خبراء لـ«العين الإخبارية»: طلب العاهل المغربي الفتوى في تعديلات «مدونة الأسرة» صمام أمان
"صمام أمان" يُحافظ على الأسرة في ظل الثوابت الدينية، هكذا وصف خبراء ومختصون طلب ملك المغرب الفتوى بشأن تعديلات مدونة الأسرة.
خطوة تأتي بعد ستة أشهر من المشاورات الموسعة مع الفاعلين السياسيين والمجتمعيين والحقوقيين المغاربة، بشتى توجهاتهم السياسية والأيديولوجية، جُمعت خلالها آراؤهم بشأن مدونة الأسرة الجديدة.
رأي شرعي
وقال بيان للديوان الملكي المغربي إن العاهل المغربي الملك محمد السادس، بصفته رئيس المجلس العلمي الأعلى، قد "أصدر توجيهاته السامية للمجلس المذكور، قصد دراسة المسائل الواردة في بعض مقترحات الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة"، استنادا إلى "مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة، ورفع فتوى بشأنها للنظر السامي لجلالته".
وأورد البيان أن هذه الإحالة تأتي "بعد انتهاء الهيئة المكلفة بمراجعة المدونة من مهامها داخل الأجل المحدد لها، ورفع مقترحاتها إلى النظر المولوي السامي، الذي اقتضى، بالنظر لتعلق بعض المقترحات بنصوص دينية، إحالة الأمر إلى المجلس العلمي الأعلى، الذي جعل منه الفصل 41 من الدستور الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى التي تُعتمد رسميا".
- تضع حدا للتأويلات.. «مدونة الأسرة» قيد المراجعة في المغرب
- «نصف الإرث للمرأة».. تعديلات مقترحة في «مدونة الأسرة» بالمغرب
وفي الصدد نفسه، يورد المصدر ذاته، دعا العاهل المغربي المجلس العلمي الأعلى، وهو "يُفتي فيما هو معروض عليه من مقترحات، اعتماد فضائل الاعتدال والاجتهاد المنفتح البناء، في ظل الضابط الذي طالما عبر عنه جلالته، من عدم السماح بتحليل حرام ولا بتحريم حلال"، بحسب البيان.
أهمية قصوى
من جهتها أوردت بثينة الغلبزوري، الأستاذة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة محمد الخامس بالرباط، أن هذا البيان يعتبر خطوة تكميلية لما سبقه من الخطوات الملكية السامية التي تنم عن السياسة الرشيدة والحكيمة لملك البلاد في تدبير شؤون الأسرة المغربية.
ولفتت في تصريح لـ"العين الإخبارية" إلى أن هذا البيان حمل مجموعة من الدلالات والإشارات المنهجية التي توضح خريطة مراجعة مدونة الأسرة المغربية، بما يعكس الاهتمام الملكي اللامتناهي بالأسرة المغربية، وتعزيز مكانتها ودورها الحضاري في بناء مغرب اليوم والغد، وأيضاً جعل قضايا الأسرة في مقدمة أولويات السياسات الملكية الرشيدة.
هذه الأهمية نلمسها، بحسب الغلبزوري في تفعيل دور العديد من المؤسسات الدستورية ذات الصلة بالأسرة، وهي وزارة العدل، المجلس الأعلى للسلطة القضائية، النيابة العامة، المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وزارة الأسرة، المجلس العلمي الأعلى، بالإضافة إلى المجتمع المدني وكل الباحثين والمهتمين بشؤون الأسرة.
تفعيل للاجتهاد
وأضافت المتحدثة أن هذا البيان هو خطوة مكملة ولبنة أخرى في بناء مستقبل واحد للأسرة المغربية، في ظل مجموعة من الخطوات المتتالية المنسجمة المتناسقة، التي لا يوجد أي تنافر أو تناقض بينها.
كما أن هذه الإحالة على المجلس الأعلى الذي جعل منه الفصل 41 من الدستور الجهة الوحيدة لإصدار الفتوى رسمياً، وتكليفه بالنظر في بعض المقترحات، يروم تفعيل الاجتهاد الجماعي في مدونة الأسرة، باعتبار أن مدونة الأسرة وإن كانت تتميز بمركزية الشق القانوني، إلا أن الجانب الديني والفقهي حاضر بقوة، باعتبار أن معظم موادها ومصطلحاتها مقتبسة من الفقه الإسلامي عموما والمالكي خصوصاً.
إلا أن هذه الإحالة، تورد المتحدثة، لا تهم إلا بعض القضايا التي تحكمها نصوص دينية باعتبار أن الإسلام من أهم مقومات المجتمع المغربي، ولهذا فإن "السياسة الرشيدة الحكيمة لمولانا أمير المؤمنين حفظه الله، جعلت مراجعة مدونة الأسرة تمر بمراحل تدريجية منطقية بدءاً من الخطابات السامية، خاصة خطاب العرش عام 2022، وخطاب افتتاح السنة التشريعية 2023-2024 ثم الرسالة الموجهة لرئاسة الحكومة"، تقول المتحدثة.
اجتهاد مقاصدي
وزادت المتحدثة أن "هذه الخطوة تؤكد الاعتماد في المراجعة على الاجتهاد المقاصدي وتحقيق الوسطية والاعتدال، إذ إن الخطوات الملكية السامية التي تجلت فيها خطوات الاجتهاد الأصولي الذي لا يتأتى إلا بعد التصور الكامل للقضية، فالعالم المجتهد لا ينظر في النص فحسب، بل ينظر في الواقع ومتغيراته ومآلاته".
ولفتت إلى أن الالتجاء إلى الاجتهاد المقاصدي سواء في فهم النصوص أو تنزيل مقتضياتها على الواقع المعاش، هو عمل لا يدركه ويتقنه إلا من وكل إليه أمر الاجتهاد والإفتاء، وهو المجلس العلمي الأعلى الذي يضم ثلة من خيرة العلماء المغاربة الأفذاذ".
وهذا "ما يشكل حماية من الاضطراب والفتنة في الدين والحد من التأويلات الدينية والنزاعات الفردية"، تختم المتحدثة.
احترام للدستور والمؤسسات
هذه الخطوة تنم قبل كُل شيء عن احترام عميق للعاهل المغربي الملك محمد السادس للدستور المغربي ومُقتضياته، يورد المحلل السياسي حسن بلوان، في تصريح لـ"العين الإخبارية".
ولفت بلوان إلى أن الفصل 41 من النص الدستوري المغربي يعتبر المجلس العلمي الأعلى الجهة الوحيدة المؤهلة لإصدار الفتاوى المعتمدة رسميا، بشأن المسائل المحالة عليه، استنادا إلى مبادئ وأحكام الدين الإسلامي الحنيف، ومقاصده السمحة.
وتعكس هذه الخطوة، يورد بلوان، احترام الملك محمد السادس لعمل المؤسسات الدستورية الوطنية، من خلال إشراك المجلس العلمي الأعلى في دراسة بعض المقترحات المتعلقة بالنصوص الدينية المرتبطة بقضايا الأسرة، كما تنطلق من جوهر اختصاصات إمارة المؤمنين وحرص الملك على توسيع المسار التشاوري بخصوص مراجعة أحكام مدونة الأسرة، بما يستجيب لتوقعات عموم المواطنين.
كما أن الملك يؤكد مرة أخرى أن مؤسسة إمارة المؤمنين هي صمام الأمن الروحي للمغاربة، إذ دائما ما تكون الحاسم في القضايا الخلافية الكبرى، وسداً منيعاً أمام كُل من تسول له نفسه الركوب على بعض الملفات الخلافية لتحقيق مآرب شخصية أو سياسية أو أيديولوجية ضيقة.