما.
ما يلفت انتباه المراقب في الزيارة التاريخية أنها "زيارة دولة"، أي أعلى درجات الأهمية في بروتوكولات الزيارات الرئاسية ولقاءات القمة.. وهو ما يعطي مبدئيا إشارات قوية في اتجاه عمق العلاقات واهتمام الدولتين بتوطيدها أكثر فأكثر، لتزداد قوة ورسوخًا مما هي عليه من تماسك وثبات ومودة.
واقعيًّا، العلاقات الإماراتية-العُمانية تضرب بجذورها في عمق التاريخ، وتشكل جزءًا جوهريا من التداخل السكاني والديموغرافي، ومن ثمّ يتواصل في امتداده السياسي والاقتصادي والثقافي، ليشمل كل منطقة الخليج العربي.
هذا التواصل الثقافي والامتداد الجغرافي بين البلدين الشقيقين يشمل كل مناحي الحياة، بما فيها الإرث الثقافي والقيم الحضارية والعادات والتقاليد العربية الأصيلة، التي ربما تشترك فيها الشعوب العربية جميعًا، إلا أنها تتشكّل وتتطبّع بخصائص معينة لدى كل شعب.. وهي لدى الشعبين الإماراتي والعُماني لا تتشابه وحسب، بل تكاد تتطابق.
الدولتان تتقاسمان موروثاتٍ ثقافيةً وتاريخًا من الفنون والآداب وتراكمات حضارية، شكّلت ما يمكن وصفه بهوية ثقافية واحدة متناغمة.. ويجسدها، خاصة في مجالات الأدب والفنون، رصيدٌ كبير ومشترك من الموروث الشعري والقصصي، سواء المكتوب أو الشفاهي، فضلا عن الأمثال الشعبية والحِكم المتوارثة والسرديات الشعبية التقليدية.
ويتلازم هذا الامتداد الثقافي والمجتمعي، مع امتداد جغرافي تكشفه الخارطة بسهولة.. إذ توضح مدى التلاصق، بل التداخل الجغرافي في مناطق عدة عبر الحدود.. وتتداخل وتتشابك العلاقات الاجتماعية من نَسَبٍ ومُصاهرة، وكذلك الاقتصادية، متمثلة في التجارة والمشروعات الاستثمارية.
ووفقًا لإحصاءات العام الماضي، فإن سلطنة عُمان تأتي في المرتبة الثانية خليجيًّا والثالثة عربيًّا بين الشركاء التجاريين لدولة الإمارات، إذ تستحوذ على 20 بالمائة من التجارة الإماراتية.
هذا التنوع والترابط في العَلاقات يجعلها نموذجا واقعيا يجسد انصهار وتواصل الشعوب وبالتالي ترابط وتفاهم الحكومات والدول.
وليس أدل على ذلك الترابط إلا تعبير صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بقوله: "الإمارات وعُمان أخوة متجذرة وعلاقات ممتدة لا تزيدها الأيام إلا رسوخًا وقوة ومحبة".
وهي القناعة نفسها، التي عبّر عنها سمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، بمقولته: "عُمان منا ونحن منهم، إخوتنا وأشقاؤنا وعضُدنا".
تُعمّق هذا الاستعراض لطبيعة العلاقات بين البلدين أهميةُ الزيارة وخصوصية التباحث بين قيادتَي البلدين، خاصة في ظل تحديات ومستجدات تتلاحق على المنطقة.. بما يستوجب التشاور والتنسيق وتبادل الرؤية والرأي، استنادًا إلى الاتساق القائم أصلا في المصالح والأهداف وكذلك بالضرورة في الإدراك القائم للتحديات لدى كل من الإمارات وعُمان.
وفق كل ذلك، فإن مباحثات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، مع صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، تهتم بالضرورة بكل الملفات والقضايا المطروحة على الساحة الإقليمية، بما في ذلك الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط عمومًا، ومنطقة الخليج العربي خصوصًا.
كل ذلك بالطبع إلى جانب تطوير وتعميق العلاقات الثنائية بمساراتها المتعددة، خاصة في المجالات التنموية، مثل الاستثمارات والتبادل التجاري والمشروعات المشتركة.
وكون هذه الزيارة التاريخية بدرجة "زيارة دولة"، فهي تلخيص لكل جوانب الأهمية والخصوصية التي تميزها وتضيف من خلالها إلى سلسلة تواصل وترابط تاريخية، ترتقي بهذه العلاقات إلى مستوى القرب والتلاحم الشعبي والقيادي، والذي تتم إدارته بحكمة ورؤية تخدم الشعبين الشقيقين في الماضي والحاضر والمستقبل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة