
فن الكاريكاتير أبلغ تعبير عن محن الأوطان، فيجسد ميثم راضي رسام الكاريكاتير العراقي، معاناة العراق الحالية.
"من أزمات الأوطان يولد الإبداع".. فيصبح فن الكاريكاتير أبلغ تعبير عن محن الأوطان، وبريشة يغلب عليها الرسم الصامت، الذي لا يحمل أي تعليق، والاعتماد على تقنية الرسم الأساسية بالرسم والتحبير بـ الأبيض والأسود، يجسد ميثم راضي رسام الكاريكاتير العراقي، معاناة العراق الحالية، ومأساة المدنيين النازحين من معركة الموصل، التي بدأت بهدف طرد تنظيم "داعش" الإرهابي من مدينة الموصل.
فمنذ 2003 سقطت العاصمة العراقية بغداد تحت سطو الغزو الأمريكي، وتوالت الضربات العنيفة الموجهة للعراق، بين خلافات سياسة ومعاناة لإعادة بناء العراق بعد خروج القوات الأمريكية منها، وربما كان عام 2014 عاما مؤثرا في تاريخ العراق بشكل عام، والموصل بشكل خاص، حين ظهر تنظيم "داعش" الإرهابي ليسيطر على عدد من المدن العراقية أهمهم الموصل، المدينة التاريخية التي تعرضت لهدم وخراب على يد المتطرفين.
البداية
بدأ فنان الكاريكاتير العراقي ميثم راضي، عمله منذ عشرين عاما، ليسخر مهنته من أجل القضية العراقية، والدفاع عن مدنية وحرية الدولة، وبالرغم من احترافه لـ فن الكاريكاتير لسنوات طوال، إلا أنه يرفض وصفه بـ "المحترف"، ويعتبر مهارته في الرسم لم تصل لمرحلة الاحتراف، ويجد أن ما يملكه هي تقنيات وإمكانيات بسيطة لظهور رسمات الكاريكاتير.
الكاريكاتير رسالة
وفي حواره مع بوابة "العين" الإخبارية، يقول راضي صاحب الـ 42 عاما، " وجدت في الكاريكاتير طريقة لإيصال الكثير من الرسائل والمعاني بطريقة عميقة وعابرة لحدود اللغة والثقافات" مشيرًا إلى أن الفنون جمعيها هدفها واحد الدفاع عن قضية إنسانية وليست قضية محددة بفكر أو أيدلوجية من أجل استقطاب مجموعة على حساب الأخرى.
دخل ميثم راضي لمجال فن الكاريكاتير، من بوابة الشعر والأدب، خاصة وأنه اهتم طوال سنوات بكتابة الأشعار والقصائد النثرية، التي تشابه مع الرسم في الكثير من الأمور، أولهم اللجوء للرمزية والتأويل في نسج الأبيات مثلها مثل الكاريكاتير الذي يعتمد على التصوير وتجسيد الأفكار والمعاني.
بالرغم من أن دراسته كانت في هندسة الكهرباء، ولكن عبر القراءة والمتابعة الدائمة لتطور فن الكاريكاتير والأحداث السياسة والمجتمعية بالعراق، يستطيع راضي أن يطور من أدواته الخاصة لتقديم رسومات كاريكاتيرية ذات معنى عميق ومعبر أكثر.
بشائر من الموصل
ومع إعلان القوات العراقية في يوم 17 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي البدء في استعادة الموصل من يد تنظيم داعش، تدفقت الأفكار لدي راضي، ليبدأ بريشته البسيطة وخطوطه المعبرة، تجسيد تطورات المعركة من إلحاق هزائم متعددة بعناصر داعش المتطرفة، ونزوج أعداد كبيرة من المدنيين من أهل الموصل، قدرت أعدادهم بحوالي 103 آلاف نازح منذ بداية معركة الموصل، ليبرز فنان الكاريكاتير العراقي معاناة هؤلاء النازحين وبحثهم عن مخيمات تؤويهم من برودة الشتاء ونيران داعش.
"بشائر من الموصل" هاشتاق وتعليق دائم اعتاد كتابته على جميع رسوماته الكاريكاتيرية، إيمانًا منه أن معركة الموصل ستنتهي لصالح الشعب العراقي، الذي عانى منذ سنوات طويلة، وازدادت حدة المعاناة مع ظهور تنظيم "داعش" الإرهابي، واقتحامه للمدن العراقية، ليدمر بيده القبيحة كل ملامح معالم التاريخ.
ويهتم راضي بالرسم بتقنية الأبيض والأسود، والتقليل من الرسومات الملونة، خاصة في الرسومات الخاصة بمعركة الموصل، وحول رؤيته في التركيز على الأبيض والأسود، يري راضي أن التقنية الأساسية في الرسم هي الأبيض والأسود، وهو أسلوب يصفه الرسامين بـ أسلوب التقشف الفني من أجل إبراز الفكرة، وفي الوقت نفسه يعتبر راضي أن التلوين بالطرق الحديثة سواء عن طريق تطبيقات الرسم أو غيرهم، هي سمة جديدة إضافية دخلت للكاريكاتير.
ويغلب على أعماله الكاريكاتيرية غياب التعليق، ويرى راضي في الكاريكاتير بدون تعليق لغة عالمية، لا تحتاج من القارئ أن يعرف لغتك ليفهم المغزى، بل يخلق علاقة قوية مع المتابع لوجود تأويلات أكثر للرسم، واصفًا هذه الأعمال بـ الرسالة الأقوى التي تناسب الأحداث الحالية في العراق بشكل عام، والموصل بشكل خاص.
ويرى ميثم راضي أن "فنان الكاريكاتير يجب أن يحمل قضية"، مؤكدا على مبدأ أن الكاريكاتير له هدف وقضية محددة، ويجب أن يحول هذه القضية لفكرة، التي تترجم إلى رسم وتجسيد على الورق، ففي بعض الأحيان تسبق الفكرة الرسم، وفي وقت آخر يسبق الرسم الفكرة.
ويأخذ رسام الكاريكاتير على عاتقه طريق المخاطرة والمجازفة في إيصال رسالته، وبكل جرأة يجسد راضي الكثير من المعاني والشخصيات فضلًا عن الإشارة لـ الدين الإسلامي والعراق في رسوماته الكاريكاتيرية بالأشخاص، ويشرح راضي قائلًا " امتلاك صورة نمطية للقيم والمعاني، تجبره للاتجاه للتجديد بتجسيد هذه القيم إلى رموز أخرى غير تقليدية"، ويراعى بأن الرمزية في الرسم لا تجبر المتلقي على فهم وتكوين صورة ذهنية معينة عن القضية، إنما التجسيد في المطلق يعطي للقارئ فرصة لتحديد وجهة نظره في القضية.
ومن خلال رسوماته، يظهر انحيازه للمرأة العربية بتصوير المرأة هي رمز المقاومة والصمود والدفاع عن الأوطان، فيقول راضي " المرأة هي حقًا المقاومة، فأنا لست مع من يربط بين المرأة والمقاومة، بينما الواقع هو الذي يجبرني لأن المرأة في الحقيقة هي من تقاوم".
النازحون من الموصل
وعبر القصص الإنسانية من نازحي الموصل، يخرج فنان الكاريكاتير بالأفكار والقضايا التي يستهدفها في رسمه، ويعتبر راضي أن أصعب القضايا في معركة الموصل هي " النزوح من المدينة"، الذي يعد محركا رئيسيا ومؤثرا في الكاريكاتير.
ويذكر بعض المشاهد المؤثرة والمفارقات المؤلمة في قصص النازحين بالعراق، فيقول " في الصيف الماضي، وأثناء عمليات النزوح هربًا من داعش، مات صبي عراقي صغير لنقص المياه، والمشهد تكرر أيضًا في الموصل ليفقد طفل صغير حياته نظرًا لتعرضه لبرد شديد أثناء تواجده بالمخيم".
ظروف قاسية
وعن السنوات الصعبة التي يعشيها العراق، يحاط بـ راضي مخاوف كثيرة، بداية من الحزن والمشاعر السلبية التي تصاحبه كل مرة عند سماع دوى انفجار سيارة مفخخة، أو عند رؤيته لطفل صغير يتسول في الطرق، وكلما اشتدت المحن على العراق، شعر راضي كمواطن عراقي بفقدان الأمل في بعض الأحيان، وسريعًا ما ينتبه لنجاحات القوات العراقية في معركة الموصل، ليتجدد الأمل في استعادة المدينة من يد المتطرفين.
ويكرس راضي أغلب أعماله في الوقت الحالي لمعركة الموصل، خاصة وأنه يلجأ لهاشتاق "بشائر من الموصل" الملائم للحرب النبيلة التي يخوضها العراق ضد داعش، مؤكدًا أن بعد انتهاء المعركة تشغله قضايا أخرى لإعادة بناء العراق من جديد.
وفي ظل الأوضاع السياسية الحالية، يخشى راضي على مصير الإبداع والفن بالوطن العربي، وفي ظل تنامى التيارات المتشددة المتطرفة، يفتقد رسامو الكاريكاتير والمبدعون مساحة الحرية والأمان لنشر رسالتهم النبيلة.