الدبلوماسية الإماراتية.. أنماط ومرتكزات
الإمارات العربية المتحدة تمكنت بدعم وتشجيع من قيادتها السياسية من طرح نموذج فريد للدبلوماسية، تنوعت أدواته ومرتكزاته.
لم يَعد يُنظر إلى الأداة الدبلوماسية، باعتبارها إحدى أدوات السياسية الخارجية على النحو التقليدي المعهود، بما أُعيد توظيفها لتصبح إحدى أدوات القوة الناعمة في عصرنا الحالي، مع الاحتفاظ بنمطها التقليدي لضمان تحقيق التوازن في سياسة الدولة الخارجية.
وتمكّنت دولة الإمارات العربية المتحدة، خلال فترة وجيزة وبجدارة عالية، من تفعيل وتنشيط الأداة الدبلوماسية بشكل مكّنها من تحقيق العديد من المكاسب الاقتصادية والسياسية، التي جعلتها في موضع تقدير على الساحتين الإقليمية والدولية.
تعددت الأنماط الدبلوماسية التي تمكنت في الوقت ذاته من تقديم نموذج فريد على المستوى الدبلوماسي، استند إلى مرتكزات رئيسية لضمان فاعلية ونشاط الأداء الدبلوماسي الإماراتي، وهو ما يُمكن توضيحه كالتالي:
1- أنماط الدبلوماسية الإماراتية.. نموذج إماراتي فريد:
تمكّنت الإمارات من تنويع أداتها الدبلوماسية لتشمل أبعادا ذكية، تنوعت ما بين الثقافي بأركانه المتعددة، والإنساني، والعلمي التكنولوجي، وأخيرا البعد السياسي، كالتالي:
(أ) الدبلوماسية الثقافية ذات الأركان المتعددة:
تمكّنت الإمارات العربية المتحدة من جعل أبوظبي ملتقى ومركزا ثقافيا متعدد الأركان سواء على المستوى العربي أو العالمي، وهو ما انعكس في عدة مظاهر وبرامج وسياسات انتهجتها القيادة السياسية الإماراتية، عكست تفوقها في تفعيل "الدبلوماسية الثقافية" ذات الأركان المتعددة، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:
- أبوظبي.. منصة عالمية للمثقفين والفنيين:
تمكنت الإمارات من تنظيم العديد من الفعاليات الثقافية، الفنية والتراثية، مثل: مهرجان سلطان بن زايد التراثي، وموسم طانطان في المغرب، إلى جانب إقامة عدد من معارض الكتب، مثل معرض أبوظبي الدولي للكتاب، بالإضافة إلى تدشين عدة جوائز لدعم الفنون والثقافة، مثل: جائزة البوكر للرواية العربية، ناهيك عن مشاركة الفنانين والمبدعين الإماراتيين في العديد من الفعاليات الدولية مرتدين لباسهم الوطني، وتنظيم مهرجانات الثقافة في الدول غير الناطقة باللغة العربية.
- تسييس ومأسسة القيم الثقافية الإنسانية:
حرصت أبوظبي على العمل على ترسيخ حزمة من القيم الإنسانية العالمية وجعلها نهجا أساسيا للدولة عبر طرحها كأطر مؤسسية وتنظيمية وسياسية وتشريعية تُسهم في تعزيز الصورة الإيجابية للدولة في محيطها الإقليمي والدولي كدولة تسامح وسلام وخير، إلى جانب نشرها كثقافة سائدة في المجتمع الإماراتي الذي يضم أكثر من 200 جنسية من حول العالم، أبرزها؛ قيمتا التسامح والسعادة.
فقد تفردت أبوظبي على مستوى العالم في تخصيص وزارة جديدة تسمى بـ"وزارة التسامح"، وأطلقت "البرنامج الوطني للتسامح"، وأنشأت مركزا للتسامح الدولي في دبي، فضلا عن تأسيس منصات عالمية لحوار الأديان السماوية؛ كالبيت الإبراهيمي ومنتدى السلم الدولي وبيت العائلة، ومنح ترخيص إنشاء الكنائس، ناهيك عن إنشاء مراكز متخصصة لمحاربة التطرف مثل مركز "هداية" ومركز "صواب"، وإصدارها عدة قوانين ناظمة، مثل قانون مكافحة التمييز ونبذ الكراهية وازدراء الأديان.
كما لا يمكن إغفال دورها في إصدار "وثيقة الأخوة الإنسانية" عقب استضافتها قداسة البابا "فرنسيس" بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور "أحمد الطيب" شيخ الأزهر الشريف، في فبراير/شباط 2019، وهو ما أسهم في تقديم الإمارات كـ"دولة تسامح" تعمل على بناء جسور التعاون والتواصل بين الثقافات والأديان المختلفة.
كما تفردت الإمارات في إطلاق وزارة السعادة لأول مرة عالميا في عام 2016، بالإضافة إلى تدشين البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة في العام ذاته، والذي يهدف لتقديم خدمات عامة جيدة وبنية تحتية قوية تزيد من رضا المواطن عن سياسة الحكومة وتحقق قدرا كبيرا من السعادة في المجتمع.
(ب) الدبلوماسية الإنسانية:
تمكّنت الإمارات من التربع على عرش الدول المانحة للمساعدات الإنسانية والخيرية والتنموية منذ عقود ماضية، وذلك استكمالا وإحياء لمسيرة مؤسسها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان "طيب الله ثراه"، إلى أن تحولت ثقافة مجتمعية إماراتية راسخة، احتلت خلالها المركز الأول عالميا لسنوات عديدة كأكبر جهة مانحة للمساعدات الخارجية في العالم قياسا إلى دخلها القومي، بنسبة بلغت 1,31% من إجمالي دخلها، وهي نسبة تعادل ضعف النسبة العالمية المحددة من قبل الأمم المتحدة بـ0.7%.
كما تصدرت الإمارات المركز الأول عالميا كأكبر دولة مانحة للمساعدات للشعب اليمني لعام 2019، من خلال دعم خطة استجابة الأمم المتحدة الإنسانية في اليمن؛ حيث بلغت قيمة المساعدات خلال الأعوام (من 2015 إلى 2019) 5.59 مليار دولار أمريكي، استحوذت المساعدات الإنسانية خلالها على 1.89 مليار دولار أمريكي بنسبة بلغت 34%.
(جـ) الدبلوماسية العلمية والتكنولوجية:
تمكنت الإمارات من تحقيق خطوات متقدمة على المستوى العلمي والتكنولوجي جعلتها محط أنظار العالم وجعلت منها ساحة للعلم والمعرفة إقليميا وعالميا، وذلك عبر استضافتها أهم فروع الجامعات العالمية، واستقطاب أهم مؤسسات البحث العلمي، وإطلاق مبادرات لتشجيع وتكريم العلماء من جميع أنحاء العالم؛ كمبادرة مبادرة ميدالية محمد بن راشد للتميز العلمي، ومنح نحو 2500 بطاقة إقامة ذهبية لمجموعة من العلماء والباحثين وذوي القدرات.
فضلا عن مشاركتها في عدد من المؤتمرات العلمية والتكنولوجية الدولية، مثل: مؤتمر استدامة التكنولوجيا والابتكار العالمي 2019 في العاصمة البلجيكية بروكسل، ناهيك عن انتهاجها خطوات حثيثة نحو التحول الرقمي، لتحتل بذلك مراتب متقدمة على المستوى العلمي والتكنولوجي والتعليمي.
ويبدو أن عام 2020 سيمثل نقطة انطلاق حقيقية للإمارات؛ حيث يتوقع فوز دبي بلقب المدينة الأذكى في العالم خلال هذا العام، وتربع الإمارات على عرش الدول العربية الأكثر اعتمادا على الذكاء الاصطناعي تزامنا مع تنظيمها أكبر ملتقى دوليا للابتكار "إكسبو 2020 دبي"، وهو ما سينعكس على مستوى الخدمات المقدمة للمواطن وحجم الامتيازات المقدمة للمستثمر، وهو ما يعزز من عوائد أبرز القطاعات الاقتصادية الإماراتية أهمية وهي الاستثمار والسياحة.
(د) الدبلوماسية السياسية:
كانت الأداة الدبلوماسية هي الأداة الرئيسية للسياسة الخارجية الإماراتية في التعامل مع ما تواجهه من أزمات، والتي تستند إلى سياسة الحوار، ومبدأي التسوية السلمية للنزاعات، واحترام سيادة الدول؛ فلم تتنازل عن نهجها الدبلوماسي السلمي لإنهاء الاحتلال الإيراني للجزر الثلاث (أبو موسى، طنب الصغرى، وطنب الكبرى) من خلال عرض القضية على التحكيم الدولي، في ظل رفض الجانب الآخر، كما تؤكد التزامها بدعم مسار التسوية في اليمن.
2- مرتكزات الدبلوماسية الإماراتية:
استندت الإمارات إلى فاعلين رئيسيين يمثلان عنصري ارتكاز للدبلوماسية الإماراتية بأنماطها المتنوعة؛ أولهما المرأة، ثانيهما الشباب؛ فلقد برز دور المرأة الإماراتية في مجالات العمل التطوعي والعطاء المجتمعي والتسامح الإنساني على المستوى المحلي والعالمي، ناهيك عن دورهن في قطاع الأعمال والاقتصاد والوطني، وإحرازهن تمثيلا متقدما في تشكيل الحكومة بواقع 9 حقائب وزارية، وفي المجلس الوطني الاتحادي بواقع 8 عضوات، فضلا عن نشاطهن في العمل الدبلوماسي بواقع 42 امرأة في البعثات الخارجية لدولة الإمارات، و7 سفيرات في السلك الدبلوماسي في وزارة الخارجية والتعاون الدولي.
ولقد ارتكزت القيادة السياسية الإماراتية على عنصر الشباب في جميع سياساتها؛ فضمت الحكومة الاتحادية المُشكلة في فبراير/شباط 2016 ثمانية وزراء جدد، بلغ متوسط أعمارهم 38 عاما، كما ضم التعديل الوزاري في عام 2017 مجموعة من القيادات الشابة، ناهيك عن تشكيل عدة مجالس للشباب لضمان مساهمتهم في صنع السياسات ووضع الاستراتيجيات الوطنية والإقليمية والدولية ورفع من قدراتهم وتأهليهم.
انعكاسات الدور النشط للدبلوماسية الإماراتية
كان للدور النشط والفعال للدبلوماسية الإماراتية بأنماطها المتعددة، مردود إيجابي على عدة مستويات رسخت من مكانتها على المستوى الإقليمي والدولي، يمكن توضيحها على النحو التالي:
1- المستوى الدبلوماسي: احتل جواز السفر الإماراتي المركز الأول عالميا وفقا لمؤشر "باسبورت إندكس" العالمي في ديسمبر 2018، وهو ما يُعد إنجازا مهما على المستوى العربي والدولي للدبلوماسية الإماراتية؛ حيث يسمح الجواز الإماراتي لحامله بزيارة 167 دولة، منها 113 دولة دون تأشيرة مسبقة و54 دولة لدى الوصول إلى المطار أو تقديم طلب الحصول على التأشيرة عبر الإنترنت.
2- اكتساب ثقة المجتمع الدولي: فلقد نجحت الدبلوماسية الإماراتية في اكتساب ثقة المجتمع الدولي باستضافة عدد من الفعاليات العالمية والمقار الدولية المهمة؛ كاستضافتها المقر الرئيسي للوكالة الدولية للطاقة المتجددة "آيرينا" في مدينة مصدر، ومعرض إكسبو الدولي 2020 في دبي، والمنتدى العالمي للطاقة 2019 في أبوظبي، فضلا عن اكتسابها الاعتراف بالدور الثقافي للدبلوماسية عبر موافقة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" في نوفمبر 2019 على منح معهد الشارقة للتراث صفة مركز من الفئة 2 تحت رعاية المنظمة الدولية، تقديرا لجهود الدولة في خدمة التراث الثقافي، والذي سيمنح المعهد تنفيذ برامج وأنشطة لحماية التراث الثقافي إقليميا ودوليا.
3- احتلال مراتب متقدمة في المؤشرات الدولية:
جاءت الإمارات ضمن أفضل 10 دول عالميا في مؤشرات جودة الحياة في المسح العالمي لعام 2018، كما تصدرت الإمارات 47 مؤشرا عالميا للتنافسية خلال عام 2018؛ أبرزها: احتلال المركز الثاني في توافر الوافدين من ذوي المهارات العالية والقدرة على جذب العقول بحسب تقرير المواهب العالمية، فيما احتلت المركز الثاني في التسامح مع الأجانب والثقة بالحكومة والقدرة على التكيف مع سياسة الحكومة، ناهيك عن احتلالها المركز الأول في قطاع السياحة والسفر ضمن مؤشر أولوية قطاع السفر والسياحة، كما احتلت الإمارات المركز الأول إقليميا والـ32 عالميا في "مؤشر السمعة العالمي" لعام 2019.
4- توقعات بنمو اقتصادي خلال عام 2020:
أشارت مؤسسة "كابيتال إيكونوميكس" في يوليو/تموز 2019 إلى أن الاقتصاد المحلي الإماراتي حقق، خلال الربع الأخير من عام 2018، أقوى أداء منذ نحو عامين بمعدل نمو بلغ 2.8%، متوقعة نمو الاقتصاد الإماراتي بنسبة 3% خلال عام 2020، ليحقق بذلك أفضل أداء بين دول الخليج، نتيجة لـ3 عوامل رئيسية؛ أولها: استضافتها معرض "إكسبو 2020 دبي" العالمي، وارتفاع عدد السياح، ونمو الاستثمارات، وهي العوامل التي تأتي انعكاسا لنشاط الدبلوماسية بأنماطها المتعددة.
نهاية القول: تمكّنت الإمارات بدعم وتشجيع من قيادتها السياسية من طرح نموذج فريد للدبلوماسية، تنوعت أدواته ومرتكزاته وحققت من خلاله مكاسب ونجاحات لم تكن ستتمكن من تحقيقها بذات الأداة في ثوبها التقليدي، وتوجتها على عرش الدول العربية في العديد من المجالات، ومثالا يحتذى به من قبل العديد من الدول المتقدمة.