الروائي أحمد عبداللطيف: الجوائز "ساعي بريد" بين الكاتب والقارئ
روايته الجديدة تتناول قصة حاكم عامل شعبه بقسوة، وفرض عليه أن يسير على ساق وحيدة، ومَن يمتنع تُقطع ساقه.
في تشبيه فانتازي خيالي، يتناول الروائي المصري أحمد عبداللطيف في روايته الجديدة "سيقان تعرف وحدها مواعيد الخروج" العلاقة الجديدة/القديمة بين الحاكم الظالم والشعب، ولكنه يختار نهاية مختلفة مغايرة عما يتوقعها الجميع.
يحكى الروائي المصري أحمد عبداللطيف في روايته الصادرة عن "دار العين" للنشر بالقاهرة، قصة حاكم أعرج عامل شعبه بقسوة شديدة، وفرض عليه أن يسير على ساق وحيدة، ومَن يمتنع تُقطع ساقه، كما حاول قتل "كاتب التاريخ" في بلده، ليختار الشعب في النهاية الاختفاء في مدينة تحت الأرض.
يتميز المشروع الروائي للكاتب الذي يشتغل كذلك بالترجمة، بخصوصية شديدة، فهو بارع في التقاط تفاصيل قد تبدو عابرة، ليصيغ منها حكايات مدهشة، لا تدل إلا على قدرة كبيرة على الحكي.
وقبل هذه الرواية نال عبداللطيف العديد من الجوائز منها: جائزة الدولة التشجيعيّة عن روايته "صانع المفاتيح"، ووصلت روايته "حصن التراب" إلى القائمة الطويلة في الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) عام 2018، كما نالت روايتاه "عالم المندل" و"النحَّات" اهتماماً نقدياً واسعاً، وحظيت روايته "إلياس" بالعديد من الدراسات حول تقنياتها السردية وارتباطها بالنزعة الأسطورية، والانغماس في الفانتازيا، إيمانًا من صاحبها أن "كل أحلامنا اليوم ستغدو حقائق غدًا. كلها بلا استثناء".
وفي حواره مع "العين الإخبارية" يحكي أحمد عبداللطيف عن الرواية وقيمة الجوائز الأدبية للكاتب، وأعماله الجديدة التي لا يزال مشغولًا فيها بسؤال التاريخ.
في روايتك "سيقان تعرف وحدها مواعيد الخروج"، كيف تصف اختيار الشعب للاختفاء؟
الرواية تتبنى الاختفاء كوسيلة للثورة، لأن البديل هو الخضوع والاستسلام، أو المواجهة وما يتبعها من خسائر بشرية. لاحظ أنَّه ليس اختفاء أبديا، لكنه مؤقت من أجل الوصول إلى لحظة الذروة.. إلى اللحظة المناسبة للانقضاض.
في الوقت نفسه هي طريقة لمنح فرصة أخيرة للسلطة لمراجعة نفسها. ما أفهمه أن الشعوب لا تحب الثورات ولا إراقة الدماء إلا لو اضطرت إلى ذلك. الإنسان بطبعه يميل للخمول والسلام لو تحقق له الحد الأدنى من الحياة الكريمة فيحب أن يثور في نطاق ضيق على عادات وتقاليد، ربما في أماكن عملهم لو أمكن، أما الثورة على سلطة وتظاهرات فلا يفعلها الفرد إلا بعد أن تغلق أمامه كل السبل.
وهل أردت هنا التأكيد على قوة الشعوب؟
لديّ تصور أفلاطوني عن أن العالم لا يمكن إصلاحه إلا بالعدل، ليس أملًا في تأسيس مدينة فاضلة لكن على الأقل مدينة يمكن الحياة فيها. هذه المدينة لا يمكن تحقيقها أو الاقتراب حتى من تصوِّرها ما لم يكن هناك مجموعة من البشر مؤمنون بها، هذه المجموعة هي الشعوب.. الشعوب تفرز نخبتها السياسية المؤهلة لتولي السلطة في البلدان الديمقراطية، والشعوب تصير مُكمَّمة الأفواه في حالة البلدان الديكتاتورية، فلا هي تفرز ولا هي تسعد.
لكن كفكرة عامة، السلطة بنت الشعب، ورغم إيماني بأن الدول القديمة يأتي فيها التغيرات من أعلى، إلا أني أرى أن الشعب كقاعدة هو مَن بوسعه أن يحدث تغييرات تكون نتيجتها سلطة خاضعة له ولشروطه، وليس العكس. أنا أؤمن بالثورة الراديكالية وإمكانية تحققها، ليست الثورة السياسية فحسب، إنما الثقافية. وأصدق أن لا أحد بوسعه الوقوف أمام الزمن.. كل أحلامنا اليوم ستغدو حقائق غدًا. كلها بلا استثناء.
وما دليل اختيارك لمدينة روايتك تحت الأرض؟
أحب جدا أن يتسرّب العمل إلى روح القارئ فيصل هو بنفسه إلى دلالة هذه المدينة أو القبو. أظن أنَّ لكل منّا وجهة نظر عن الشيء الذي يجعلنا أكثر إبصارًا، بحسب تجاربنا وخلفيتنا الثقافية. مع ذلك أنا أحب الخلوة، وأقضي أيامًا وشهورًا بالبيت لا أخرج إلا للتمشية أو شراء الكتب.
ربما من مكاني هذا أرى أن البعد عن الواقع قليلًا، البعد عن الزحمة، إحدى طرق التعرف عليه، وتقييمه. أشعر كثيرًا أن الاحتكاك بالواقع يصنع غشاوة على العين، يجعلنا أكثر تماهيا معه واستسلاما لقبول مفرداته، لكن لا يمكن استبعاد تأويل المدينة تحت الأرضية أو القبو بأنها البرزخ، وربما القبر، فسؤال الموت مطروح كالعادة في هذه الرواية، والرؤية من وراء الواقع تتكامل مع الرؤية العامة للرواية وأبطالها. هناك مكان ما، لحظة زمنية ما، ينير فيها كشّاف ضوء عقولنا، تبدو لحظة خاطفة لكنها تترك علامتها. هذه في رأيي لحظة الإبصار، حينها تتجلى حقيقة ما، حقيقة كانت دائما موجودة لكننا كنا عميانا أمامها.
وما دلالة "كاتب التاريخ" الذي لا يموت؟
علاقة السلطة بالكاتب دائما كانت متوترة ومحل جدل، أظنها علاقة مبنية على العداوة بالأساس. تاريخيًا، سعت السلطة لكسب الكاتب في صفها بالإغداق عليه، لتتجنب قلمه، وسعت في الوقت نفسه لعقابه سواء بقتله أو حرق كتبه أو التضييق عليه.
هذه قصة طويلة لها خلفياتها في التاريخ العربي والغربي والحديث، ولم يكن شيئا يخصنا وحدنا، فأوروبا ذاقت هذا المرار. ما سبب الخلاف؟ الرؤية. الكاتب يحلم بعالم من الصعب على السلطة تحقيقه، ليس لأنه مستحيل، إنما لأنه ضد السلطة نفسها. الكاتب يصير كاتبا لأنه ينقد ويفند ويقدم بدائل، والسلطة لا تحب النقد، تحب الخضوع. أنت أمام عالمين يجمع بينهما العداء أكثر من المودة.
ما هدفك من الكتابة، الاستمتاع أم إرضاء القراء؟
أعتقد أن اللاعب الذي يتلفت للجمهور لا يحرز أهدافًا، وأعتقد أنه ليس هناك قارئ واحد، بل مجموعة كبيرة من القراء يختلفون في ذائقتهم وثقافتهم وأهدافهم من القراءة.
أحب كتابة رواية ممتعة؛ لأن المتعة شرط الفن، لكني لا أكتب للمتعة فقط، وقارئي لا يبحث عن المتعة فقط، ونهاية الرواية هي محصلة تصوري الشخصي عن العالم، ولأن العمل قد خرج للجمهور، فمن حق الجمهور أن يبدي رأيه فيه. لا أصدق، في المقابل، أن هناك ذوقًا واحدًا للقارئ، هذا مستحيل بالطبع. لكن رهاني على القارئ الذكي، الموهوب، لأن القراءة أيضًا موهبة .
هل تساهم الجوائز الأدبية في انتشار الرواية وارتفاع مبيعاتها؟
بالتأكيد، الجوائز تلفت النظر للعمل، خاصة جائزة بحجم البوكر العربية. لكن لاحظ أن العمل يستهدف القارئ بالأساس، ولن يكون حكم الجائزة هو الحكم النهائي. يمكن أن نقول إن الجائزة ساعي بريد طيّب بين الكاتب والقارئ، تنتهي مهمته ما إن يصل العمل إلى المرسل إليه. بعدها سيبدي القارئ رأيه بكل حرية واستقلال.
ما الجديد لديك؟
ما زلت مشغولًا بسؤال التاريخ، ولا أكف عن التنقيب في التراث العربي السردي، وخلال هذه الفترة أدوّن ملحوظات ونصوصًا قصيرة ربما تصير رواية أو أي شيء آخر.