الإرهاب لم يعد فكرة أيديولوجية تعمل وحدها، ولكنه أصبح مصدرا لقلق اقتصادي واضح في العالم
إن دارس الظاهرة الإرهابية في العالم يجد أنها اقترنت بسياقات معينة على المستوى الدولي، لكنها ارتبطت من حيث الأساس بمسألتين مهمتين هما: صراع المصالح وانتشار التطرف، فإن عرف العالم أشكال الصراع على المصالح في المنظومة العالمية بين من يمتلك الأدوات الاقتصادية ويتحكم في إدارة القضايا الجيوسياسية في مناطق الصراع وأخبرنا التاريخ عن قدم هذه الظاهرة، فإن مسألة التطرف كأيديولوجية صارت اليوم عنوانا بارزا لإنتاج وإعادة إنتاج الإرهاب.
لقد أحدث الإرهاب في العالم اليوم أزمة إنسانية حقيقية بتجليات مختلفة، وآثار أمنية سياسية، اقتصادية واجتماعية بل حتى ثقافية ودينية، وهو ما بات يستدعي التعامل مع الظاهرة بمنظور شامل ومتكامل في نفس الوقت
من ذلك يمكن القول إن الإرهاب لم يعد فكرة أيديولوجية تعمل وحدها، ولكنه أصبح مصدرا لقلق اقتصادي واضح في العالم، فقد أضحت الظاهرة الإرهابية اليوم أهم عنوان لضرب وزعزعة استقرار الدول خصوصا العربية، ويعد الإرهاب نموذجا لتهديد هو الأطول عمرا من الناحية الزمنية والمثالي من حيث إدراكه للأبعاد الأنثروبولوجية للمنطقة العربية، وهو ما جعل من اعتبارات انتشار الظاهرة الإرهابية تزيد بدءا من أن الإرهاب وجد من يموله، ويروج له ويتعاطف معه أيضا، تحت عدة أسماء وصور للنفاق السياسي والاجتماعي وفي ظل استمرار الإجماع على شعار أن الإرهاب لا دين له ولا وطن، فالواقع إذن يبين للمتتبع وللملاحظ أن الميكانيزمات متعددة لكن الهدف واحد، وهو يصب في فرض منطق الهيمنة والسيطرة من أجل إرضاء طموحات ونفسيات أقل ما يقال عنها إنها مريضة.
هكذا بات الإرهاب عنوانا لتجديد الصراع، وشرعنة التدخلات الدولية وفرض العقوبات، وبدون شك فإن الإرهاب اليوم وجد ضالته ومبتغاه في تلك المجموعات المتناحرة طائفيا وأيديولوجيا، والتي أضحت تساهم في إنتاج الإرهاب أو إعادة إنتاجه عبر زعزعة الاستقرار، وبات الإرهابيون يتلونون بألوان الدول التي توفر لهم الحماية والإمداد.
إن الحديث عن آليات عمل المجموعات الإرهابية خدمة لسياسة الانتشار ورهاناتها هو فعلا حديث عن استراتيجية المستفيد من الوضع القائم بكل تعقيداته، وهنا نشير إلى تجار السلاح وتجار المخدرات أو ما يمكن أن نسميه تجارة الآفات، كما أن رهان القوى المسؤولة عن إنتاج الإرهاب خصوصا في المنطقة العربية هو بناء تحول حقيقي ينتقل فيه الإرهاب من أيديولوجية إلى سلوك مجتمعي وجماعي، وهو ما نلمسه من خلال تصاعد خطاب التطرف والكراهية، الذي انخرط فيه وبكل أسف الإعلام وما أتاحه التمكين التكنولوجي بشكل كبير في دعم استراتيجية الترويج للإرهاب والتطرف الذي أصبح حضوره مباشرا في المشهد العام.
فهناك إذن تحول في مستويات العمل وخدمة الإرهاب التي باتت تنتقل من التجنيد إلى الانتشار ومن التواجد إلى الاستثمار عبر آلية التمويل والمبايعة، فأصبحنا نتحدث اليوم عن اقتصاديات الإرهاب، وتراجعت مع ذلك محاربة الإرهاب في الأدبيات الغربية إلى مستوى التقارير والاكتفاء بالإدانة فقط، وهذا أمام تشعب أدوات إنتاج الإرهاب، فالإثنية والطائفية التي أضحت تنقل الصراع من مستواه الكلي إلى المستوى الجزئي لزعزعة الاستقرار أكثر، هي اليوم مصدر لإنتاج الولاءات الجديدة التي تعد مصدرا لتكوين المليشيات والمجموعات الإرهابية باسم الأقليات، والتي أصبح من السهل إيجاد منصات للترويج والدعاية لها.
وطبعا هذا يضاف إلى الخطر الذي تجسده سياسة الإحلال التي تصنعها القوى المسؤولة عن إنتاج وإعادة إنتاج الإرهاب في منطقة الساحل الأفريقي خصوصا، عبر الاستثمار في قوافل الهجرة غير الشرعية التي أضحت مصدرا للاستغلال والتوظيف لتكوين الجيوش المرتزقة، وأداة لإنتاج واقع أنثروبولوجي جديد في المنطقة، هدفه إطالة عمر الأزمة عبر إنتاج مفهوم الإقليم مقابل الدولة والذي يساهم فيه إحياء النزعة الإثنية.
لقد أحدث الإرهاب في العالم اليوم أزمة إنسانية حقيقية بتجليات مختلفة، وآثار أمنية سياسية، اقتصادية واجتماعية بل حتى ثقافية ودينية، وهو ما بات يستدعي التعامل مع الظاهرة بمنظور شامل ومتكامل في نفس الوقت، كما أن تفاقم الظاهرة الإرهابية واستمراريتها يعد كارثة تجتاح المجتمعات وتهدد الأفراد عبر مفهوم الإرهاب الفكري والتطرف، وهو الوضع الذي ساهم فيه التجاوب الذي تلقاه التنظيمات الإرهابية تحت عدة مبررات، وهنا أصبح مبدأ المسؤولية والالتزام قاعدة لا بد من فرضها بالشكل الذي يجعلنا مطالبين وبأقصى درجات السرعة بوضع استراتيجية عملية تنقلنا من مستوى الحرب مع الإرهاب إلى الحرب على الإرهاب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة