تتنوع محفزات ودوافع الغيرة، لكننا سنتطرق لنوع واحد، نوع ينبع من محفز ديني وهو النوع الذي نجد فيه أن الغيرة على الدين فطرة أصيلة
خلق الله البشر وخلق فيهم المشاعر والأحاسيس، ليعبروا عن الحالة أو الوضع النفسي الذي يمرون به، بل إن تلك الأحاسيس تعبر أحيانًا عن شعور الشخص دون أن يكون هو قد اختار التعبير عنه بشكل مباشر، والغيرة واحدة من مجمل المشاعر التي حبانا الله بها، وقد اختلفت التعريفات التي حاولت تعريف الغيرة، ومن تلك التعريفات أنها مجموعة من الأحاسيس والمشاعر التي تعني الحب والغضب الذي قد يصل بصاحبه للغضب الأعمى الذي يعطل العقل، وحينها تصدر الأحكام الخاطئة وفقًا لمنظور خاطئ أعمته الغيرة.
تتنوع محفزات ودوافع الغيرة، لكننا سنتطرق لنوع واحد، نوع ينبع من محفز ديني وهو النوع الذي نجد فيه أن الغيرة على الدين فطرة أصيلة في كل إنسان بغض النظر عن ديانته، تزداد درجتها وفقًا للمنظور العربي، ونظرا للعادات والتقاليد التي تحكم مجتمعاتنا العربية والإسلامية والارتباط القوي بالدين نجد أن هناك من يسعى دائمًا لاستغلال تلك الغيرة لخدمة أجندته السياسية أو الحزبية أو حتى الشخصية وقد عاصرنا ذلك في استغلالية حزب الإخوان المسلمين، فما أن تقرأ اسم الحزب يظهر لك جليًا كيف أنهم وظفوا الغطاء الديني لخدمة أجندتهم الحزبية بإضفاء صفة الإسلام على حزب أثبتت الأيام والأحداث في مصر أن أهدافه وأجندته لم تكن دينية بل كانت سياسية بحته تجلت في سعي الحزب للوصول للسلطة وكرسي الحكم، كما أثبتت الأحداث استغلال حزب الإخوان للغيرة على الدين بإطلاق الفتاوى والتصاريح بأن من يعادي الإخوان هو عدو للإسلام، خطابات أثرت في الكثير ممن دعته الغيرة على الدين أن يثب للدفاع عن ذلك الحزب دون بصيرة، غيرة تسببت في أن يتبع أبناء الوطن جماعة أرادت إحراق وطنهم لولا ستر الله، ومن الأمثلة الأخرى نجد أن حزب الله في لبنان استغل أيضا الخطاب الديني ليؤسس لحزب شكّل دولة داخل دولة حتى في ظل الإجراءات التي كانت تستهدف أعمال حزب الله غير القانونية كالإتجار بالمخدرات، كان الحزب يحور الأمور بحيث يوهم أنصاره بأن المستهدف هو الدين لا الأفعال غير القانونية التي يقترفها الحزب في استغلال واضح.
تدور بنا الأيام وتتكرر السيناريوهات مرة أخرى في محاولة البعض وسعيهم لاستغلال الغيرة على الدين في إلباس الغطاء الديني لأي صراع قائم، وإضفاء الصبغة الدينية حتى يكسبوا تأييد فئة كبيرة ستؤيد موقفهم ليس لأنهم على علم ببواطن الأمور وحقيقة ما يدور أو أن من سيثبون لنصرته على حق بل من باب الغيرة على الدين، حيث يسعى من يستغل الغطاء الديني في إيهام الناس بأن الدين هو المستهدف وذلك اسلوب ليس بجديد لكنه يحتم علينا أن ندرك ونعي أن استخدام هذا الغطاء لتغليف المواقف والخلافات أيا كانت هو تغليف وتوظيف خاطئ يراد به استغلالنا كما أنه لن يجلب النصر لطرف على حساب طرف آخر وعلينا أن ندرك بأن من يستغل الدين لا يمكن أن يمثل من القيم والمبادئ ما يجعلنا من المؤيدين لموقفه، بل على العكس لا بد من تعرية هذا التوجه الذي سولت له به نفسه أن يقترفه بحق الدين والمجتمع وذلك بأن يستغل الدين ويتاجر به كما أنه حري بنا أن ندرك أن سعي بعض الأطراف لنشر وترسيخ نظرية المؤامرة من خلال تحوير وتهويل المواقف السياسية تجاه قضية ما تستدعي منا التمهل والوعي وعدم السماح لهم بالمتاجرة بمشاعرنا، وأن لا ننساق خلف توجهاتهم نتيجة لمشاعر الغيرة أو الغضب التي تجعلنا مسلوبي الإرادة بعد أن كنا نملكها.
تتعاقب العصور والأزمان وتظل الأديان باقية ما بقي البشر فلا المذابح ولا التبشير ولا المحارق قادرة على إلغاء الأديان من الوجود، لذا علينا ألا نسمح لأي طرف أو جهة باستغلالنا وأن لا نقع ضحية سهلة لذاك الغطاء الكاذب الذي ظاهره الدين وباطنه مآرب أخرى.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة