حماية أجسام الفراعنة بمركب من الفواكه والخضراوات.. كيف يمكن تحضيره؟ (خاص)
توصل فريق بحثي من كلية العلوم بجامعة القاهرة، بالتعاون مع باحثين من وزارة السياحة والآثار المصرية، إلى فعالية مشتقات مركب "الكالكون" الطبيعي، المستخرج من مصادر نباتية كالفواكه والخضراوات في توفير الحماية للمومياوات الفرعونية من الفطريات.
ورغم براعة المصري القديم في التحنيط واستخدام مواد طاردة للفطريات، فإن هناك عوامل قد تؤدي لنمو الفطريات، مصدرها ليس الجثمان نفسه المحصن بمواد التحنيط، ولكن بسبب وجود بعض المواد المصاحبة للجثمان، التي كانت تقدم كقرابين، مثل اللحوم والخبز، والتي تكون بيئة مناسبة لنمو الفطريات، كما توضح رانيا علي، مدير إدارة الحفاظ على المومياوات والبقايا البشرية بوزارة السياحة والآثار المصرية، والباحثة المشاركة بالدراسة المنشورة 12 يوليو / تموز بدورية (بوليسيكليك أروماتيك كومبوندز Polycyclic Aromatic Compounds).
البحث عن مثبطات رخيصة
وتكون تلك المواد المصاحبة للجثمان بيئة مناسبة لنمو الفطريات، بينما تحصل الأنواع الفطرية على العناصر الغذائية الضرورية للنمو (النيتروجين والفيتامينات والمعادن) من لحوم المومياوات.
وتقول، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن التدهور الحيوي للمومياوات الأثرية من القضايا الخطيرة، حيث تعد الفطريات أهم العوامل التي تؤدي إلى تدهورها، وكان شغلهم الشاغل في تلك الدراسة هو البحث عن مثبطات رخيصة للفطريات من مواد طبيعية، وتكون فعالة مع أكبر عدد من الفطريات، لحماية المومياوات من ناحية، وتوفير الحماية للقائمين على ترميمها من التعرض للجراثيم الفطرية، من ناحية أخرى.
وكما أوضح الباحثون في دراستهم، كانت هناك محاولات سابقة للتعامل مع تلك المشكلة، ولكن كان لكل منها عيوبها، حيث استخدمت الحلول الفيزيائية والكيميائية، بما في ذلك الأشعة فوق البنفسجية والليزر وأشعة جاما والمركبات الكيميائية التقليدية، وهذه الأدوات كان لها سلبيات متعددة، بما في ذلك أن الحماية التي توفرها لا تدوم طويلا، فضلا عن تكلفتها العالية، وآثارها السامة، بالإضافة إلى ذلك، أن الكائنات الحية الدقيقة، التي تعيش على المومياوات، كما يحدث في أزمة المضادات الحيوية التي تستخدم لمواجهة الميكروبات التي تصيب الجسم البشري، طورت مقاومة ضد المركبات التقليدية التي تستخدم على نطاق واسع في المتاحف.
ما هو مركب "الكالكون"؟
وكما يبحث الباحثون -حاليا- عن مواد جديدة يمكن استخدامها كمضادات حيوية، لمواجهة مشكلة مقاومة العوامل الممرضة للأدوية، بحث الفريق البحثي في الدراسة الجديدة عن حلول خضراء صديقة للبيئة، تحقق كفاءة عالية وفعالية من حيث التكلفة، والتأثير الوقائي طويل الأمد، للحفاظ على المومياوات ضد الاستعمار الميكروبي، فوجدوا ضالتهم في مشتقات مركب "الكالكون"، الذي يتم تحضيره من مصادر طبيعية.
ويتوافر "الكالكون" بكثرة بشكل خاص في الفواكه (مثل الحمضيات والتفاح) والخضراوات (مثل الطماطم والكراث وبراعم الفاصوليا والبطاطس)، والعديد من النباتات والتوابل (مثل عرق السوس).
تثبيط 13 نوعا من الفطريات
وخلال التجارب التي أجريت بالدراسة، استخدم الباحثون مشتقات المركب مع 13 نوعا مختلفا من الفطريات تم عزلها من الكارتوناج (نوع من المواد المستخدمة في غلاف التوابيت والمومياوات) الخاص بمومياء مصرية قديمة، عثر عليها في منطقة اللاهون بمحافظة الفيوم المصرية، وتم قياس النشاط المضاد للفطريات والتركيز المثبط الأدنى لأربعة من مشتقات (الكالكون) تم اختبارها بتركيزات مختلفة (1 ، 2 ، 3 ، 4 ، 5 ، 6 مجم / مل)، وكان أكثر المشتقات كفاءة هو النوع الرابع الذي سبب أقصى تثبيط معنوي في نمو الثلاثة عشر نوعا من الفطريات المعزولة.
والفطريات المعزولة هي (أسبرجيلوس فلافوس Aspergillus flavus)، (أسبرجيلوس نيجر Aspergillus niger)، (أسبرجيلوس تيروس Aspergillus terreus)، (أثيليا بومباسينا Athelia bombacina)، (أوريوباسيديوم إيرانيانوم Aureobasidium iranianum )، (بيسوكلاميس سبكتابليس Byssochlamys spectabilis)، (كلادوسبوريوم كلادوسبوريويدس Cladosporium cladosporioides)، (كلادوسبوريوم راموتينيلوم Cladosporium ramotenellum)، (بنسليوم كرستوسوم Penicillium crustosum)، (بنسليوم بولونيكوم Penicillium polonicum)، (تلاروميسيس أتروسيوس Talaromyces atroroseus)، (تلارومسيس مينيولوتيوس Talaromyces minioluteus)، (تلارومسيس بوربوريوجينوس Talaromyces purpureogenus).
التثبيط وحده لا يكفي
وتقول سامية مغربي، اختصاصية الأنثربولوجيا، والمديرة السابقة لمركز بحوث وصيانة الآثار سابقا، إن المشتقات التي استخدمت مع الفطريات رغم فعاليتها معمليا، إلا أنها تحتاج إلى مشوار طويل، يجب أن يقطعه الباحثون، حتى تكون هناك توصية باستخدامها في معالجة المومياوات.
وتقول مغربي في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، إن نجاح المادة في تثبيط نشاط الفطريات وحده لا يكون جواز مرور لها للتطبيق مع الأثر، لا سيما المومياوات، إذ يجب التأكد من أن استخدامها مع الأثر، لن يحقق شيئا إيجابيا من ناحية، ويضر بالأثر من ناحية أخرى، كأن يؤثر مثلا على شكله أو يؤدي إلى تدهوره.
وتضيف أن حسم هذا الأمر يتطلب تجارب معملية أكثر تقدما يتم خلالها استخدام المشتقات مع مستنسخ أثري، وليس الأثر الأصلي، وفي حالة المومياوات يكون هذا المستنسخ مثلا عظام، وفي حال التأكد من فعاليتها وعدم إحداثها آثارا جانبية بالأثر يمكن في هذه الحالة التوصية باستخدامها.
aXA6IDMuMTQ5LjI1MS4yNiA=
جزيرة ام اند امز