حكاية عمرها 60 عاما.. 7 محطات في تاريخ مؤتمر ميونخ
في بداية الستينيات، كان العالم على وشك حرب عالمية ثالثة، وظهر جدار برلين، قبل صدمة أزمة الصواريخ الكوبية وشبح الحرب النووية.
في ذلك الوقت، اغتنم رجل الموقف فرصة لإقامة مؤتمر عالمي، إذ دعا إيوالد فون كلايست العالم إلى "مؤتمر العلوم العسكرية" الأول في عام 1963، والهدف التحدث وجها لوجه حول العلاقات عبر الأطلسي والسياسة الأمنية في زمن الحرب الباردة.
وبصفته جنديا في الجيش الألماني كان فون كلايست جزءا من مجموعة نفذت محاولة للانقلاب على الزعيم النازي أدولف هتلر، وهي "ميزة كبيرة"، حسب قول السياسي بالحزب الديمقراطي الاشتراكي أغون باهر، الذي يعتبر مهندس سياسة المستشار الألماني السابق ويلي براندت.
وقال باهر في تصريحات عام 2014 "كان إيوالد فون كلايست ضربة حظ لنا، رجل كان مستعدًا لتفجير نفسه مع هتلر، وكان الشخص الوحيد الذي يتمتع بقدرة موثوقة لا يمكن تعويضها لتنظيم مثل هذا المؤتمر".
المحطة الأولى
في الاجتماع الأول لـ"مؤتمر العلوم العسكرية" كان السياسي المحلي في ولاية هامبورغ هيلموت شميدت حاضرا إلى جانب هنري كيسنغر، والاثنان لم يكونا بعد في قمة السياسة العالمية، لكن بعد هذا الاجتماع صعد هنري كيسنغر لمنصب وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية، وتولى شميدت المستشارية الألمانية.
وعلى الرغم من أن الكثير من الأشياء تحدث خلف الكواليس في مؤتمر ميونخ للأمن ولا تصل إليها عدسات الإعلام، إلا أن الأمور أحيانا ما تكون ساخنة على المسرح أيضا.
المحطة الثانية
والمثال الشهير على ذلك يعود لعام 2003، حين كان من الواضح مقدما أن الولايات المتحدة تخطط للإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين، وفي الوقت نفسه لا ترغب الحكومة الألمانية برئاسة المستشار في ذلك الوقت جيرهارد شرودر في المشاركة بالعملية.
وفي واشنطن، تحدث وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد بازدراء عن ألمانيا وفرنسا، قائلا إنهما "أوروبا القديمة"، التي لا تقف إلى جانب واشنطن في هذه القضية، وذكر ألمانيا إلى جانب كوبا وليبيا.
وفي مؤتمر ميونخ الأمني بعد ذلك، لم يقم رامسفيلد بأية استفزازات أخرى، لكنه طلب الدعم مرة أخرى من ألمانيا، وعندما تحدث يوشكا فيشر، نائب المستشار الألماني في ذلك الوقت، استخدم عمدا اللغة الإنجليزية في إلقاء كلمته، وخاطب رامسفيلد مباشرة، قائلا "عليك أن تقدم حججاً قوية".
وأضاف: "لكي تقدم حججاً قوية في ظل نظام ديمقراطي، عليك أن تقتنع بنفسك، أنا لست مقتنعاً، هذه مشكلتي، ولا أستطيع الخروج علناً وأقول: الآن علينا أن نذهب إلى الحرب، أنا لا أؤمن بأن هناك أسبابا لذلك".
وبالنسبة للعديد من المشاركين والمراقبين، فإن مثل هذه المواجهات السياسية على الملأ تكون جزءا من خصوصية مؤتمر ميونخ للأمن.
وعن هذه المواجهات، قالت الرئيسة السابقة لمجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي في فيلم وثائقي بعنوان "فندق فيلتبوليتيك"، الذي يحكي تاريخ المؤتمر الأمني "هذا هو جمال مؤتمر ميونخ.. رؤساء الدول والمشرعون وغيرهم من الدبلوماسيين يجتمعون ويتحدثون بأمانة وانفتاح، وكانت هذه هي الطريقة الوحيدة لحل المشاكل".
كما قال يوشكا فيشر، في تصريحات عام 2014، "في المؤتمر الأمني، لا يكون هناك مجرد همهمة عادية أو كلمات لرجال الدولة فقط.. إذا لزم الأمر، يصبح الأمر عنيفا"، في إشارة للمواجهات الكلامية.
المحطة الثالثة
حدثت مثل هذه المواجهات أيضاً في عام 2007، عندما تسللت إشارة الحرب الباردة إلى ميونخ، إذ يعد فلاديمير بوتين أول رئيس روسي يشارك في المؤتمر الأمني ويستخدم المنصة لتصفية الحسابات مع الغرب.
واتهم بوتين في ذلك الوقت الولايات المتحدة بالسعي للهيمنة العالمية المنفردة، وتساءل: "ماذا يعني عالم في ظل الهيمنة؟".
المحطة الرابعة
وعلى الرغم من التصعيد الذي شهده العام 2007، كانت هناك إشارات عرضية للتقارب بين أمريكا وروسيا في مؤتمر ميونخ أيضا، فمع فوز باراك أوباما في الانتخابات الرئاسية عام 2008، أرادت الولايات المتحدة إعادة تعديل علاقتها مع روسيا؛ وبدأت المناقشات حول موضوع نزع السلاح النووي في مؤتمر ميونخ للأمن.
وبلغت المناقشات بين الولايات المتحدة وروسيا ذروتها بتوقيع "ستارت 2" للحد من الأسلحة النووية في 2009، على هامش مؤتمر ميونخ أيضا.
المحطة الخامسة
لكن بحلول عام 2022، كانت روسيا محط التركيز مرة أخرى في سياق آخر، إذ قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على مسرح المؤتمر "أوكرانيا تتوق إلى السلام. أوروبا تتوق إلى السلام. العالم يقول إنه لا يريد الحرب، بينما تقول روسيا إنها لا تريد التدخل. هناك من يكذب هنا"، وبعد بضعة أيام فقط دٌقت طبول الحرب.
وكانت الحرب الأوكرانية أيضاً الموضوع الأهم في نسخة المؤتمر في العام الماضي، سواء في مناقشات القادة أو في شوارع ميونخ، حيث خرج الآلاف، سواء في مظاهرة مؤيدة لأوكرانيا أو في مظاهرة مناهضة للحرب.
المحطة السادسة
يرتبط مؤتمر ميونخ بتاريخ طويل من الاحتجاجات، فعندما انعقد بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية، وبالتحديد في فبراير/شباط 2002، فرضت ميونخ حظرا على المظاهرات لأسباب أمنية. لكن خرج عشرات الآلاف إلى الشوارع، وتم اعتقال المئات.
وحتى في السنوات التي تلت ذلك، كثير ما ترددت الاتهامات للمدينة بتقييد الاحتجاجات خلال مؤتمر ميونخ، رغم خروج احتجاجات بشكل سنوي لأسباب مختلفة مرتبطة بالسياسة الدولية وتطوراتها.
المحطة السابعة
كما يرتبط المؤتمر بتاريخ طويل من المحادثات السرية في الغرف المغلقة، إذ تعد كلمات القادة والنقاشات المفتوحة مجرد قمة جبل الجليد في المؤتمر الذي يشهد سنويا العديد من اللقاءات الثنائية والمحادثات السياسية.
وعلى سبيل المثال، وبالتحديد في عام 2006 حدث لقاء سري بين جزء من الوفد الأمريكي وممثلين عن إيران، فيما كان يعد اختراقا كبيرا في ذلك الوقت.