جامع الزيتونة المعمور.. قبلة التونسيين في رمضان (صور)
يتزيّن جامع الزيتونة المعمور في العاصمة التونسية لاستقبال آلاف المصلين في شهر رمضان المعظم، وسط تقاليد فريدة.
ويسارع التونسيون كل ليلة من ليالي رمضان لحجز أماكنهم في الجامع لأداء الصلوات خاصة التراويح، كما يشهد هذا الجامع مجالس ذكر وحلقات وعظ ديني ومحاضرات ومسامرات دينية.
وتنظم فيه أيضا نشاطات دينية منوّعة طيلة شهر رمضان، حيث يتحوّل جامع الزيتونة بالعاصمة إلى وجهة لآلاف الزوار من الدول العربية والإسلامية لا سيما في العشر الأواخر من الشهر الكريم، وليلة 27 التي يختم فيها القرآن. وتنظم فيها مسابقات حفظ القرآن الكريم وتسند الجوائز للفائزين.
الزيتونة تأسس سنة 699 ميلادي، ويسمى بجامع الزيتونة المعمور أو الجامع الأعظم، وهو ثاني أقدم جوامع تونس ومن أهمها لما يتميز به من متانة البناء وثراء الزخرفة وتناسق عناصره المعمارية، واندماجه من حيث البناء والوظيفة الدينية والعلمية في المحيط الخارجي المكوّن من طرق رئيسية وأسواق.
ويعود تأسيس هذا الجامع إلى حسان بن النعمان الغساني فاتح تونس وذلك حوالي سنة (699م). ثم قام عبيد الله بن الحبحاب والي الخليفة الأموي هشام بن عبدالملك على أفريقية سنة 110 هـ/728 ـ729م بإعادة إعماره.
معمار فريد
زاد عبيد الله بن الحبحاب في أبنيته ورفع صروحه مستعينا بخبراء وبناة أقباط أرسلهم إليه والي مصر لبناء دار الصناعة.
وحظى هذا الجامع باهتمام جميع السلالات الحاكمة التي مرت على البلاد، بيد أنه طغت عليه بصمة الأغالبة الذين ضخّموا بناية الجامع ووسّعوا مساحته مع تجويد عمارته وتنميق زخرفته بما كاد أن يطمس ما سبق من عمارته.
ويعود ذلك إلى الأمير الأغلبي أبي إبراهيم أحمد (856م - 864م) الذي عُرف بولعه بعمارة البلاد وإنشاء المعالم العمرانيّة المختلفة، فأقاموا بيت صلاة معمّدة على شكل مربع غير منتظم تمتد على مساحة 1344 م2، وتحتوي على 15 مسكبة يبلغ عرض كل منها 3م فيما عدا المسكبة الوسطى التي يبلغ عرضها 4.8 م، وبنيت أقواسها بالحجارة المرصفة.
وتواصلت عمليات البناء بجامع الزيتونة في العهد الفاطمي (909م - 973م) على أيدي الولاة الصنهاجيين الذين جدّدوا الجامع وزادوا في أبنيته وزخرفته.
يمتد الجامع على مساحة 5 آلاف متر مربع ويحتوي على 9 أبواب، وجاء تخطيط المسجد على شكل مستطيل غير متساوي الأضلاع وهو يشبه إلى حد كبير جامع عقبة بن نافع بالقيروان.
ويحيط بفنائه رواق يرتكز على أعمدة ذات تيجان قديمة، بينما الأروقة الأخرى ترتكز على أعمدة من الرخام الأبيض المجلوب من إيطاليا خلال القرن التاسع عشر.
وتتوسط المزولة هذا الفناء، وتحتل الصومعة المربعة الزاوية الشمالية الغربية للفناء، ويبلغ ارتفاعها 43 مترا، وهي تشبه كثيرا صومعة جامع القصبة.
وتنوّعت سقوف الجامع، فجاء سقف بيت الصلاة مغطىّ بعوارض خشبية بارزة من الداخل ومنبسطا مسطحا من الخارج، وترتكز السقوف إلى أعمدة من الرخام جُلب أغلبها من المواقع الأثرية الرومانية والبيزنطية بالبلاد التونسية، وتعلو المحراب قبة مبنية بحجارة الحرش مرصفة بإتقان ذات قاعدة مربعة يعلوها إفريز، وتحتوي على زخارف صغيرة ذات أشكال مقوسة.
تسمية الجامع
وقال المنوبي الشابي الباحث التونسي في الحضارة الإسلامية، إن الروايات تعددت حول أصول تسميته حيث ذهب البعض إلى أن الجامع بني في موضع زيتونة بالمكان فسميّ بها. كما تذهب رواية أخرى إلى أن الجامع يعتلي موقع كنيسة قديمة تضم رفات القديسة (أوليف) بمعنى الزيتونة فجاءت تسمية الجامع.
وأضاف لـ"العين الاخبارية" أن هذا الجامع يجمع بين الوظيفتين الدينية والتعليمية. فلم يكن هذا الجامع ركيزة الحياة الدينية فحسب بل كان منارة علمية ومكانا للتدريس، حيث تلتئم حلقات الدروس حول الأئمة والمشايخ للتضلّع في علوم الفقه والتفسير واللغة. وأكد أن التدريس داخله اتخذ شكلا نظاميا، وأصبحت جامعة الزيتونة قبلة طالبي العلم من جميع الأقطار.