التاريخ اليوم يثير أسئلة مختلفة حول أمريكا، فهل ما تمر به مجرد تحديات طارئة يمكن تجاوزها أم أنه مؤشر على مسار مختلف.
الانتخابات الأمريكية الحالية أنتجت حالة من الحيرة السياسية وعدم الوضوح التي اكتنفت واحدة من أعرق الديمقراطيات في العالم وأكثرها نجاحا على مر التاريخ، فخلال ما يقارب من ثلاثة قرون مضت مارس الشعب الأمريكي الديمقراطية عبر انتخاب رؤساء أمريكا وأعضاء مجلس شيوخها وبرلمانها، وبذلك رسمت الديمقراطية الأمريكية لنفسها مساراً ثابتاً أقنع العالم كله بأن هذا النموذج الأمريكي لديه من القوة والصلابة ما يؤهله لأن يكون النموذج السياسي الأعظم في تاريخ البشرية، وقد عمل الكثير من الباحثين والمهتمين بالشأن السياسي على محاولة تفكيك وفهم ميكانيكية هذا النظام وأدواته خلال العقود الماضية وامتلأت مراكز البحوث بالكثير من الأفكار حول أمريكا وديمقراطيتها.
لقد استطاع النظام الديمقراطي الأمريكي أن يثبت للعالم نجاحاته عبر مسيرة سياسية طويلة أسهمت في انتقال السلطة بين رؤسائه بطريقة سلسلة عبّرت عن نضج عميق لتلك التجربة الأمريكية التي أصبحت مثالاً يحتذى في العالم، وروجت أمريكا لمبادئها عبر العالم من خلال دعم مفاهيم سياستها حول الحرية والعدالة، وما زال هذا المفهوم مقبولاً من دول العالم أجمع، فقد اعتدنا من كل رئيس أمريكي أن يبدأ مرحلته الرئاسية بالتأكيد أن مهمته تقوم على تعزيز مفاهيم الديمقراطية والحرية والعدالة في العالم.
التاريخ اليوم يثير أسئلة مختلفة حول أمريكا، فهل ما تمر به مجرد تحديات طارئة يمكن تجاوزها بسهولة من خلال عمق النظام الديمقراطي وأدواته؟ أم أنه مؤشر على مسار مختلف يمكن من خلاله اكتشاف بعض الثغرات المدفونة في هذا النظام والتي لم تظهر عبر التاريخ الديمقراطي الأمريكي؟ أمريكا وحتى اليوم دولة عظيمة والعالم مهما كانت اتجاهاته السياسية يدرك مدى أهميتها في النظام العالمي، فهي بلا شك حجر الزاوية ومصدر التوازن في القضايا الدولية، ولكن هذا لا يمنع من طرح الأسئلة الاستباقية بعد تلك المشاهد الانتخابية الأمريكية التي يمكنها أن تكون مصدر قلق حول أمريكا الديمقراطية.
إلى اليوم والحيرة تملأ العقول والصفحات الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي واجتماعات السياسيين في كل بقعة من العالم من هو الرئيس الأمريكي القادم؟ البعض بنى ثقته بالنظام الديمقراطي وقام بتهنئة من فاز في الانتخابات، والبعض الآخر لم يقم بهذه الخطوة خوفا من المفاجآت في النتائج، والحقيقة أن الجميع لا يمكنه معرفة إلى أين سوف تسير القضايا الانتخابية، وهل ستتمكن أمريكا من الخروج من مأزق انتخابات عام 2020، أم ستكون هناك مفاجآت لم يتوقعها أحد.
لا أحد في هذا العالم يرغب في أن يقلق على أمريكا، حتى المناهضين لها ولكن العالم كله يرغب في اختبار قوة النظام الديمقراطي الأمريكي وقدرته على تجاوز واحدة من أهم المفاصل التاريخية في حياة الشعوب، فهل أمريكا اليوم تبحث عن هويتها، أم هي تستخرج هويتها من صندوق الديمقراطية لتعيد تعريفها منذ بناها الأجداد لتذكر بها سكان أمريكا من الأقليات والأعراق المختلفة التي تعيش في أمريكا، سؤال أمريكا اليوم كبير ومختلف والمشهد أعمق من أن نصفه بتحديات قانونية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة