مما لا شك فيه أن مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي المؤقت إلى حين مجيء الانتخابات.
مُطوق بالعزلة من كل مكان داخل العراق في ظل الهيمنة الإيرانية. وهذا ليس خطأه، بل خطأ الحكومات العراقية المتعاقبة التي فشلت في إقامة علاقات قوية مع محيطها العربي، وذلك يمتد إلى النظام السابق الذي عجز هو الآخر عن تحقيق ذلك بسبب قوقعته ضمن رؤيته الأيديولوجية الضيقة. وبدون الانفتاح على محيطه العربي، لا يستطيع الكاظمي بناء جبهته الداخلية، فهو بحاجة إلى كتلة سياسية تدعمه وسط الكتل العملاقة التي تواجهه.
إن تقوية علاقات العراق بالمملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة ومصر والأردن هي الضمانة الأكيدة لبناء القوة التي يحتاجها الكاظمي في مواجهة الفساد والمليشيات الإيرانية.
هنا يبرز السؤال التالي: هل ينجح الكاظمي في تشكيل كتلة وطنية متميزة ومغايرة لما هو سائد من تكتلات دينية وطائفية وحزبية؟
إن السعي إلى تشكيل حزب سياسي يسبق تشكيل الكتلة. لا يزال الكاظمي يعاني من ضعف تأييد القوى والكتل والأحزاب الحاكمة من وراء الكواليس، بل إن بعضها وصل إلى حد تحدي الحكومة والتجاوز على شرعيتها، وهي لا تزال تتهمه بدعم الأمريكيين وعدم إدانته لمقتل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.
يدرك الكاظمي حقا أن وظيفته مؤقته إلى حين موعد الانتخابات المبكرة التي ستكون فاصلاً في اختيار الحكومة الجديدة.
تشير التقارير إلى أن الكاظمي يسعى إلى خوض الانتخابات المبكرة من خلال عمله على تشكيل حزب جديد يتزعمه مُدير مكتبه رائد الجوحي – أحد القُضاة الذين حاكموا الرئيس السابق صدام حسين، رغم تكذيب هذه الأخبار.
يشهد العراق حاليا أعتى الأزمات، منها انخفاض سعر صرف الدينار العراقي مقارنة بالدولار، "وصل سعر صرف الدولار 1490" وهذا ما تسبب في ارتفاع الأسعار وإفقار الطبقات الشعبية الفقيرة. والسيناريو مستمر في طلب البنك الدولي برفع "سعر الصرف إلى 1600 دينار للدولار الواحد" بموجب ما هو معمول به في عملات دول المنطقة. وهذا تمهيد خطير إلى تخريب الاقتصاد العراقي من خلال زيادة سعر الصرف للدينار أي أن نسبة زيادة العجز في القدرة الشرائية للمواطن تصل إلى 30 في المئة على أساس سعر الصرف السابق 1200 دينار للدولار الواحد، ما تسبّب ذلك في غلاء الغذاء والدواء وارتفاع سعره إلى 40 في المئة وربما أكثر.
تعاني حكومة الكاظمي من ضعف واضح في بنيتها أمام المليشيات المسلحة التي أصبحت عبئا ثقيلا على الدولة مع عدم احترامها للقرار السيادي للدولة. ورغم ذلك، يطمح الكاظمي لأن ينقذ العراق، إلا أن هذه المهمة صعبة للغاية لأن النظام السياسي برمته غارق في الفساد بكل مفاصله. لم ينفع الكاظمي في سد الفراغ الحكومي وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من العملية السياسية الفاشلة. وهنا نجد أنفسنا مضطرين إلى ترديد ما قالته مجلة "فورين بوليسي" في مقالتها "لا أحد يستطيع إنقاذ العراق"، التي توجز فيها أن شخصية مصطفى الكاظمي، على الرغم من حياديتها الحزبية ونزاهتها المهنية لن تقدر على تخليص البلد من مشاكل معقدة للغاية، ويبدو أنها غير قابلة للحل، رغم مرور السنوات، لأنه "نظام الغنائم" كما أطلقت عليه المجلة.
وصدقت نبوءتها في ذلك، لأن الكتل السياسية العراقية النافذة منذ استلام الكاظمي سدة الحكم تعمل على تقويض حكومته ومحاصرتها بشتى أنواع المشاكل. العلة الجوهرية لكل أزمات العراق هي نظام المحاصصة الذي يعرقل جهود أي تنمية اقتصادية واجتماعية وسياسية، مع التعمد في إهمال الكفاءات الوطنية والتكنوقراطية، وحصر الامتيازات على كبار رجال الطائفة أو الحزب أو العرق وترك السواد الأعظم من الشعب العراقي في فقر مدقع كما هو حاصل الآن، إذ وصل الفقر إلى أقصى الدرجات وأعلاها.
ازدادت أوضاع العراق سوءا، خاصة استقواء المليشيات المسلحة على الدولة، بل وتحديها السافر من دون حساب أو عقاب، ومضيها نحو تطبيق أجندات إقليمية. وكذلك الهجمات الصاروخية التي تستهدف قواعد أمريكية وسفارات أجنبية في المنطقة الخضراء أو استهداف أربيل بعدد من الصواريخ مؤخرا. كل ذلك يهدف إلى تخفيف الضغط على إيران في معركتها مع واشنطن بشأن رفع العقوبات والعودة إلى الاتفاق النووي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة