معركة الموصل عند مسؤولي أمريكا.. شر لابد منه
مع بدء معركة الموصل، تجوب الأوساط الأمريكية مخاوف للعواقب المجهولة التي قد تتبع، لكنهم يأملون بنجاح خطتهم لما بعد خروج "داعش"
قال مسؤولون أمريكيون إن العراق والولايات المتحدة أطلقوا معركة حاسمة لتحرير مدينة الموصل دون تحديد الكيفية التي ستحكم بها تلك المنطقة المضطربة بعد طرد مقاتلي تنظيم "داعش" منها، معترفين بوجود ثغرات ومخاطر في الخطة، وسط مخاوف من أن تفتح هزيمة التنظيم الباب أمام صراعات طائفية لتسوية حسابات وانتزاع السيطرة على أراضٍ في شمال البلاد المتباين الأعراق.
لكن المسؤولين الأمريكيين يجادلون بأن البديل المتمثل في الانتظار لتسوية الخلافات الطائفية في العراق غير واقعي، ويقولون أيضا إن الوقت مناسب الآن لمهاجمة التنظيم بينما يعاني على المستوى العسكري، خاصة أن مسؤولين غربيين وعراقيين يؤكدون أن الخطط جاهزة لإدارة مدينة الموصل نفسها وتقديم المساعدات لمئات الآلاف من سكانها المدنيين الذين قد يفرون من القتال.
رغم ذلك يعترف المسؤولون بأنه من بين المسائل المتروكة لمراحل لاحقة، نقاط جوهرية من المرجح أن تكون عاملا في تحديد استقرار العراق مستقبلا، ومن بينها مطالب متنازع عليها بشدة للسيطرة على أراضٍ في شمال البلاد ومنها مدينة كركوك المقسمة والحدود المتنازع عليها لإقليم كردستان العراق الذي يتمتع بحكم ذاتي.
وفي الموصل نفسها، ليس من الواضح حتى الآن كيف سيتم توزيع السلطات بين أهل المدينة من العرب السنة والأكراد والأقلية التركمانية والمسيحيين واليزيديين وغيرهم، وقال مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية: "سيتم تأجيل بعض هذه المسائل المتعلقة بالصورة الكبرى للحكم ومشاكل إقليمية لما بعد".
وقال لقمان الفيلي السفير العراقي السابق لدى واشنطن من عام 2013 وحتى وقت سابق من العام الجاري، إنه رغم التخطيط المتقدم على الصعيد العسكري، فإنه "على الصعيد السياسة ما زلنا بحاجة لترتيب بيتنا بشكل أفضل".
ووجدت الولايات المتحدة مرارا في السنوات الأخيرة أن عواقب الحرب قد تكون أكثر إثارة للمشاكل من المعارك نفسها، فقد اجتاحت القوات الأمريكية العراق في 2003 دون خطة تفصيلية لما بعد الحرب وبعدد غير كاف من الجنود، ما كان عاملا أسهم في الفوضى التي ما زالت تعاني منها البلاد بعد أكثر من 13 عاما.
وبدأت القوات الحكومية العراقية، أمس الإثنين، المراحل الأولى من هجومها لاستعادة الموصل مدعومة بمساندة جوية وبرية من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، في عملية يجري الإعداد لها منذ شهر يوليو/تموز الماضي.
ومن المتوقع أن يستمر القتال أسابيع إن لم يكن شهورا؛ إذ ستعمد فيه القوات الحكومية ومقاتلو العشائر السنية وقوات البشمركة الكردية إلى محاصرة المدينة التي يتجاوز عدد سكانها المليون نسمة قبل محاولة هزيمة ما بين 4 آلاف و8 آلاف مقاتل من تنظيم "داعش".
وقال بريت مكجورك مبعوث الرئيس الأمريكي باراك أوباما في التحالف الدولي: "إذا حاولنا حل كل شيء قبل الموصل فلن تخرج داعش من الموصل أبدا.. وهذه في الواقع حرب تقوم على الزخم".
وتكمن أهمية هذه المعركة بالنسبة لأوباما فيما يرجو أن يذكره له التاريخ من إنجاز يتمثل في استعادة الأراضي التي سيطر عليها الإرهابيون قبل أن يترك منصبه في يناير/كانون الثاني المقبل.
وتأتي بداية حملة الموصل قبل 3 أسابيع فقط من انتخابات الرئاسة الأمريكية المقرر إجراؤها في 8 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
عدم ارتياح:
ويحظى قرار دعم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في معركة الموصل التي يشارك فيها أكثر من 30 ألف مقاتل بالتأييد في الدوائر الرئيسية لإدارة أوباما.
غير أن بعض المسؤولين بوزارة الدفاع وأجهزة الاستخبارات يشككون فيما إذا كان الجيش العراقي الذي أعيد بناؤه جاهزا لها، ويقولون أيضا إنهم يخشون أن تتحول عواقب المعركة إذا كانت فوضوية إلى كابوس سياسي يحاول فيه السنة والأكراد والشيعة السيطرة على ما حرروه من قطاعات المدينة.
وقال مسؤول بالإدارة قبل أن يعلن العبادي بدء الهجوم في ساعة مبكرة من صباح الإثنين، "في بعض الدوائر في واشنطن يريدون أن يكون كل شيء جاهزا قبل أن تبدأ الحملة العسكرية"، مضيفا أن "إبعاد التركيز العراقي عن المعركة العسكرية من أجل تسوية كل المعارك السياسية القديمة لن يحقق سوى فقدان الزخم ضد التنظيم".
ويسلم المسؤولون بأن من المحتمل ظهور مشاكل أخرى.
وتقول تركيا التي تربطها بالموصل صلات ثقافية وتاريخية قديمة، إن قوة دربتها في شمال العراق تشارك الآن في القتال، كذلك فإن فصائل شيعية مسلحة تتمتع بنفوذ كبير تريد أن يكون لها دور وهو ما يثير مخاوف من اشتباكات طائفية في الموصل ذات الغالبية السنية.
وقال المسؤول الأمريكي إنه خلال أسابيع من الجهود الدبلوماسية الإقليمية المكثفة عمل مبعوثون كبار من واشنطن على توصيل رسالة مفادها أن كل القوات يجب أن تكون تحت قيادة العبادي، ولم يتضح بعد ما إذا كانت هذه الرسالة قد وصلت.
ورأى المسؤولون أنه في حين أن قضايا أكبر تركت لمرحلة لاحقة، فقد وضعت خطط لحكم مدينة الموصل وتحقيق الاستقرار فيها في الأجل القريب بعد أن تهدأ المعارك.
وتقضي الخطط بعودة نوفل العاكوب محافظ نينوى التي تمثل الموصل عاصمتها وتقسيم المدينة إلى أحياء لكل منها رئيس محلي لمجلس بلدي، على أن يتولى العاكوب وحده تسيير دفة الأمور مع ممثل رفيع المستوى من بغداد ومن أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق.
وتم تعزيز إجراءات فحص المدنيين الفارين من الموصل في محاولة لتطبيق الدرس المستخلص من معركة الفلوجة في محافظة الأنبار، فقد تم احتجاز رجال وصبية من السنة وعذبوا بل قتل البعض منهم على أيدي أفراد الفصائل الشيعية الذين أقاموا حواجز تفتيش مؤقتة على الطرق.
ويعمل مسؤولون أمريكيون وعراقيون لضمان خروج المدنيين النازحين عبر طرق مأمونة من المدينة وأن تشرف السلطات الإقليمية على الحواجز الأمنية وتراقبها جماعات أهلية دولية.
كما يأمل المسؤولون أن يبقى سكان الموصل في بيوتهم بقدر المستطاع على النقيض مما حدث في مدن تكريت والفلوجة والرمادي التي خرج كل من فيها تقريبا أثناء عملية تحريرها من قبضة تنظيم "داعش"، خلال العام الجاري.
وقالت الأمم المتحدة إن معركة الموصل قد تسفر عن نزوح ما يصل إلى مليون شخص، لكن مسؤول كبير بوزارة الخارجية الأمريكية يأمل أن يكون هناك "ثمة فرصة.. ربما فرصة كبيرة أن يكون العدد أقل مما نتوقعه، لكن بالطبع سيكون من الخطر افتراض ذلك".
وسلم الدبلوماسي الغربي بأن التحرك الآن لتحرير معقل التنظيم في الموصل عملية تتطلب موازنات دقيقة، قائلا إنه "ثمة حد معين يمكنك أن تستعد عنده بقدر المستطاع، لكن ما أن تشرع في العمل وتبدأ الأحداث فعليا فإن عليك في الواقع أن تتحلي بالمرونة والتأهب".
aXA6IDMuMTM4LjEyMi45MCA= جزيرة ام اند امز