النوستالجيا تعود بالكاسيت.. شركات تعيد إصداره وبائعون أوفياء له
بيانات هيئة "صناعة الصوتيات البريطانية" تسجل بيع 50 ألف ألبوم غنائي لشرائط قديمة خلال عام 2018 بزيادة 125.5% عن عام 2017
أخرج قاموس إكسفورد للغة الإنجليزية كلمة Cassette Player (مسجل كاسيت) من نسخته عام 2011، كما أن شركة سوني أوقفت تصنيع جهازها الشهير مسجل الكاسيت الووكمان المحمول عام 2010.. لكن على ما يبدو فإن الحنين إلى الماضي "النوستاليجا"، الذي دفع مستمعي الموسيقى إلى إعادة اكتشاف هذه الوسيلة، قد يجعلهما يشعران باتخاذ هذا القرار حينها بشكل متسرع.
وبينما كانت تطالعنا الصحف والمواقع الإلكترونية من حين لآخر بتقارير عن وفاة "أشرطة الكاسيت" إكلينيكيا، ليحل محله الـCD، كانت المفاجئة في تقرير صدر مؤخرا لهيئة "صناعة الصوتيات البريطانية" يوضح أن الكاسيت خرج في عصر الانتشار المجاني للموسيقى عبر الانترنت من طي النسيان إلى الحياة مجددا.
ويشير التقرير الذي نشرته في يناير/كانون الثاني الجاري صحيفة "الجارديان" البريطانية، إلى بيع 50 ألف ألبوم غنائي في شرائط قديمة عام 2018 بزيادة 125.5% عن عام 2017.
ورغم ضآلة هذا الرقم عند مقارنته بأوقات كانت تتعدى فيها المبيعات الملايين، كما حدث مثلا في مصر مع المطرب الشعبي علي حميدة، الذي باع 8 ملايين نسخة من ألبوم "لولاكي" خلال ثمانينيات القرن الماضي، لكنها تكشف عن أن تلك الصناعة لم تمت، وأن الحنين إلى الماضي قد يدفعها مستقبلا نحو المزيد من الإنتشار.
100 نسخة فقط
وكانت شركة إمارتية التقطت هذه الموجة من الحنين إلى الماضى منذ تأسست في 2015 ، فأطلقت مشروعا يهدف إلى استعادة أشرطة الكاسيت القديمة.
وأطلقت الشركة وتدعى "Bastakiya Tapes" ثمانية إصدارات كاسيت، وأنتجت 100 نسخة فقط من كل شريط، مع إمكانية التحميل الرقمي له مجانا.
وقال سالم رشيد مؤسس الشركة في تصريحات صحفية: "أعتقد أن الحنين إلى طفولتنا وراء هذا المشروع، ومعظم عملائنا يملكون أجهزة تشغيل كاسيت، لذلك نحن نشعر بالسعادة كوننا جزءا من هذا الاتجاه".
ومثل شركة "Bastakiya Tapes" الإماراتية، تعمل شركة "برجر ريكوردز" في كاليفورنيا على إحياء هذه الوسيلة السمعية، ويشير تقرير حديث للشركة إلى بيعها لأكثر من 350 ألف نسخة خلال السنوات الـ7 الماضية.
ويعترف التقرير بأن هذه الكمية تعد ضئيلة في بحر الإنتاج الموسيقي العالمي، إلا أنها ومع ذلك تؤشر على رغبة في العودة إلى هذه التقنية بعد وقوعها في غياهب النسيان منذ أواخر تسعينيات القرن الماضي.
حنين المطربين والباعة
وتزامن مع هذا التوجه من الشركات، حنينا لهذه الوسيلة السمعية، الأمر الذي دفع المغنية البريطانية مارينا آند ذا دايموندز إلى تسجيل نسخا بصيغة أشرطة الكاسيت من ألبومها الغنائي الصادر عام 2016 تحت عنوان "فروت"، وتبعها أيضاً المغنيان الأمريكيان جاستن بيبر في ألبومه "بربوس" وكانييه ويست في ألبوم "ييزوس".
وقبل حنين المطربين والشركات لهذه الوسيلة السمعية، كشفت تقاررير لوكالات الأنباء عن تمسك بعض البائعين بالإتجار في هذه الوسيلة، مؤكدين أنها لا تزال حية، وان عدد المقبلين عليها قليل.
ونشرت وكالة رويترز عام 2017 تقريرا عن توفيق محمد المعروف باسم "أبوفؤاد"، والذي يمكلك محل صغير في العاصمة الأردنية عمّان لبيع أشرطة الكاسيت الموسيقية القديمة.
ويقول التقرير إن محل أبوفؤاد يعد بمثابة قبلة لعشاق التسجيلات الغنائية النادرة، وأصبح وسيلة للحفاظ على ذكريات الماضي أكثر من كونه وسيلة لكسب المال.
وبدافع قريب من الذي قاله أبوفؤاد، يتمسك بائع تركي يدعى محمد كوج أوجلو ببيع أشرطة الكاسيت في متجره بالعاصمة أنقرة.
ويقول أوجلو في تقرير نشرته وكالة الأناضول التركية قبل 3 أيام، إنه بدأ بيع أشرطة الكاسيت في تسعينيات القرن الماضي على عربة متنقلة، ثم تمكن من فتح متجر صغير في ميدان "أولوس" وسط العاصمة.
وأضاف أنه قام بجمع الكثير من “الكاسيتات” لمختلف الفنانين الأتراك، حتى بلغ عدد الأشرطة التي امتلكها نحو 150 ألف شريط.
ورغم أن أصحاب محال الكاسيتات اتجهوا نحو إغلاق محالهم والبحث عن عمل جديد، بسبب ضعف الطلب على الأشرطة، مع ظهور الأجهوة الموسيقية الحديثة، لكنه استمر في عمله، لحبة لهذا المجال.
وقال: "لدي هواية تجميع شرائط الكاسيت، ولم أفكر في إغلاق محلي ومستمر في بيع القليل من الأشرطة مقارنة بالسابق، فأنا أقوم بعملي هذا من باب تقديم الخدمة الثقافية".
مشغل عصري
وكان هذا التوجه دفع شركات التكنولوجيا إلى التجاوب معه بابتكار وسائل عصرية لتشغيل أشرطة الكاسيت القديمة.
وكشفت شركة "برين مونك" مؤخرًا عن اختراعها لمشغل عصري لأشرطة الكاسيت التقليدية التي عرفناها، أصغر حجمًا من شريط الكاسيت ذاته، ما يناسب الاستخدام العصري.
وتقوم فكرة الجهاز الذي أطلقت عليه الشركة اسم Elbow على وجود بكرة صغيرة يمكن من خلالها تحريك الشريط للأمام والخلف، ويتحرك الذراع الحامل للبكرة لأعلى ليتم تثبيت البكرة بداخله، ومن ثم يبدأ العمل.
الزمن لا يرجع للوراء
رغم هذه التطورات، لكن الناقد الفني طارق الشناوي يؤكد على ضرورة عدم المبالغة ووضع الأمر في حجمه الطبيعي.
ويقول الشناوي في حديثه لـ"العين الإخبارية": "الأرقام البسيطة التي تشير إليها التقارير ووجود بائعين لا يزالون حريصون على شريط الكاسيت، لا يعني أن هذه الصناعة يمكن أن تعود إلى سابق عهدها، لأن الزمن لا يرجع إلى الوراء".
ويتابع: "نشاهد أشخاص يحرصون على ارتداء الطربوش إلى الآن، وأشخاص لا يستخدمون (وابور الجاز) رغم وجود البوتجاز، وبالمثل هناك من لا يزال حريصا على استخدام الكاسيت، ولكن السؤال كم عددهم؟، ستجدهم محدود جدا، ولا يمكن أن تقوم عليهم صناعة".
ويضيف: "شخصيا أعشق هذه الوسيلة القديمة، بل ولدي (فونغراف) قديم، وهي وسيلة تسبق الكاسيت، وأقوم بتشغيله من حين لآخر، ولكن على سبيل الحنين للماضي، ولكني أعتمد بشكل أساسي على الوسائل العصرية التي أتاحها عالم الإنترنت".
ولأن لكل وسيلة مزاياها وعيوبها، يشير الشناوي إلى أن "الكاسيت كان يعطي مؤشرا لقيمة الأغنية وحجم انتشارها، وأرقام المبيعات كانت معبرة جدا، ولكن في المقابل يتعين عليك شراء الشريط للاستماع إلى الأغنية، أما الآن أصبح الاستماع مجانيا من خلال الإنترنت، ولكنه لا يعطي تقييم حقيقي للأغنية، لأن أرقام المشاهدات يتم التلاعب بها، فتجد أغنية ليس لها قيمة تربعت على عرش المشاهدات".
aXA6IDE4LjIyNS4xOTUuNCA= جزيرة ام اند امز