في زمنٍ تتسارع فيه الحياة، وتخطفنا فيه شاشات الهواتف ودوّامة التكنولوجيا والرفاه، صرنا نعيش في زحام من النِّعَم دون أن ننتبه.
أصبحنا نركض خلف تفاصيل يومية تُشغلنا عن أنفسنا، وعن شكر الله، بل وعن أداء فرائضه أحيانًا. فكم من شخصٍ استيقظ على عافية، لكن انشغاله بجدول يومه المزدحم أنساه أن يسجد لله شكرًا.
كوب ماء تشربه بسهولة هو في الحقيقة حلمُ مريضٍ لا يستطيع رفع الكوب أو بلع الماء. نومك بهدوء بعد يومٍ مرهق هو أُمنية لمُبتلى بالقلق أو الألم أو الخوف.
أن تُصلّي في وقتك، أن تمشي برجليك، أن تفتح ثلاجتك فترى ما يسدّ جوعك، أن ترى أبناءك يضحكون… كلّها نعم، لو فقدتَ واحدةً منها، لأدركتَ كم كنت غنيًا ولم تعلم. بل حتى ترف الذهاب إلى صالة الرياضة أو مقهى هادئ، هو رفاه لا يملكه ملايين الناس حول العالم.
رسولنا الكريم – صلى الله عليه وسلم – لخّص لنا في حديثٍ بليغٍ عميق، فقال: "من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافًى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا" [رواه الترمذي].
فالحمد لله على نعمة الأمن والأمان، والشكر لله على الصحة والعافية، وندعو الله العلي القدير أن يحفظ لنا أبناءنا وبناتنا، وأن يبارك لنا في أرزاقنا.
وقد قال الشاعر إيليا أبو ماضي:
أَلَا في فُؤادِ المرءِ سِرٌّ إذا بدا *** يُريكَ النِّعَمَ الغُفْلَ كيف تبدو عظيمة
ومعنى البيت: أن في قلب الإنسان لحظة وعي، إذا انكشفت له فجأة، أدرك عظمة النِّعَم التي طالما اعتادها وغفل عن شكرها، لتبدو أمامه فجأة كأنها كنوز لا تُقدّر بثمن.
ويقول الكاتب الأمريكي رالف والدو إمرسون: "إن أعظم شكر يمكن أن تقدمه لله هو أن تفرح بنعمه وتشعر بها". وهذا جوهر الشكر الحقيقي… أن تستشعر النعمة وتفرح بها، لا أن تعتادها حتى تنساها.
فيا من تقرأ هذه الكلمات، صغيرًا كنت أو كبيرًا، لا تجعل التعود يُطفئ بصيرتك، ولا تنتظر زوال النعمة حتى تعرف قدرها.
احمد الله، واشكره، وأكثر من الصلاة والدعاء، لك، ولأحبابك، ولوطنك.
اللهم احفظ دولة الإمارات العربية المتحدة وأهلها الكرام، وانشر فيها الخير والأمن والطمأنينة، وبارك في قائدها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان – حفظه الله – وإخوانه حكام الإمارات، وأدم عزهم ورفعة شأنهم، وزدهم توفيقًا وسدادًا، إنك على كل شيء قدير.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة