قصص "قهوة وآيس كريم".. صندوق للذكريات والأحلام
مجموعة قصصية للكاتبة المصرية بسمة العوفي يتسم أبطالها بالبسالة والاشتباك مع الأسطورة و"الفانتازيا" أحياناً.
يواجه أبطال المجموعة القصصية "قهوة وآيس كريم"، للكاتبة المصرية بسمة العوفي، عوالِمهم بكثير من البسالة و القدرة على مطاردة الأحلام، والاشتباك مع الأسطورة والفانتازيا أحياناً، رغم ما يتسمون به من وحدة.
في المجموعة، الصادرة عن دار "الشروق المصرية"، حضور لصندوق الذكريات السري الذي تجمع به البطلة في واحدة من القصص، ما تراه جديراً للاقتناء من جوف العالم، وهي مقتنياتها الصغيرة كما تصفها "مخطوطة غير كاملة لقصيدة، ورقة عليها توقيع غير واضح، مرآة مكسورة أعطتها لها عجوز، تذاكر سينما لأفلام حضرتها بمفردي، أنصاف صور مُزِّقت بقاياها، وردة ذابلة أهديتها لنفسي ذات مرة، وكتيب أدعيةٍ صغير أعطته لي أمي".
تكتنز بطلة قصة "قهوة وآيس كريم"، التي اتخذتها الكاتبة عنواناً لمجموعتها، الذكريات كمجوهرات ثمينة كما تصفها.
وتطلق عليه أحياناً "صندوق جرائمي الصغير"، جاعلةً من هذا الصندوق ركيزةً تختصر عالمها الذي تُشكّله التفاصيل الأبسط وتجعلها عندئذ تشعر بأن "الحياة طيبة معها"، وقصتها تتّسع لبطلها و"آيس كريم" بالفستق ومقهى، ينسجون معاً قصة حب تُراقب في الأفق أمنيات تحقّقها.
استعانت الكاتبة بنكهات القهوة و"الآيس كريم" في ثنايا السرد، بِتماس واضح مع أدب الطعام لإضفاء طابع سحري لكتابتها، مثلما قدَّمت في قصتها "بيتزا على روح الساحرة" التي كانت تستدعي بها وقع خبر موت سيدة عجوز لم تتخطّ علاقتها بها أبداً حيّز الكوابيس والرعب، وظلت تختبر هذه الكراهية وهي تقوم بخبز بيتزا في مطبخها، ومع انتهائها وقفت في شرفة بيتها ورائحة الخبز التي ملأت المنزل تحاصرها، وراحت تتساءل " إذا كان العالم سيفعل مثلي، هل سيكفينا طحين الكوكب؟ إذا مات كل البشر الذين نكرههم، هل سيبقى أحد ليخبز؟ كلنا بين كاره ومكروه، ولكل ميتة مذاق في حلق الآخرين.. وقفت أنتظرها تنضج على مهل، أتامل المنازل وشرفاتها، وأسأل نفسي:كم بيتزا تُخبز الآن؟!".
إلى جانب الكراهية، اختبرت الكاتبة مشاعر أخرى من خلال قصصها، كما فعلت مع أحاسيس الفزع والفقد وهروب الذاكرة في قصتها "المشي على الماء"، التي خصّصت لها افتتاحية مشهدية ناعمة تبدأ من صباح أول أيام عيد الفطر المبارك "الصبية يلعبون في الشارع، وينزعون زينة شهر رمضان المعلقة على الجدران، ضحكاتهم تصل إلى الشرفة، وأضواء المفرقعات شموس صغيرة تلتهمها الشمس الكبرى في السماء.. جهّزت فنجانين من القهوة، وبحثت عنه في أنحاء المنزل، ولم تعثر عليه"، لتنتقل إلى مستوى آخر في الحكاية ليس كبهجة مشهد العيد هذا.
المجموعة تضمّ 13 قصةً قصيرةً من 134 صفحة، وتنتصر فيها المؤلفة لقرار الفرد لعبور واقعه ومطاردة أحلامه، حتى لو كان القرار يتكئ على الغرائبية والدهشة، كما فعلت في قصتها "الخروج من عباءة العالم" التي جعلت فيها بطلها رغم فقره وضيق حاله يركض وراء أسطورة قرأها وهو صغير، وظلّت مُحرّكاً لأحلامه ومعارك حياته، حتى ذهبت به بعيداً يرتفع بها ويسمو عابراً من بوابة نور إلى عالم أكثر رحابة "أيقنت أن الأساطير لها أصل حقيقي لم يستطع البشر التأكد منه، وبتّ أنام وأقوم حالما بخيل ذهبية، أمتطيها وأذهب لعالم جديد".
وصدَر للكاتبة بسمة العوفي ثلاثة كتب قبل "قهوة وآيس كريم" وهي "كلاب الشوارع"، و"كعب عالي"، و"حب من طرف ثالث".