كسرت «تابوهات» قديمة.. هل تستيقظ أوروبا من سباتها العسكري؟

كان توبيخ الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لنظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في البيت الأبيض بمثابة صاعقة للتحالف عبر الأطلسي.
إذ بدد هذا الموقف أوهامًا عالقة في أوروبا حول ما إذا كان الحليف الأمريكي سيواصل الوقوف في صف أوروبا، لمواجهة ما يوصف بـ«العدوان الروسي».
- قلق من سياسات ترامب.. كندا تعزز تحالفها العسكري مع أوروبا
- ترامب وبوتين.. أوروبا تحبس أنفاسها بانتظار نتائج «المكالمة الأهم»
ووفق شبكة «سي إن إن» الإخبارية الأمريكية، ربما تكون أوروبا المترنحة، وربما الخائفة أيضًا، قد عادت أخيرًا إلى رشدها بشأن احتياجاتها للدفاع عن نفسها.
في الشهر الذي وصف فيه وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، أوروبا بـ«المثيرة للشفقة» في دردشة جماعية مع مسؤولي الإدارة الأمريكية، عُرفت إعلاميًا باسم «فضيحة سيغنال»، كانت القارة تحطم المحرمات التي تعود إلى عقود من الزمن في مجال الدفاع.
بل إن هناك سياسات مطروحة على الطاولة في هذا الملف، لم يكن من الممكن تصورها قبل أسابيع فقط.
وجاء التغيير الأكبر في ألمانيا، أكبر اقتصاد في أوروبا. فبعد الانتخابات الفيدرالية، فاز المستشار المنتظر، فريدريش ميرتس، بتصويت في البرلمان لإلغاء «مكابح الديون» الدستورية في ألمانيا، وهي آلية للحد من الاقتراض الحكومي.
من حيث المبدأ، يسمح تغيير القانون بالإنفاق غير المحدود على الدفاع والأمن. ويتوقع الخبراء أن تؤدي هذه الخطوة إلى تحرير ما يصل إلى 600 مليار يورو (652 مليار دولار) في ألمانيا، لصالح الجيش، على مدى العقد المقبل.
وقال بيوتر بوراس، وهو زميل بارز بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، لشبكة «سي إن إن»: «هذا سيغير قواعد اللعبة في أوروبا، لأن ألمانيا كانت متراجعة، خاصة بين الدول الكبرى، عندما يتعلق الأمر بالدفاع».
وتابع بوراس أن ألمانيا، بتجاوزها رهاب الديون، تصرفت أخيرًا كما لو أن أوروبا قد تجاوزت حقًا «نقطة تحول»، كما وصفها المستشار المنتهية ولايته أولاف شولتز في فبراير/شباط 2022.
ورغم أن بداية حرب أوكرانيا أحدثت هزة في ألمانيا، لكن صدمة ترامب في الأسابيع الأخيرة هي التي جعلتهم يتخذون هذا القرار الأساسي بتعليق مكابح الديون، وفق بوراس.
المحرمات تنهار
في فرنسا المجاورة، قال الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي طالما دعا إلى «الاستقلال الاستراتيجي» الأوروبي عن الولايات المتحدة، إنه يفكر في توسيع نطاق حماية ترسانة فرنسا النووية لتشمل حلفاءها.
وجاءت تصريحات ماكرون بعد أن دعا ميرتس إلى إجراء محادثات مع فرنسا والمملكة المتحدة، القوتين النوويتين في أوروبا، بشأن توسيع نطاق الحماية النووية. فيما رحب رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، بالفكرة، بل ودعا بولندا إلى التفكير في الحصول على أسلحة نووية بنفسها.
وفي الوقت نفسه، انسحبت بولندا ودول البلطيق إستونيا وليتوانيا ولاتفيا، وجميعها دول مجاورة لروسيا، من معاهدة أوتاوا لعام 1997 بشأن الألغام الأرضية.
بل أعلنت ليتوانيا بالفعل شراء 85 ألف لغم أرضي، وتتطلع بولندا إلى إنتاج مليون لغم أرضي محليًا.
كما انسحبت ليتوانيا هذا الشهر من المعاهدة الدولية ضد الذخائر العنقودية، لتصبح أول دولة موقعة على المعاهدة تقوم بذلك.
كما عاد التجنيد العسكري الإلزامي في القارة، حيث جعلت الدنمارك النساء مؤهلات له اعتبارًا من عام 2026، وخفضت المتطلبات الصحية لبعض الوظائف، كجزء من تعزيز القوات المسلحة في البلاد.
كما أعلنت بولندا عن خطط لإلزام كل ذكر بالغ بالخضوع للتدريب العسكري.
حتى الدول المعروفة بحيادها تعيد النظر في مواقفها. ففي خضم المناقشات حول كيفية الحفاظ على السلام في أوكرانيا في حالة التوصل إلى تسوية، طرحت الحكومة في أيرلندا – وهي دولة عسكرية صغيرة تركز على عمليات حفظ السلام – تشريعًا يسمح بنشر قوات دون موافقة الأمم المتحدة.
ولطالما كانت الحقيقة غير المريحة – وغير المعلنة في كثير من الأحيان – في أوروبا، هي أن حمايتها من أي هجوم تعتمد في نهاية المطاف على الفرسان الأمريكيين، لكن ذلك يتغير، وفق «سي إن إن».
لكن، رغم أن أوروبا يبدو أنها فهمت الرسالة، إلا أن الحديث عن نهج موحد فيها سابق لأوانه، وفق الشبكة الأمريكية.
وعندما كشفت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، عن خطة لإنفاق المزيد من المليارات على الدفاع، تحت اسم «إعادة تسليح أوروبا»، اعترضت إسبانيا وإيطاليا. وجرى تغيير اسم الخطة إثر ذلك، إلى «الاستعداد 2030».
كما استبعدت رئيسة الوزراء الإيطالية، جيورجيا ميلوني، إرسال قوات إيطالية كجزء من وحدة أوروبية لحفظ السلام في أوكرانيا في حال التوصل إلى تسوية تفاوضية، وهي قضية رئيسية أخرى تنقسم حولها القارة.
وباتت القاعدة أنه كلما ابتعدت الدولة عن التهديد الحالي المتمثل في روسيا، مالت أكثر إلى «وضع البنادق في الزبدة»، ما يجعل جهود تقوية الاتحاد الأوروبي دفاعيًا بشكل موحد صعبة.