في تفاصيل الحياة كما تُعاش خارج الإمارات، يُعرّف النظام على أنه الحدّ الأدنى من الترتيب، وتُفهم الخدمة على أنها مجرّد وسيلة لتلبية الحاجة.
أما في الإمارات، فكل تعريف يُعاد كتابته، كل قاعدة مألوفة تتعرّض للاختبار، وكل روتين يومي ينقلب إلى حالة من الدهشة. ومن هنا، تولد ما أصفه "بمتلازمة الإمارات".
ليست متلازمة، بل الإمارات هي الاستثناء، وهي من تضع القواعد.
متلازمة في الوعي، في التوقعات، في فهم الحياة اليومية.
يُصاب الزائر القادم من عواصم التقدّم بالذهول عند زيارته للإمارات، أمام موقف باص مكيّف بالكامل في حيّ سكني، أو أمام ماكينة صراف آلي مزوّدة بالمراوح، وكأن راحة الإنسان ليست رفاهية، بل جزءٌ أصيل من النسيج الإنساني.
وتتعمّق دهشته حين يُطلب منه ألا يأتي إلى مركز الخدمة، لأن الموظف سيأتيه إلى البيت عبر خدمة "تم" من أجلك.
يتعطل منطقه عندما يدرك أن تجديد الإقامة، ودفع المخالفات، وحتى إصدار وكالة قانونية، لا يتطلّب أكثر من بصمة وجه وتطبيق ذكي.
في الإمارات، لا تحتاج إلى لمس جوازك في المطار، فالتعرّف على الوجه يفتح لك الطريق قبل أن تستلم حقيبتك.
لا تنتظر عند بوابة موقف أو طريق، لأن الكاميرات الذكية تعرّف عليك وتُنجز عنك.
ولا تبحث عن شاحن لسيارتك، لأن البنية التحتية تسبق حاجتك.
وحتى عندما تسير على الأقدام، تُفاجأ بأن الجسر مكيّف، وأن الرصيف مزوّد برذاذ بارد.
ثم هناك نوع آخر من الرفاهية...
رفاهية لا تُشترى ولا تُقاس، لكنها تُمنح تلقائيًا.
كرامة لا تُطلب، واحترام لا يُشترط، وثقافة ضيافة لا تُفصَّل على مقاس مظهرك أو اسمك.
في الإمارات، لا تُسأل: هل أنت نزيل هنا؟ قبل أن يُقدَّم لك الاحترام.
ولا تُعامل بتحفّظ إن دخلت مطعمًا فاخرًا.
لأن الكرامة هنا ليست امتيازًا، بل مبدأ.
ما اعتدنا وصفه بالترف – كأن تترك هاتفك في مكان عام وتعود لتجده، أو أن تمرّ في مطار نقيّ الهواء – ليس ترفًا، بل فلسفة.
فلسفة تقول إن الراحة حق، والكرامة لا تحتاج إذنًا.
لكنك لا تدرك روعة ذلك فورًا... تحتاج أن تغادر لتفهم.
تحتاج أن تسافر... لتبدأ الشك من جديد.
بل حتى في المطارات، تعيش متلازمة مختلفة:
أين اختفى دخان السجائر؟
تسأل نفسك متأخرًا، لأنك في مطارٍ صُمِّم ليحترمك قبل أن يخدمك.
متلازمة الإمارات تُربك كل من اعتاد التعامل مع أنظمة تقليدية.
تُربك من ظنوا أن الكرامة امتياز، أو أن التميّز لا يليق بالبسطاء.
تُربك حتى من اعتادوا الشك، حين يرون كل شيء يعمل ببساطة وهدوء.
لكن في خضم هذا الرقيّ، علينا ألا نأخذ النعمة كأمرٍ مسلَّم به.
فالراحة، والخدمة، والأمان... ليست أمرًا عاديًا في العالم،
بل استثناءً إنسانيًا نادرًا.
الاعتياد يقتل الدهشة، وهنا تأتي أهمية ثقافة الامتنان:
أن نُبصر ما وراء الاعتياد، أن نشكر قبل أن نطلب، أن نُدرك ما لا يُقال.
الامتنان ليس شعورًا، بل وعي.
وعيٌ بأن ما نراه في الإمارات ليس أمرًا طبيعيًا، بل استثنائيًا.
وأن الأدب مع النعمة هو أرقى أشكال الحضارة.
متلازمة الإمارات ليست عرضًا عابرًا، بل ثمرة فكرٍ قيادي، واستراتيجية دولةٍ تؤمن أن الكرامة لا تُؤجَّل، وأن الحياة اليومية مرآة للحكم الراقي.
نعم، إنها متلازمة،
لكنها متلازمة نحتاجها،
لنفهم كيف تتحوّل الحضارة من مبدأ إلى ثقافة إماراتية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة