ما موقف الإدارة الأمريكية من زيارة روحاني المشبوهة إلى العراق؟ وهل استجابت المليشيات العراقية المسلحة إلى حل نفسها؟
من عجائب زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى العراق أنه خرق البروتوكولات الدبلوماسية والرئاسية التقليدية، فبوصوله إلى مطار بغداد قام مباشرة بزيارة مرقد الإمام موسى الكاظم، وكأنه يسرح ويمرح في بلده، في الوقت الذي انتقد إعلامه الرسمي زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقاعدة الأسد الأمريكية بالخرق ذاته، سرا ودون إشعار حكومة عادل عبدالمهدي، وفي الواقع فإن كلا التصرفين يعد انتهاكاً لسيادة العراق، وقد حققا ما أراداه، ولعل الأعجوبة التالية هي تصريحات رئيس جمهورية المحاصصة العراقية برهم صالح، قوله إن العراق محظوظ بجيرانه إيران!
لا توجد أي أسس للتكافؤ أو المصالح المشتركة بين البلدين، لذلك جاءت زيارة روحاني ليس لدعم العراق بل لبعث رسالة مشفرة إلى الرئيس الأمريكي ترامب وحلفائه العرب؛ بأن العراق لا يعدو أن يكون ولاية إيرانية لا أكثر
والسؤال المطروح هو: أين يكمن حظ العراق من هذه الجيرة؟ هل في قطع إيران نحو 40 نهراً ومجرى مائياً عن العراق؟ أو في تدريب أكثر من 100 من تنظيم من تنظيمات المليشيا المسلحة من أجل إضعاف القوات الأمنية؟ أو في الإيعاز لأتباعها بتعطيل الزراعة والصناعة والكهرباء ليتحول العراق إلى مجرد بلد استهلاكي؟ هل يكمن هذا الحظ في تصديرها المخدرات لتدمير الشباب وتغييبهم عن الوعي؟
إن هذه حقائق على أرض الواقع وليست اتهامات، لولا عنجهية إيران وتدخلاتها في الشأن العراقي لبدت هذه الزيارة طبيعية، لكنها في هذه الحالة تخفي في طياتها الكثير من الألغاز والأسرار في شتى المجالات، التي تصب كلها في مصلحة إيران، في ظل فقدان العراق سيادته الكاملة، هذه تفاصيل الاتفاقيات بين البلدين، لكنها ملغومة ومليئة بأجندات خفية، جوهرها سعي إيران لنقل حصارها إلى العراق باعتباره حديقتها الخلفية كما تخطط، وهي المستفيدة الوحيدة من جميع هذه الاتفاقيات، وما سبقها من أوضاع واجهت العراق، مثل الحصار الذي دام ثلاثة عشر عاماً، ولم تتردد ايران عن تدمير كل ما يمكنها في هذا البلد، تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة، فأدخلت تنظيم داعش الإرهابي إلى العراق لكي يستمر سندها نوري المالکي بولاية ثالثة لينجز لها ما ينجز كتدمير المحافظات السنّية التي كانت تقف ضد مخططات إيران.
أما الآن وعندما شعرت بأن عرشها في العراق يتعرض للاهتزاز والتفكك نتيجة دخول المملكة العربية السعودية والأردن وربما بلدان عربية أخرى على الخط، بدأت تقلق وتتخوف من خسارة سوقها التجارية من مجرد تفكير العراق ببدائل أخرى غيرها، لذا فهي تسعى لتسريع عملية تحقيق الهدف الاستراتيجي في إنشاء ممر إلى سوريا ويربطها بالبحر الأبيض المتوسط عبر اتفاقيات، كما تسعى إيران أيضا إلى إبرام وثيقة مماثلة مع العراق، لاستغلال الأوضاع الاقتصادية العراقية لصالحها، واستغلال شعبيتها بين الحكام العراقيين، حيث إن معظم حكام العراق الحقيقيين هم مناصرون لإيران بل تدربوا فيها، ودافعوا عنها بالسلاح ضد بلدهم العراق، بالاستناد إلى المذهبية الطائفية وليس الوطنية الحقة.
وتجد إيران في الوقت ذاته ضالتها المنشودة في ولاءات عمار الحكيم، زعيم تيار الحكمة ضد الوجود الأمريكي، وتهديدات هادي العامري زعيم منظمة بدر، بضرب المصالح والقواعد الأمريكية، وكذلك عصائب أهل الحق وحركة حزب الله والنجباء التي وضعتها أمريكا على لائحة الإرهاب.
لا توجد أي أسس للتكافؤ أو المصالح المشتركة بين البلدين، لذلك جاءت زيارة روحاني ليس لدعم العراق بل لبعث رسالة مشفرة إلى الرئيس الأمريكي ترامب وحلفائه العرب، بأن العراق لا يعدو أن يكون ولاية إيرانية لا أكثر، لذلك تسعى إلى توريطه في حرب ليس العراق طرفاً فيها، ولن تعود عليه إلا بالبلاء والأذى، لأن إيران تستغل هذه العلاقة من أجل الالتفاف على العقوبات التي فرضتها أمريكا والتحالف الدولي.
إن الاتفاقيات التي جاء من أجلها روحاني تصب في الصالح الإيراني، حتى اقتراح إلغاء التأشيرة بين البلدين، لأنه سوف يسهّل إدخال وإخراج الأموال والنفط والسلع بشكل أوسع، ويسمح لها على الصعيد الاستراتيجي توريد السلاح إلى الفصائل الشيعية في سوريا والعراق واليمن ولبنان وغيرها، لذلك تعمل على الصعيد الاقتصادي والعسكري، فمن ناحية تسعى إلى رفع صادراتها إلى نحو 20 مليار دولار، وإلى تمويل الفصائل الشيعية التي وضعتها أمريكا على لائحة الإرهاب الدولي، وهي تبلغ 67 تنظيماً مسلحاً ومتحكماً.
وتتطلع إيران إلى مباركة علي السيستاني، وهو المرجع الأعلى في النجف، مثلما يسعى روحاني إلى اللقاء مع عشائر الجنوب الذي مهّد له وزير خارجيته جواد ظريف قبل فترة قصيرة، لشراء دعمهم الشعبي، وتوريطهم على حساب أمن واستقرار العراق، وبإيجاز تسعى إيران لتحويل العراق إلى ساحة للصراع مع أمريكا، يدفع ثمنها العراقيون والذين سيكونون الخاسرين الوحيدين في سياسة المحاور الإقليمية والدولية.
نحن أمام سيناريو واستراتيجية بالغتي التعقيد، ويظل السؤال الملح أمام الهيمنة والضغط على العراق:
ما موقف الإدارة الأمريكية من زيارة روحاني المشبوهة إلى العراق؟ وهل استجابت المليشيات العراقية المسلحة إلى حل نفسها وتفكيك ترسانتها من الأسلحة حسب ما طلبت أمريكا؟ وهل تخضع أمريكا لتهديدات قادة وزعماء الأحزاب الدينية؟
هذا ما تجيب عنه الأيام المقبلة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة