"المتربص".. رواية فرنسية تُخلد نضال أم جزائرية
نص "المتربص" بُني على خطين سـرديين متوازيين، الأساس يأتينا على لسان الكاتب نفسه، بصفـته ابن الأم فـرانسواز الشخصية المحورية في الرواية.
أصدر الكاتب الفرنسي كريستوف بولتنسكي، روايته الثانية "المتربص"، والتي يعود فيها إلى سجل "رواية العائلة"، لكن من زاوية مختلفة وبطريقة مرهفة أتاحت له أن يحول الأتوبيوغـرافي إلى عالم روائي متشابك الغصون.
- بالصور.. المتحف الوطني للمجاهد راوي وقائع الثورة التحريرية الجزائرية
- الجزائر تطالب فرنسا بإعادة جماجم شهداء الثورة
وفازت رواية بولتنسكي الأولى "المخبأ" بجائزة "فيمينا" عام 2015. وأثار كريستوف بولتنسكي الانتباه، وقتها، باختياره موضوعا يتصل بأسرته اليهودية النازحة من بولونيا والتي تعرضت خلال الاحتلال الألماني للمطاردة والتفتيش، خاصة جده المتزوج من فرنسية وقفت إلى جانبه وأنقذته من المحرقة.
نص "المتربص" بُني على خطين سـرديين متوازيين، الأساس يأتينا على لسان الكاتب نفسه، بصفـته ابن الأم فـرانسواز الشخصية المحورية في الرواية، يحكي لنا عن علاقـته بأمه في فـترات مختلفة من حياتها وحياته، خاصة بعد اعتزالها العالم وافتراقها عن زوجها ومحاولتها كتابة رواية بوليسـية لا تنجح في إتمامها، والخط الثاني يتراوح السـرد بين ضميري المتكلم والغائب، حيث يحكي عـن مجموعة من الشباب الفرنسي يناضل في ستينيات القرن الماضي إلى جانب جبهة التحرير الوطنية الجـزائرية، مؤيدة مطالبها في الاستقلال عن فرنسا، ومساعدة لها على ترسيخ تـنظيماتها السـرية على أرض الميتربول، ومن ضمنهم الأم فـرانسواز التي راهنت على تلك القضية بكل كيانها، وأبو الكاتب الذي اعتبرها مرحلة عابرة.
يستحضر الكاتب، في فصول، ذكرياته مع أمه في مرحلتي الطفولة والشباب، ثم مشاهد من لقاءاته معها في فترة انعزالها داخل شقتها، وبعد موتها يبدأ الابن اكتشاف حياة والدته المبهمة، حتى توصل إلى كونها مناضلة سـرية في الحركة المعادية للاستعمار والمساندة لجبهة التحرير الجزائرية، مستندا إلى شهادات جيرانها وزملائها في الحركة السرية ووالده، والأهم مسودات كتبتها فـرانسواز في شكل بدايات لروايات بوليسية ظلت ناقصة.
ونجح كريستوف بولتنسكي، حسب جريدة "الحياة"، في تحويل فـترة من سـيرة العائلة إلى فضاء روائي تتنوّع داخله طرائق السرد ويتجاور فيه التاريخ مع التحرّي، والذكريات مع الاستطرادات التي تفتح الخاص على العامّ. ولا شك في أن خبرة كريستوف الواسعة في الكتابة الصحفية أتاحت له أن يضفي على النص طابع الراهنية والحيوية اللتين تجعلان من شخصية الأم نموذجا إنسـانيا لتلك الشخصيات التي تراهن على "المطلق"، وتدفع في سـبيله ثمنا غاليا من سعادتها وحياتها الخاصة.