انقلاب النيجر.. رابحون وخاسرون
في كل أزمة رابح وخاسر، وفي انقلاب النيجر اختلف المحللون حول الأسباب إلا أنهم اتفقوا على النتائج والمآلات التي تنتظر الدولة الواقعة بمنطقة الساحل الأفريقي.
لا يزال الوضع في نيامي مبهماً، إذ أعلن الانقلابيون تعليق عمل المؤسسات وإغلاق حدود البلاد، بينما رفض الرئيس المحتجز في القصر الرئاسي محمد بازوم، ووزير خارجيته حسومي مسعودو، الإجراءات التي اتخذها العسكريون وسط ضغوط إقليمية ودولية ومطالبات بإنهاء الأزمة.
أزمة أرجعها محللون إلى صراع ممتد بين روسيا والغرب حول النفوذ في منطقة تملك موارد طبيعية وفيرة من الثروات المعدنية والنفطية، وإمكانيات كبيرة للطاقة المتجددة، فضلا عن موقعها الجغرافي المتميز.
رابحون وخاسرون
اضطرابات اعتبرها خبير الأمن القومي والشؤون الأفريقية بمصر اللواء محمد عبدالواحد لن تنتهي في القريب العاجل، بعد أن باتت البلاد الواقعة في منطقة الساحل جزءا من استراتيجية صراع النفوذ الدولي بين الغرب وفرنسا والولايات المتحدة تحديدا من جهة، وروسيا من جهة أخرى.
وأكد، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، أنه "من السابق لأوانه الحديث عن نجاح الانقلاب في ظل وجود قوى دولية تدين الاستيلاء على السلطة بالقوة، أو من خلال انقلابات عسكرية".
وعن دور روسي في أحداث النيجر، قال عبدالواحد إن موسكو أبرز المستفيدين من إزاحة نظام بازوم في إطار مساعيها لتوسيع نفوذها في منطقة الساحل على حساب الدورين الفرنسي والأوروبي.
وأضاف: "يعزز غياب الرئيس بازوم المحتمل عن المشهد السياسي في البلاد خلال الفترة المقبلة الحضور الروسي في النيجر، باعتبار النيجر ورئيسه الذي جرى الانقلاب عليه، الحليف الأبرز للغرب في منطقة الساحل".
وإزاء ما قد يحمله نجاح قادة الانقلاب من تهديد للنفوذ الفرنسي في النيجر والمنطقة، قال الخبير المصري إن "فرنسا وأمريكا لن تقفا مكتوفتا الأيدي أمام التوغل الروسي في المنطقة"، متوقعا "تحرك باريس وواشنطن للتصدي للمحاولة الانقلابية".
ونبه إلى أن "فرنسا تمتلك قاعدة عسكرية تضم نحو 1500 جندي، وهناك قاعدة لوجستية ألمانية، إضافة إلى قاعدة أمريكية لطائرات بدون طيار".
وأشار إلى أن الخاسر الأكبر في الانقلاب هم مواطنو النيجر، مؤكدا أن "الانقلاب سيفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في بلد هي الأفقر عالميا".
وتشكل الصحراء ثلثي مساحة النيجر الواقعة في قلب منطقة الساحل القاحلة في غرب أفريقيا، وتحتل المرتبة 189 بين 191 بلداً في مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية عن عام 2022.
وفي ظل معدل فقر يبلغ 48.9% وحصة من الدخل للفرد تبلغ 533 دولاراً أمريكياً عام 2022، بحسب البنك الدولي، تعد النيجر واحدة من أفقر دول العالم. وقُدِّر عدد سكانها في عام 2016 بنحو 19.8 مليون نسمة، إلا أنه ارتفع بشكل متسارع في عام 2023 إلى 22,4 مليون نسمة، نظرا إلى بلوغ معدل الولادات سبعة أطفال لكل امرأة.
وعن أسباب الانقلاب، قال خبير الأمن القومي المصري إن التكهنات وراء الأزمة عديدة، فهناك من أرجعه إلى نية الرئيس بازوم عزل الجنرال عمر تشيامي قائد الحرس الجمهوري من منصبه، وخلافاتهما حول قائمة بعض التعيينات في الحرس الرئاسي وبعض المؤسسات الأمنية.
وكان بيان قادة الانقلاب العسكري قد برر الخطوة بـ"استمرار تدهور الأوضاع الأمنية وسوء الإدارة الاقتصادية والاجتماعية في البلاد".
هل نجح الانقلاب؟
وللإجابة عن هذا التساؤل، قال الأكاديمي الموريتاني والباحث في شؤون الساحل وغرب أفريقيا عبيد إميجن، في حديث لـ"العين الإخبارية"، إن "نسبة نجاح الانقلاب حاليا تزيد على 60% بعد دعم الجيش".
أما النسبة المتبقية فتعتمد -حسب إميجن- على ما سيحظى به قادة الانقلاب من دعم سياسي خاصة من الرئيس المطاح به وحكومته، فبدون تقديم هذه الجهة لاستقالتها وتخليها عن السلطة وإقرارها بالأمر الواقع، فإن شرعية الانقلابيين ستبقى على المحك".
ضغوط فرنسية ولكن
وبشأن إمكانية تدخل فرنسا عسكريا في حال نجاح الانقلاب، استبعد عبيد إميجن هذا الأمر بسبب رغبة باريس في الحفاظ على صورتها المتدهورة في المنطقة.
فيما رجح الباحث الموريتاني في شؤون الساحل وغرب أفريقيا قيام باريس بممارسة ضغوط سياسية وإعلامية على العسكريين الجدد حال سيطرتهم على مقاليد الحكم، بما يخدم مصالح الغرب خاصة في مجال مناجم اليورانيوم".
وتعتبر النيجر موردًا رئيسيًا لليورانيوم إلى الاتحاد الأوروبي، وتمثل خُمس إمداداتها، وهي مهمة بشكل خاص لفرنسا، القوة الاستعمارية السابقة.
وبلغ الإنتاج التراكمي من اليورانيوم في النيجر حوالي 150 ألف طن حتى نهاية عام 2019، ويتم استخراج اليورانيوم بالقرب من بلدتي التعدين التوأم أرليت وأكوكان، على بعد 900 كيلومتر شمال شرق العاصمة نيامي.
ونوه الباحث الموريتاني أيضا إلى أن منطقة الساحل باتت في السنوات الأخيرة مكانا خصبا لحركات التمرد والجماعات الإرهابية، ومع تزايد صراع القوى الدولية والإقليمية التي زادت معها الانقلابات وانعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي.
وتابع: "لقد كانت هذه الأوضاع كفيلة بإجهاض مشروع مجموعة دول الساحل الخمس والتي فككتها عمليا وواقعيا الانقلابات، وكان آخر ذلك ما يجري حاليا من انقلاب لم تتضح معالمه النهائية ولم تتحدد بعد زعاماته الانتقالية".
مآلات الانقلاب
بدوره، قال إسماعيل الشيخ سيديا، الكاتب والباحث السياسي والخبير في الشؤون الأفريقية، إن "النيجر معرضة لهزات كبيرة وعدم استقرار خلال الفترة المقبلة، في ظل صراع النفوذ بين الغرب (الولايات المتحدة وفرنسا) من جهة، وروسيا من جهة ثانية".
وأشار، في حديث خاص لـ"العين الإخبارية"، إلى أن "الانقلاب في النيجر حدث بشكل سلس دون إراقة دماء، وقد ساق منفذوه العامل الأمني كسبب رئيسي".
وأضاف: "انتقلت عدوى الانقلاب بشكل واضح إلى النيجر؛ بعد وجود انقلابات عسكرية قائمة مختلفة السياقات والمآلات في ثلاث من دول الجوار هي مالي بوركينا فاسو وتشاد".
وأوضح "سيديا" أن تسجيل انقلاب في النيجر يعني أن أسبابا داخلية بالأساس اجتمعت لتمليه، غير أن جاذبية الانقلابات وعدوى نظام الحكم قائمة بحكم التداخلات ودول الجوار.
وبعد مالي وبوركينا فاسو أصبحت النيجر ثالث دولة في منطقة الساحل تشهد انقلاباً منذ عام 2020، فيما تقوّضها هجمات جماعات مرتبطة بتنظيمي "داعِش" والقاعدة.