في ذكرى وفاته.. بيتهوفن يهزم الطفولة القاسية والصمم بالموسيقى
لودفيج فان بيتهوفن, عرف بألحانه ومقطوعاته، خصوصا أن معظمها عزفت وهو يعاني الصمم.
يحتفي العالم في 26 مارس/آذار من كل عام بذكرى وفاة الموسيقي الأشهر في العالم، لودفيج فان بيتهوفن، صاحب أشهر المقطوعات الكلاسيكية التي خلدها التاريخ، والتي لم يمنع إصابته بالصمم من تأليف أعظم القطع الموسيقية، بشهادة الكثيرين، كالسيمفونية التاسعة وغيرها.
في الـ16 من ديسمبر/كانون الأول 1770، شهدت مدينة بون بمقاطعة كولونيا الألمانية ولادة الطفل الصغير لودفيج فان بيتهوفن، الذي تحول إلى قامة من قامات الموسيقى الكلاسيكية في العالم.
ولد بيتهوفن لأب مدمن على الكحول، وأم عُرفت بأناقتها، وجدٍ كان الموسيقي الأشهر في بون، كل تلك الظروف عملت على تشكيل شخصية بيتهوفن الصغير كل في مجراه، فالأب المدمن أحال حياة صغيره إلى جحيم شديدة القساوة، وكان يجبر طفله على المكوث بالساعات في قبو المنزل يتدرب على البيانو، ويعزف لفترات طويلة جدا، حتى أظهر براعة ونبوغاً يفوقان عمره، أما الجد فكان مصدر الإلهام الكبير للصغير بيتهوفن.
وفي تقرير لها عن موهبته، تُرجع إذاعة مونت كارلو الدولية، موهبة بيتهوفن الفذة إلى التعليم القاسي الذي خصه به والده يوهان الذي كان سكيراً وشديد العنف، وفي سن الحادية عشرة أجبر يوهان صغيره على ترك المدرسة وأخضعه على مدى سنوات لدروس غاية في القسوة على البيانو والكمان، وفي ذهنه فكرة واحدة: "يجب أن يصبح ابني موزار الجديد"، ومن هوسه بعبقرية طفله، حاول يوهان تصغير ولده عامين ليعتقد الناس أنه موهبته أكبر بكثير من عمره.
في عام 1778، أي أن عمره 8 سنوات، حصل بيتهوفن على أولى حفلاته، وكان أداؤه استثنائيا، لكن لم يلتفت إليه الكثيرون وقتها، وفي سن العاشرة، ترك الصغير مدرسته وتفرغ لدراسة الموسيقى، وبعدها بسنتين نشر أول عمل موسيقي ألّفه، وهو عبارة عن تنويعات موسيقية لأحد الألحان التي ألفها الموسيقي الكلاسيكي دريسلر، بحسب ما ذكره موقع إذاعة مونت كارلو الدولية.
في عام 1784 تدهورت صحة والد بيتهوفن نتيجة إدمانه الكحول، فتوقف عن الغناء، وعندها حصل بيتهوفن على فرصته كعازف أورغن في الأبريشية، وبدأ يعيل أسرته.
انتقل بيتهوفن إلى فيينا عام 1787 بهدف تنمية قدراته الموسيقية وتطويرها، لأن فيينا في ذلك الوقت كانت عاصمة الثقافة والموسيقى، حيث أمضى بضعة أسابيع فقط، وبعدها أُصيبت والدته بالمرض، فعاد إلى بون، وفي 1789 تحقق الحلم بعد أن أرسله حاكم بون إلى فيينا مرة أخرى، وهناك تتلمذ على يد الموسيقار هايدن وساليري وشينك وألبريشتبيرجر، حتى ذاع صيته بين الأوساط الأرستقراطية والأسرة الملكية.
ظهر بيتهوفن للعلن في أولى حفلاته عام 1795، حيث عزف أول كونشيرتو بيانو له وبعدها بفترة قصيرة نشر سلسلة "Opus 1" للبيانو، وفي 1800، عزفت السيمفونية الأولى لبيتهوفن في المسرح الملكي الإمبراطوري مما جعله من أبرز الموسيقيين في أوروبا.
مرضه
في عام 1801، بدأ بيتهوفن يعاني صمماً خفيفاً، ولكنه كان يخشى أكثر ما يخشاه أن يعلم من وصفهم بـ"الأعداء" بمرضه، ومن ثم أن يستخدموه ضده مما يفسد عليه موسيقاه، وهو ما جعله يخفي الأمر حتى إصابته بفقدان السمع الكلي، فيقول في رسالة بعثها إلى صديقه: "لا بد لي من الإقرار بأنني أعيش حياة بائسة للغاية، فقد امتنعت عن حضور المناسبات الاجتماعية على مدار العامين الماضيين، لأنه يستحيل عليّ إخبار الناس بأني أصمّ، لو كنت أعمل في مجال آخر، لواجهت عجزي عن السمع واحتملته، ولكنه عائق كبير في مجال الموسيقى".
تمكن بيتهوفن، برغم فقدانه للسمع، من مواصلة تأليف الأعمال الموسيقية بين عامي 1803 و1812، وعُرفت هذه الفترة باسم "الفترة البطولية"، ألف خلالها 6 سيمفونيات، و5 رباعيات وترية، و6 سوناتات وترية، و7 سوناتات بيانو، و72 نشيدا وأوبرا وحيدة هي "فيديليو"، ومن أشهر معزوفاته "مون لايت سانتانا"، وسوناتا الكمان "كريوتزر"، إلى جانب مقطوعته الأعظم "الطريق إلى الفرح" في المقطع الرابع والأخير من سيمفونيته التاسعة.
وفاته
عاش بيتهوفن حياته وحيدا وبائسا، فقد تسبب مزاجه المتقلب في دخوله في نزاعات كثيرة مع من حوله، ولم يتزوج بيتهوفن خلال حياته أبدا، وتوفي في 26 مارس/آذار سنة 1827، عن عمر 56 عاما بسبب تليف الكبد، وبذلك، اختتمت مسيرة هذا الموسيقار العبقري الأصم.