في خطوة استراتيجية تعكس الرؤية المستقبلية لدولة الإمارات العربية المتحدة، أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في مطلع مايو/أيار 2025، عن اعتماد منهج دراسي جديد لمادة "الذكاء الاصطناعي".
والنهج الجديد يشمل جميع مراحل التعليم الحكومي، بدءًا من رياض الأطفال وحتى الصف الثاني عشر، اعتبارًا من العام الدراسي القادم.
ويُجسّد هذا الإعلان نقلة نوعية في مقاربة الدولة للتعليم، حيث لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة داعمة، بل أصبح مكوّنًا رئيسًا في صميم العملية التعليمية.
يأتي هذا التحول في سياق جهود الإمارات المستمرة نحو ترسيخ ريادتها في مجال المعرفة الرقمية، وتعزيز مكانتها بين أوائل الدول التي توظّف التقنيات الناشئة لبناء أجيال مستقبلية متمكنة.
فالتعليم في الفكر الإماراتي ليس مجرد قطاع خدمي، بل هو مدخل أساسي لتنمية رأس المال البشري، وهو ما يفسّر حضور الذكاء الاصطناعي في قلب السياسات التعليمية، انطلاقًا من إدراك الدولة بأن بناء جيل متمرّس بأدوات الثورة الصناعية الرابعة لم يعد ترفًا، بل ضرورة وطنية في ظل تسارع التحولات العالمية في سوق العمل وتنامي الحاجة إلى مهارات رقمية متقدمة.
ولا تقتصر أهمية هذا التوجّه على الجانب المعرفي فحسب، بل تعكس رؤية الإمارات في التعامل مع الذكاء الاصطناعي كمنظومة متكاملة من القيم والمفاهيم، ينبغي تأسيسها مبكرًا لدى الطلبة.
ففي الوقت الذي تركز فيه دول كثيرة على توظيف أدوات الذكاء الاصطناعي لتحسين الأداء التعليمي، تتعامل الإمارات مع الذكاء الاصطناعي كمنهج تفكير وثقافة يجب غرسها منذ الطفولة. هذه الفجوة في النهج لا تعكس فقط تمايزًا تقنيًا، بل تشير إلى اختلاف جذري في فلسفة التعليم ذاتها، وهو ما سينعكس مستقبلاً على نوعية مخرجات التعليم ومدى جاهزيتها لمواكبة المتغيرات العميقة في بيئة العمل العالمية.
إن دمج الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية لا يُعد خطوة تقنية محضة، بل هو تعبير عن تحوّل معرفي شامل، يستهدف بناء نموذج تعليمي جديد يقوم على الابتكار والتكامل بين الإنسان والتقنية. وهو استثمار استراتيجي في الحاضر من أجل تشكيل ملامح المستقبل، حيث التعليم لم يعد يقتصر على التلقين، بل أصبح أداة لصناعة الوعي التقني وتمكين الإنسان من توجيه التكنولوجيا نحو الخير والبناء.
وتُعد الإمارات من الدول الرائدة عالميًا في تدريس الذكاء الاصطناعي كمادة مستقلة ومنهج متكامل، يشمل مراحل التعليم كافة، وهو ما يترافق مع جهود متقدمة لتدريب المعلمين، وتطوير البنية التحتية الرقمية، وتحفيز بيئات الابتكار داخل المدارس، إلى جانب مبادرات نوعية مثل "المدرسة الرقمية"، و"جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي"، بما يعكس منظومة وطنية متكاملة تُسهم في رسم مستقبل التعليم وقيادة مساراته في المنطقة والعالم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة