أكلوا غبارها وفركوه على وجوههم.. من هم أول ضحايا القنبلة النووية؟
رغم أنه ثابت تاريخيا أن أول استخدام فعلي للقنبلة النووية كسلاح في العالم كان في هيروشيما باليابان، في 6 أغسطس/آب 1945، إلا أن رواية أخرى كشفت مفاجأة عن أول ضحايا القنبلة.
وقبل أن تقتل القنبلة آلاف اليابانيين بشكل فوري، وقرابة 140 ألفا آخرين بحلول نهاية عام 1945، كان الأمريكان أنفسهم قبل ذلك التاريخ أول ضحاياها، حسب موقع "هيستوري"، فكيف حدث ذلك؟
- مشاهد هيروشيما تطارد الـ"هيباكوشا" رغم مرور 75 عاما
- ذكرى "هيروشيما".. انتحاب على المأساة وغضب من "الفيلم الأمريكي"
بداية القصة
حينما اندلعت الحرب العالمية الثانية في أوروبا كان المجتمع العلمي الأمريكي يقاتل من أجل اللحاق بالتقدم الألماني في تطوير الطاقة الذرية.
وفي أوائل الأربعينيات من القرن الماضي، سمحت حكومة الولايات المتحدة ببرنامج سري للغاية للتجارب النووية والتطوير، أطلق عليه اسم "مشروع مانهاتن".
وكان هدف هذا المشروع تطوير أول قنبلة ذرية في العالم، في أول استخدام للانشطار النووي لأغراض عسكرية.
وتم إجراء الكثير من عمليات البحث والتطوير الخاصة بالمشروع في منشأة تم بناؤها في لوس ألاموس، بنيو مكسيكو.
مشروع مانهاتن
وبحلول أواخر عام 1941، تولى مكتب البحث العلمي والتطوير التابع للحكومة الفيدرالية برئاسة العالم فانيفار بوش المشروع.
وبعد دخول الولايات المتحدة الحرب العالمية الثانية، تم تكليف سلاح المهندسين بالجيش الأمريكي ببناء مجموعة كبيرة من المعامل والمختبرات ومنشآت البحث والاختبار الأخرى.
وشارك في البحث، الذي عرف بمشروع مانهاتن، أكثر من 30 مختبرا وموقعا وأكثر من 130 ألف شخص شاركوا في جوانب مختلفة من البحث والتطوير النووي.
وذلك في 3 مواقع رئيسية، في أوك ريدج، بتينيسي، وريتشلاند، بواشنطن، ولوس ألاموس، بنيومكسيكو، التي أصبحت افتراضياً مدناً ذرية سرية للغاية.
كيف تم إنتاج القنبلة؟
أنتج مفاعل متوسط الحجم بني في أوك ريدج اليورانيوم والبلوتونيوم، وكلاهما سيستخدمان كمكونات حيوية في القنبلة الذرية.
فيما أنتجت منشأة أوك ريدج غالبية اليورانيوم المستخدم في صنع قنبلة "ليتل بوي"، التي سيتم إسقاطها فوق مدينة هيروشيما اليابانية في أغسطس/آب 1945.
في غضون عام، كان أول مفاعل بلوتونيوم واسع النطاق في العالم يعمل في هانفورد، وبحلول أوائل عام 1945 كانت شحنات البلوتونيوم المخصب من المفاعلات الثلاثة بالمحطة تُرسل إلى لوس ألاموس كل 5 أيام.
وكان المرفق الموجود في لوس ألاموس بمثابة "المركز " الأساسي لمشروع مانهاتن.
وكان مهندسوها، بقيادة روبرت أوبنهايمر، مسؤولين عن البناء النهائي واختبار وتسليم القنابل.
اختبار الثالوث "ترينيتي"
ومع دقات الساعة الخامسة و30 دقيقة، من صباح يوم الـ16 من يوليو/تموز 1945، فجر علماء لوس ألاموس قنبلة في موقع اختبار يقع في قاعدة القوات الجوية الأمريكية في ألاموغوردو، بنيو مكسيكو.
واختار أوبنهايمر اسم "ترينيتي" لموقع الاختبار، مستوحيا إياه من شعر جون دون.
وكان من المقرر إجراء الاختبار في الساعة 4 صباحًا، لكن عندما حان الوقت كانت السماء تمطر، وتم تأجيل الساعة المحددة إلى 5:30.
تصاعدت التوترات في موقع الاختبار، حيث كان من بين الحاضرين العالم إنريكو فيرمي -الذي قاد أول تفاعل نووي متسلسل في ديسمبر/كانون الأول 1942- والعميد بالجيش الأمريكي ليزلي غروفز، وأوبنهايمر، وآخرون.
وعندما تم تفجير القنبلة أخيراً فوق برج فولاذي، تبع الانفجار وميض ضوء شديد وموجة مفاجئة من الحرارة ودفقة كبيرة من الصوت تردد صداها في الوادي.
واندلعت كرة من النار وصلت عنان السماء ثم أحاطت بها سحابة عيش الغراب العملاقة التي امتدت لمسافة 40 ألف قدم.
وبقوة تعادل حوالي 21000 طن من مادة "تي إن تي"، دمرت القنبلة البرج الفولاذي الذي كانت ترتكز عليه، وهنا بدأ العصر النووي.
أول ضحايا القنبلة
أول ضحايا القنبلة الذرية كانوا في نيو مكسيكو، حيث أدى الاختبار الخاص بمشروع مانهاتن -أول تفجير للقنبلة الذرية- إلى وفيات الرضع والسرطان وعقود من المشاكل الصحية.
حيث لم يكن موقع الاختبار، الواقع في حوض تولاروزا، منطقة معزولة، فقد كان يعيش فيه قرابة نصف مليون شخص، العديد منهم من أصل إسباني وأمريكيين أصليين.
هؤلاء الناس وغيرهم في اتجاه ريح الغبار النووي الناتج عن الانفجار أصبحوا أول ضحايا التداعيات النووية. وسمع الكثير منهم (وشعروا) بانفجار القنبلة، ورأى الكثيرون من الانفجار اللامع الذي أحدثه في السماء، وكان الكثير منهم على اتصال مباشر مع المواد المتساقطة.
وقالت إحدى الشهود في معسكر صيفي في رويدوسو، بنيو مكسيكو، إنها وفتيات أخريات لعبن في الحطام الأبيض المتساقط (الغبار النووي) كما لو كان ثلجا، والتقطوه بألسنتهم وفركوه على وجوههم.
وأصاب آخرون التداعيات من خلال بيئتهم، حيث انتشر الغبار المشع في المياه المحيطة ونزل على المحاصيل والماشية والأراضي.
لماذا لم تخل الحكومة المنطقة؟
ورغم إدراكها لخطورة الانفجار وآثاره إلا أن حكومة الولايات المتحدة، التي كانت حريصة على الحفاظ على مستوى عال من السرية في زمن الحرب للمشروع، أخبرت سكان حوض تولاروزا أن الانفجار الذي رأوه كان مجرد انفجار عرضي للذخيرة والألعاب النارية.
واختار المسؤولون عدم إخلاء المنطقة، ولا تحذير السكان من الآثار الصحية المحتملة.
ورغم أن بعد ذلك بأسابيع أسقطت الولايات المتحدة قنابل ذرية على هيروشيما وناغازاكي بعد بضعة أسابيع إلا أن المسؤولين الحكوميين لم يبلغوا السكان بالآثار المحتملة للانفجار.
وعندما سئلوا مباشرة عن المخاطر الصحية للتفجير، نفوا أي خطر محتمل، بحسب موقع "هيستوري".
تجاهل وفيات الرضع
وكان أحد التأثيرات الصحية المباشرة لاختبار ترينيتي هو ارتفاع معدل وفيات الرضع، والذي وصل إلى 35 طفلا.
وفي عام 1947، كتب أحد مقدمي الرعاية الصحية إلى ستافورد وارين، الذي كان مسؤولاً عن السلامة الإشعاعية خلال مشروع مانهاتن، يسأله عما إذا كانت هذه الوفيات مرتبطة باختبار ترينيتي.
وعلى الرغم من معرفة وارين بأن التداعيات تمثل خطرًا كبيرًا على الصحة ، فقد أكد أنه لم يسمع عن زيادة في معدل وفيات الرضع.
وأكد أن "سلامة وصحة الناس بشكل عام ليست معرضة للخطر بأي شكل من الأشكال".
والأكثر من ذلك، فإن رواية أخرى تؤكد أن سكان لوس ألاموس عاشوا حياة مقيدة للغاية، فقد تم مراقبة بريدهم، ومراقبة مكالماتهم الهاتفية، وحتى تفاعلهم مع أفراد الأسرة كان يخضع لرقابة صارمة.
aXA6IDUyLjE1LjEzNi4yMjMg
جزيرة ام اند امز