زينغا مباندي.. ملكة مقاتلة «شربت دماء أعدائها» وأحاطت بها الأساطير
دائما ما تسيطر الشخصيات الذكورية على قصص المغامرات والبطولات، لكن التاريخ كان شاهدا على وجود نساء عشن حياة حافلة بالإثارة.
أحد أبرز هذه الأمثلة زينغا مباندي نغولا الملكة التي تعلمت فنون القتال وبرزت في المفاوضات مع البرتغاليين، وكان لها "جيش خاص من الرجال المتنافسين عليها"، وفقا لموقع هيستوري أونلاين.
زينغا مباندي كانت ابنة نغولا (الملك) كيا سامبا، من شعب مبوندو في مملكة ندونغو الأفريقية، التي تقع حاليا في أنغولا.
سمح والدها للبرتغاليين بإنشاء مستوطنة في لواندا مقابل الحصول على دعم عسكري ضد أعداء ندونغو، البرتغاليون، الذين كانوا متأخرين عن الدول الأوروبية الأخرى في تجارة العبيد، وكانوا ينقلون أنشطتهم إلى الكونغو والمناطق الجنوبية من غرب أفريقيا.
تلقت زينغا مباندي نغولا، التي كبرت في ذروة تجارة الرقيق في غرب أفريقيا، تدريبات على القتال، وأصبحت بارعة في استخدام سلاح المقاتلين التقليدي للمحاربين، وكان عبارة عن فأس خاصة.
تعلمت زينغا أيضا اللغة البرتغالية وساعدها ذلك في التفاوض مع هذه الدولة الأوروبية التي كانت تسيطر على أجزاء كبيرة من بلادها، وتهدد وجود المملكة ذاتها.
عندما توفي والد زينغا، خلفه ابنه غير الشرعي مباندي. وقد أجبرت زينغا، التي تربت بجانب والدها وتعلمت الشؤون السياسية والعسكرية، على الفرار من ندونغو بسبب اعتبارها منافسة لمباندي على العرش.
في عام 1608 بدأ الحاكم البرتغالي في لواندا بمطالبة مباندي بتسليم العبيد كجزء من «مدفوعات إجبارية»، وهو تقليد شائع مارسته البرتغال ضد الممالك الأفريقية التي اعتبروها قد استسلمت أو أصبحت تابعة لها.
وفي عام 1618 تمرد مباندي ضد البرتغاليين لكنه هُزم وسُجن، واستدعى مباندي زينغا من المنفى للتفاوض مع البرتغاليين من أجل استقلال ندونغو.
في عام 1622 التقت زينغا الحاكم البرتغالي في لواندا جواو كوريا دي سوزا، للتفاوض على معاهدة سلام، حتى إنها اعتنقت المسيحية وأخذت اسم دونا آنا دي سوزا لتعزيز موقفها التفاوضي.
كان إحدى نقاط الخلاف في هذه المفاوضات هو ما إذا كانت ندونغو قد استسلمت للبرتغاليين خلال تمرد مباندي، وبالتالي ستعتبر دولة تابعة وتُجبر على تقديم العبيد كـ«مدفوعات إجبارية».
وللتأكيد على هذه النقطة لم يقدم لزينغا كرسيا أثناء المفاوضات، بل وضعت لها حصيرة أرضية مخصصة للخدم، لكن زينغا، التي رفضت هذا الإهانة، أمرت أحد خدمها بالجلوس على أربع، وجلست على ظهره طول المفاوضات.
هذا التصرف الفخور والذكي لنبيلة شابة أسر خيال واحترام البرتغاليين، وذكرت بعض الروايات أنها قامت بقتل الخادمة بعد انتهاء المفاوضات قائلة "ملكة ندونغو لا تستخدم نفس الكرسي مرتين".
انتهت المفاوضات بنجاح لصالح زينغا، حيث وافقت البرتغال على شروطها، وتم الإفراج عن شقيقها مباندي، لكنه بسبب خوفه من عدم قدرته على استعادة الأراضي التي فقدها خلال تمرده انتحر.
وتولت زينغا الوصاية على ابن مباندي الصغير كازا، لكن البرتغال لم تلتزم بمعاهدة 1622، وبدأت في نشر شائعات لتقويض شرعية حكم زينغا، زاعمة أنها قتلت شقيقها وابنه لتصل إلى العرش.
بمساعدة منافس سياسي لزينغا هزمت القوات البرتغالية قواتها، واضطرت إلى الفرار إلى ماتامبا (أنغولا حاليا). وتم تنصيب شقيقة زينغا كيفونجي كحاكمة دمية، وأجبرت على الاعتراف بوضع التبعية ودفع الجزية في صورة عبيد لصالح تجارة العبيد البرتغالية.
لجأت زينغا إلى استقبال اللاجئين من تجارة العبيد في ماتامبا، واستولت على عرش ماتامبا في ثلاثينيات القرن السادس عشر بعد وفاة الملكة الحاكمة حينها واستعدت لمقاومة الاستعمار البرتغالي.
وفرت الملكة الجديدة الملجأ للعبيد الأفارقة الفارين والجنود الذين دربهم البرتغاليون، وشكلت تحالفات مع القبائل وتحالفت أيضا مع الهولنديين المنافسين للبرتغاليين في ذلك الوقت، وقامت بتدريب الأطفال على القتال بعد فصلهم عن أسرهم ووضعهم في معسكرات خاصة.
شاع أيضا أن الملكة زينغا شكلت لنفسها جيشا كبيرا من الرجال الأقوياء الذين لم يقاتلوا فقط من أجلها ضد الغزاة الأجانب، بل جازفوا بحياتهم في مبارزات فيما بينهم لمن يفوز بحق قضاء ليلة معها.
ادعى الأوروبيون في وقت لاحق أن الملكة زينغا شنت حرب عصابات عنيفة ضد البرتغاليين بفضل هؤلاء المتنافسين عليها من المقاتلين والمتحمسين، وأنها حاولت باستماتة سد طرق تجارة الرقيق أمام البرتغاليين، كما حاولت استمالة الرقيق الخاضع لهم إلى صفها.
قادت الملكة زينغا القتال ضد البرتغاليين لمدة 4 عقود، وشاركت بنفسها في بعض المعارك.
ووصفها أحد الضباط الهولنديين في وقت لاحق بأنها امرأة "تهوى القتال وترتدي ثياب الرجل حتى إنها كانت تحب شرب دماء الأعداء المهزومين".
وكتب الضابط يقول إن الملكة زينغا "احتفظت بمئات من هؤلاء الرجال الذين كانوا أيضا جنودا حقيقيين"، مضيفا أن هؤلاء الرجال قاتلوا بعضهم حتى الموت كل يوم من أجل الحق في قضاء الليل مع الملكة، الغريب في الأمر أن الفائز في تلك الليلة يكون مصيره الموت صباح اليوم التالي!
أنهكت حرب العصابات المتواصلة والعنيفة التي شنتها الملكة زينغا البرتغاليين، واضطروا إلى إبرام معاهدة سلام معها في عام 1657، ما سمح لها بالعيش في مملكة "ندونغو" بشكل مستقل، كما كان عليه الحال في عهد والدها.
توفيت الملكة زينغا غي عام 1663 بعد أن ناهزت من العمر 82 عاما. والبرتغاليون سارعوا على الفور مرة أخرى إلى انتهاك الاتفاقية السابقة واستعمروا مجددا أنغولا بأكملها.
يتذكرها شعب أنغولا بحب كرمز للنضال ضد الاضطهاد، ولا يتم الاحتفاء بالأساطير المثيرة حولها، بل بذكائها السياسي والدبلوماسي والعسكري، ودورها في الدفاع عن حق تقرير المصير والهوية الثقافية لشعب مبوندو.
aXA6IDMuMTUuMTQ4LjIwMyA= جزيرة ام اند امز