أمريكا وكسب الأصدقاء.. فخاخ "الناتو" وانتقائية "فيسبوك"
تعتبر أمريكا الكثير من حلفاء الناتو عبئا لا أصولاً للسياسة الخارجية، بل وربما فخاخا يمكن أن تورطها في مواجهات عسكرية لا طائل منها.
وتشير مجلة "ناشيونال إنترست" الأمريكية، إلى أنه عقب نهاية الحرب العالمية الثانية، هيمن على تفكير المسؤولين الأمريكيين تشكيل حلف استراتيجي لضمان أمن أمريكا، لكن الكارثة هي أن هؤلاء "الحلفاء" الذين تروج لهم واشنطن، في كثير من الحالات، دول صغيرة وضعيفة، وغير ذات جدوى عسكريا للولايات المتحدة، ناهيك عن أن البعض منهم له علاقات سيئة مع دول مجاورة أكثر قوة.
وترى المجلة أنه من الأفضل لواشنطن أن تصبح أكثر انتقائية بشأن الدول التي تدرجها في قائمة الحلفاء الخاصة بها، ويجب على قادة الولايات المتحدة التوقف عن رفع مستوى الدول التابعة إلى مرتبة الدول الحليفة.
وأشارت إلى أن المشاكل المتعلقة بعقد شراكات أمنية مع الدول الضعيفة اتضح جليا خلال الحرب الباردة، وأصبح هذا الاتجاه أكثر وضوحا في حقبة ما بعد الحرب الباردة، وهذا ما أكده الفشل الذريع في أفغانستان (وقبله في جنوب فيتنام).
وأصبح الخلل أكثر حدة فيما يتعلق بحملة واشنطن لتوسيع الناتو إلى أوروبا الشرقية، فمنذ منتصف التسعينيات، عملت الإدارات الأمريكية على إضافة مجموعة من أعضاء الناتو الجدد، وقد فعلت ذلك بقدر أقل من الانتقائية وحسن التقدير مما يستخدمه بعض الأشخاص لاكتساب أصدقاء على "فيسبوك".
ولم يكن لدى هؤلاء الأعضاء الجدد الكثير ليقدموه للولايات المتحدة كشركاء أمنيين، فيما يعتبر البعض الأخيرة دولا صغيرة، أو تكاد تكون متناهية الصغر.
ولا يتوقع أن تثير القوات العسكرية التي يمكن لحلفاء أمريكا الجدد في الناتو نشرها الخوف في روسيا أو أي معتد محتمل آخر، حيث تتكون القوات المسلحة الألبانية من 8500 فرد في الخدمة الفعلية، وسلوفينيا 8500، ومقدونيا الشمالية 9000 جندي، ويبلغ إجمالي قوة الخدمة الفعلية في الجبل الأسود 2400 جندي، وبالمقارنة، يوجد في دائرة شرطة أوستن بولاية تكساس وحدها 2422 فردًا في صفوفها.
وترى "ناشيونال إنترست" أن الولايات المتحدة اليوم تواجه خطرا يتعلق بحلفائها الصغار في أوروبا الشرقية، فقد كان قرار الرئيس جورج دبليو بوش دعم طلبات انضمام جمهوريات البلطيق الثلاث لعضوية الناتو والذي – ولا يزال - استفزازيا للغاية لروسيا، حيث تبدو إحدى الطرق الحاسمة لخفض خطر الاشتباكات المسلحة بين القوى العظمى هي إظهار الاحترام المتبادل لمناطق النفوذ الخاصة بكل منها، إلا أن واشنطن انتهكت هذا المبدأ مرارا وتكرارا بدفع الناتو للتوسع حتى حدود روسيا.
كانت إضافة جمهوريات البلطيق في عام 2004 الخطوة الأخطر في سبيل توسيع الناتو، إذ لا تملك هذه الدول الكثير لتقدمه، فلن تكون إستونيا التي يبلغ قوام جيشها 6700 جندي، أو لاتفيا بـ5500 جندي، أو حتى ليتوانيا مع 20500 جندي، عاملاً هامًا إذا اندلعت الحرب بين الناتو وروسيا.
وبحسب المجلة، فحجم وموقع جمهوريات البلطيق يجعلها لا تمثل أصولًا استراتيجية ذات مصداقية للولايات المتحدة، بل ستكون بلا حول ولا قوة تقريبًا إذا قامت روسيا بتحرك عسكري ضدها.
وخلصت دراسة أجرتها مؤسسة RAND في عام 2016 إلى أنه في حال شنت روسيا هجوما على هذه الدول فسيتجاوز دفاعاتها في غضون ثلاثة أيام تقريبًا، مشيرة أن هذه الدول ليست "حليفا" للولايات المتحدة بأي معنى؛ بل هي معرضة للخطر ويمكن أن تشعل حربًا بين الناتو (الولايات المتحدة بشكل أساسي) وروسيا.
وتختتم المجلة بالقول "لا ينبغي أن يكون اختبار ما إذا كانت دولة معينة حليفًا جديرًا بالاهتمام للولايات المتحدة أو حليفا عديم الفائدة، وربما خطيرًا، بالأمر العسير.
والسؤال الرئيسي الذي يجب طرحه هو: هل يضيف هذا البلد إلى حد كبير إلى القدرات الاقتصادية والعسكرية لأمريكا دون خلق مخاطر أو نقاط ضعف جديدة كبيرة؟ فقط إذا كان بالإمكان الإجابة على هذا السؤال بـ "نعم" لا لبس فيها، ينبغي اعتبار تلك الدولة حليفاً مفيداً. وإذا كان بخلاف ذلك، فهو إما حليف عديم الفائدة أو ربما (أسوأ). ومن ثم يحتاج قادة الولايات المتحدة بشدة إلى تعلم الفارق بين الاثنين.