"المقلاة الحارة" للعالم تفتح أبواب الجحيم على الساحل الأفريقي
أطلقت عدة منظمات دولية سلسلة تحذيرات من أن تداعيات تغير المناخ تدفع منطقة الساحل الأفريقي إلى حافة الانفجار.
وتؤدي التغيرات المناخية إلى ارتفاع درجات الحرارة في مناطق وسط وغرب القارة الأفريقية بمعدل يفوق 1.5 مرة عن المتوسط العالمي، مما يجعلها من أكثر المناطق المعرضة لموجات جفاف حادة، وفيضانات جارفة، وبالتالي تفاقم الصراعات بين المجتمعات المحلية نتيجة ندرة الموارد، الأمر الذي يغذي حالة عدم الاستقرار السياسي في كثير من دول غرب القارة الأفريقية.
وتشمل منطقة الساحل الأفريقي 5 دول تمتد من وسط إلى غرب القارة السمراء، وهي تشاد والنيجر ومالي وموريتانيا وبوركينافاسو، وهي من أكثر المناطق التي تشهد أكبر أزمة نزوح قسري في العالم، نتيجة التداعيات الناجمة عن التغيرات المناخية، أو بسبب الصراعات المسلحة، حيث يعيش أكثر من 4.4 مليون شخص بعيداً عن مناطقهم الأصلية.
- دخان الحرائق يخنق اقتصاد العالم.. ويمحو 16 تريليون دولار في عقدين
- بين القلب والدم.. كيف يؤثر الاحتباس الحراري على أجسادنا؟
وتشهد دولة النيجر، إحدى أكثر الدول الأفريقية تأثراً بتداعيات تغير المناخ، أزمة نزوح مزدوجة، حيث استقبلت الدولة البالغ عدد سكانها حوالي 24 مليون نسمة، على مدار السنوات القليلة الماضية، أكثر من 250 ألف لاجئ فروا من النزاعات المسلحة بالدول المجاورة، غالبيتهم من مالي ونيجيريا، بينما أجبرت الظروف القاسية في النيجر نفسها، أكثر من 264 ألف شخص على النزوح من ديارهم.
وحذر المنسق الخاص للأمم المتحدة للتنمية في منطقة الساحل الأفريقي، وكذلك المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، في بيان مشترك في وقت سابق هذا العام، من أن بلدان منطقة الساحل أكثر عرضة لمخاطر اندلاع نزاع مسلح، وعقود من النزوح، بسبب ارتفاع درجات الحرارة، وندرة الموارد، وانعدام الأمن الغذائي، في حالة إذا لم يتم اتخاذ إجراءات سريعة للاستثمار في التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معها.
ويرصد تقرير للأمم المتحدة عدداً من النقاط الساخنة المعرضة لتغير المناخ في منطقة الساحل الأفريقي، ويحذر التقرير، الذي جاء بعنوان "الانتقال من رد الفعل إلى الفعل"، من أن حالة الطوارئ المناخية، إذا ما تركت دون رادع، سوف تعرض المجتمعات المحلية في منطقة الساحل لمزيد من المخاطر، حيث تؤدي الفيضانات والجفاف وموجات الحر غير المسبوقة، إلى تضاؤل الأمل في الوصول إلى مصادر المياه والغذاء، وتهدد سبل كسب الرزق، مما يؤدي في نهاية المطاف إلى إجبار مزيد من السكان على الفرار من ديارهم، وبالتالي تفاقم مشكلات النزوح في واحدة من أكثر المناطق هشاشة على مستوى العالم.
يغطي التقرير، الذي حصلت عليه "العين الإخبارية"، الدول العشرة المشمولة باستراتيجية الأمم المتحدة المتكاملة لمنطقة الساحل (UNISS)، وخطتها للدعم في غرب ووسط أفريقيا، وهي الدول الخمس التي تشكل منطقة الساحل، إضافة إلى 5 دول أخرى، وهي الكاميرون وغامبيا وغينيا ونيجيريا والسنغال.
وقال المنسق الخاص للأمم المتحدة للتنمية في منطقة الساحل، عبد الله مار دياي، إن غالبية المجتمعات المحلية في منطقة الساحل تعتمد على الزراعة والرعي، وهي قطاعات تتسم بالهشاشة أمام تداعيات تغير المناخ، فضلاً عن تزايد مستويات انعدام الأمن الغذائي بوتيرة متسارعة، لتصل إلى مستويات طارئة في بعض المناطق، مشيراً إلى أنه من المتوقع، على المدى الطويل، تراجع إنتاج المحاصيل الرئيسية نتيجة الصدمات المناخية المتلاحقة، مما يضعف قدرة السكان المحليين على الصمود.
وأضاف المسؤول الأممي أن أزمة المناخ في منطقة الساحل، إضافة إلى عدم الاستقرار المتزايد، وانخفاض مستوى الاستثمارات في خطط التنمية، جميعها عوامل تؤدي إلى تزايد الضغط على المجتمعات المحلية، وبالتالي إضعاف قدرة دول المنطقة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
ومن جانبه، حذر مستشار مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين، الخاص بالعمل المناخي، أندرو هاربر، من أن ارتفاع درجات الحرارة، والأحوال الجوية القاسية في منطقة الساحل، من شأنها أن تؤدي إلى تفاقم النزاعات المسلحة، التي تتسبب بالفعل في فقدان سبل الرزق، وانعدام الأمن الغذائي، وتدفع آلاف السكان إلى النزوح.
وأضاف مسؤول العمل المناخي بمفوضية الأمم المتحدة للاجئين أنه لا يمكن التخفيف من العواقب الإنسانية، سواء الحالية أو المستقبلية، إلا من خلال بذل مزيد من الجهود الجماعية للتخفيف من الآثار المترتبة على التغيرات المناخية والتكيف من التداعيات الناجمة عنها.
ونقل بيان للجنة الدولية للصليب الأحمر، تلقته "العين الإخبارية"، عن بيتر ماورير، رئيس اللجنة، قوله بعد زيارة لمنطقة الساحل الأفريقي، في وقت سابق هذا العام، إن العنف والتحديات التي تواجهها المنطقة لا تعزى فقط إلى النزاعات المسلحة، ولكنها ترتبط أيضاً بتقلص مساحات الأراضي القابلة للاستغلال، وعدم استدامة موارد المياه.
وأضاف أن تغير المناخ يضفي مزيداً من التعقيدات على المشهد القاتم في منطقة الساحل، التي تعاني بسبب تأخر التنمية، والفقر المزمن، وتفشي الأنشطة الإجرامية والعنف، وجميع هذه العوامل تؤدي إلى هشاشة أوضاع الحياة، مما ينذر بانفجار وشيك، الأمر الذي يتطلب إحداث تحول جذري في النهج المتبع للتعامل مع منطقة الساحل، لتعزيز قدرات المجتمعات المحلية على تحمل الصدمات المناخية.
وبينما تعتبر منظمات بيئية دولية أن منطقة الساحل الأفريقي تتسم بعدم انتظام هطول الأمطار، وتقلص المواسم المطيرة، تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى تدهور ما يقرب من 80% من الأراضي الزراعية، كما أن أكثر من 50 مليون شخص ممن يعتمدون في معيشتهم على تربية الماشية، يخوضون منافسة على مساحات محدودة من الأراضي الصالحة للزراعة والرعي.
وفي سبيلها للتخفيف من وطأة هذه التحديات، أطلقت حكومة النيجر، العام الماضي، خطة مشتركة للاستجابة الإنسانية ودعم الفئات الضعيفة من السكان، وقال المتحدث باسم الأمم المتحدة، ستيفان دوجاريك، إن الخطة، التي تم إطلاقها بمشاركة وكالات إنسانية، تسعى لحشد 553 مليون دولار، لمساعدة 2.3 مليون شخص، بما في ذلك النازحون داخلياً، واللاجئون، وسكان المجتمعات المحلية الأكثر هشاشة.