استقبل السوريون عام 2025 بالكثير من الأمل في مستقبل أفضل، بعيدًا عن سقوط نظام بشار الأسد الذي فر إلى موسكو صبيحة يوم الثامن من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ليدخل حكام دمشق الجدد إلى عاصمة الأمويين وأمامهم الكثير من التحديات المهولة نتيجة الحرب السورية التي أهلكت الحرث والنسل كما يقال، ومشاهد المقابر الجماعية التي يتم اكتشافها، والمسالخ البشرية في سجن صيدنايا سيئ السمعة وغيرها.
لكن أمام كل هذا، لابد من معرفة أهم الحقائق الماثلة للعيان في سوريا الآن:
أولاً: بات من الطبيعي وجود إدارة سورية جديدة بقيادة أحمد الشرع بصفته القائد العام لإدارة العمليات العسكرية المسيطرة حتى اللحظة على أغلب محافظات سوريا، ومعه حكومة الإنقاذ التي باتت تُسمى "حكومة تصريف الأعمال" برئاسة محمد البشير الذي تسلم المهام من آخر حكومة في عهد النظام الأسدي السابق.
التواصل الرسمي العربي والدولي مع الشرع وحكومته لم يترجم حتى الساعة إلى اعتراف رسمي وشرعي على مستوى العالم.
ثانيًا: العقوبات الدولية المفروضة على سوريا لا تزال عقبة كبيرة تقطع الطريق على تعافي البلد المحطم. وقد أشار الوفد الخليجي رفيع المستوى الذي زار دمشق برئاسة وزير خارجية الكويت إلى ضرورة إعادة النظر في رفع العقوبات عن سوريا.
كما أن المساعدات الإنسانية العاجلة تواجه معوقات تحول دون وصولها إلى سوريا بسبب هذه العقوبات.
ولا يزال الشرع ووزير خارجيته الجديد أسعد الشيباني يذكران المجتمع الدولي بأهمية إزالة العقوبات فورًا.
ثالثًا: وضع هيئة تحرير الشام، وهي الفصيل الأبرز في إدارة العمليات العسكرية، على قوائم الإرهاب الدولي، أمر يفتح الباب لمقايضة الحكم الجديد في سوريا على أساس غامض، في انتظار وصول إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد أيام، ومدى إمكانية التوصل إلى تسوية سياسية حقيقية بين المجتمع الدولي والإدارة السورية الجديدة.
رابعًا: الاستحقاق الداخلي السوري المهم من خلال عقد "مؤتمر الحوار الوطني الشامل" الذي من المفترض أن يشكل "جمعية تأسيسية" لشرعية القيادة السورية الانتقالية والتمهيد لمرحلة بناء الدولة، يكتنفه الغموض أيضًا، خصوصًا في ظل شح المعلومات وتعدد المصادر غير الرسمية حول طبيعة المدعوين وآلية العمل والمقررات التي من المتوقع صدورها بعد عقد هذا المؤتمر المنشود، لا سيما وأن هناك حديثًا عن دعوة السوريين كشخصيات وليس كتيارات أو تجمعات وأحزاب.
خامسًا: شخص رئيس الحكومة الانتقالية القادم الذي سيتم اختياره، وطبيعة شرعية أحمد الشرع وتموضعه الدستوري في ظل الحديث عنه كـ"رئيس مؤقت للبلد" لمدة 4 سنوات، وجسر الهوة الحاصلة نتيجة تصريحات الشرع المعلنة عن انتهاء "زمن الثورة" ودخول البلاد مرحلة بناء الدولة الحديثة وعمل مؤسساتها بما يخدم مواطنيها الذين يعانون ظروفًا اقتصادية ومعيشية قاهرة، لاسيما ملفات عودة اللاجئين والنازحين، الذين لا بيوت لهم بعد دمار مدن وأحياء بأكملها على مدى 14 سنة من الحرب المرعبة.
سادسًا: تجاوز مرحلة الانتقام والثأر وصولًا إلى مرحلة العدالة الانتقالية لإنصاف الضحايا وتحكيم منطق الاحتكام للدولة والقضاء، وحصر السلاح بيد الدولة، وإمكانية تحقيق بنية أساسية لجيش سوري موحد بعيد عن الفكر الفصائلي أو المليشيات، واستبعاد مبدأ المحاصصة الذي رفضه أحمد الشرع، وانتقاد تجربته المضرة في دول مجاورة مثل العراق ولبنان على سبيل المثال.
سابعًا: إشراك المكونات وحفظ حقوق المواطنة للجميع، أمر تحرص عليه الولايات المتحدة الأمريكية، التي يلتقي ممثلها في دمشق روبنشتاين بين الحين والآخر بالسلطات السورية المؤقتة، بحسب بيانات رسمية صادرة عن الخارجية الأمريكية على مدار الأيام الماضية.
أخيرًا: من الأهمية بمكان الانفتاح العربي على سوريا، والاتصالات والزيارات التي تجري كلها تمثل بارقة أمل واستقرار في سوريا، نتيجة حرص الأشقاء العرب، سيما في دول الخليج العربية، على خروج سوريا من هذه المرحلة الصعبة بأقل الخسائر وتجاوزها نحو تعبيد الطريق لإرساء مفاهيم الحكم الرشيد، وصولًا إلى دولة عصرية متعافية، تخدم مواطنيها، وتمثل حالة من الطمأنينة والتعاون والشراكة مع محيطها العربي والإقليمي وشركائها في المجتمع الدولي.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة