حرب 6 أكتوبر.. مفاجأة العرب باستخدام "سلاح النفط"
تحلّ غدا الخميس ذكرى حرب السادس من أكتوبر/تشرين الأول، بين إسرائيل ومصر بمساندة دول عربية، وتستدعي الذاكرة بعض المواقف التاريخية الحاسمة.
أبرز تلك المواقف على الإطلاق استخدام سلاح البترول، حيث أوقفت الدول العربية وعلى رأسها السعودية، قبل 49 عاما، ضخ النفط إلى الدول الغربية، حتى توقف الولايات المتحدة إمداد إسرائيل بالأسلحة على حساب مصر.
فماذا تقول الوثائق البريطانية عن استخدام سلاح النفط في حرب أكتوبر؟
تعيد شبكة "بي بي سي"، نشر بعض وثائق الخارجية البريطانية، التي تشير إلى أن دخول سلاح النفط للمعركة فاجأ الدول الغربية، التي كان المسؤولون فيها، لا يأخذون تهديدات الرئيس المصري آنذاك أنور السادات على محمل الجدّ، ولا يتوقعون الإجماع العربي على مثل هذا الأمر.
الوثائق تشير إلى أن بريطانيا وأمريكا كان تقييمهما الحاسم قبل بدء الحرب أن إرادة العرب غير جادة في وقف ضخ النفط للغرب، إذا قامت الحرب مع إسرائيل لاستعادة الأراضي المحتلة في الحرب السابقة 1967.
وهكذا فوجئ البريطانيون والأمريكيون ومن يدور في فلكهم، بإعلان الدول العربية المنتجة للنفط الحد من الإمدادات للغرب، حين مرت أيام قليلة من انطلاق العمليات العسكرية.
لقاء في طهران
وتعود الوثائق بالتفصيل لما قبل الحرب بأربعة أشهر وتحديدا إلى يونيو/ حزيران من عام 1973، وحديث لوزير الخارجية الأمريكي، لويليام روجرز، نقله أنتوني بارسونز، وكيل وزارة الخارجية البريطانية آنذاك.
ويذكر الدبلوماسي البريطاني أن الوزير الأمريكي بدا مقللا من شأن جدية التهديدات العربية باستعمال النفط سلاحا لإجبار الغرب على انسحاب إسرائيل من أراضي العرب المحتلة قبل ذلك في حرب 1967.
حديث بارسونز، الذي ورد في تقرير سري، وثق الحوار الذي جرى مع الوزير الأمريكي في مؤتمر بطهران، خلُص إلى أن رؤية الولايات المتحدة هي أن تهديدات العرب باستخدام سلاح النفط في أي حرب قادمة مع إسرائيل "كلام فارغ".
واعتمد الوزير الأمريكي فيما يبدو على لقاءات مع المسؤولين العرب، كان يؤكد لهم فيها بلغة صارمة -كما يقول- أن "لا مجال على الإطلاق لأخذ الولايات المتحدة رهينة".
تهديد السادات
وكان السادات قبل أسابيع من لقاء المسؤول البريطاني والوزير الأمريكي في طهران، قد لوح خلال خطاب عيد العمال مطلع مايو/أيار، بحظر النفط العربي على الغرب، لمساندة مصر في حربها مع إسرائيل.
وقال السادات بالحرف: "إن الدول العربية الغنية بالنفط وعلى رأسها السعودية وعدت باستخدام إمدادات النفط سلاحا بمجرد بدء مصر عمليات عسكرية".
في هذا الوقت، كانت أوروبا أكثر قلقا، من الولايات المتحدة، من احتمال استخدام العرب النفط سلاحا، بحكم أن الدول الأوروبية أقرب إلى المنطقة وأكثر اعتمادا على نفطها، ومن ثم فهي أكثر تأثرا بالإجراء العربي المحتمل.
وكشف الحوار بين باروسونز وروجرز عن أن الوزير الأمريكي "اعترف بأن أوروبا الغربية في وضع أصعب في مواجهة العرب من وضع الولايات المتحدة".
وإذا كان وزير الخارجية الأمريكي حينها قد تبادل وجهات النظر مع البريطانيين، بلغة الواثق من عدم قدرة العرب على تنفيذ التهديد بحظر النفط، فإن الأوروبيين الآخرين كانوا أكثر تخوفا من تنفيذ وقف ضخ النفط.
قلق في أوروبا
إذ يشير تقرير روجزر السري الذي أرسل إلى الخارجية البريطانية، أن أوروبا كانت قلقة، على عكس الولايات المتحدة، من احتمال أن يستخدم العرب سلاح النفط، بحكم قرب القارة العجوز الجغرافي من منطقة الشرق الأوسط، ومستوى اعتمادها على النفط الخليجي، لذلك ففي الضحية الأقرب لأي إجراء عربي في هذا الاتجاه.
تطمينات ويليام روجرز للبريطانيين والأوروبيين الآخرين، حملت تقديرا حاسما يفيد بأن العرب ليسوا في وارد استخدام النفط سلاحا، غير أن العرب اتحدوا بالفعل في وقف ضخ الإمدادات للدول التي تؤيد إسرائيل.
وخلال حرب أكتوبر 1973، التي استمرت من 6 إلى 25 كابوسا للاقتصاد الغربي، وارتفع سعر النفط وقتها إلى 17%، مع توافق العرب على خفض الإنتاج، ووقف ضخه إلى الأسواق الأمريكية والبريطانية.
وكان لحظر النفط نتيجة كبيرة في الحرب، حيث اجتاز الجيش المصري خط بارليف الحصين وعبر قناة السويس، واضطرت إسرائيل إلى الاستنجاد بالولايات المتحدة، التي أقامت جسرا جويا لنقل السلاح إليها.
أزمة نفط عالمية
وتسبب قطع النفط العربي عن الغرب، في أزمة مالية عالمية طاحنة، وانهيار كبير في أسواق الأوراق المالية لم تنج منه الأسواق حتى أواخر عام 1974، وكانت بريطانيا من أكثر المتضررين منه، وفقا لشبكة "بي بي سي".
الوثائق كشفت أن الخارجية السعودية سلمت السفارة البريطانية مذكرة، وصلت عبرها إلى لندن، تشدد على أن المملكة في أشد الاستياء من الموقف الأمريكي الداعم لإسرائيل، وتزويدها الأخير بالأسلحة، في صراعها مع مصر، محذرة من التأثير السيء لذلك على باقي الدول العربية.
ودون مجاملة، شجبت المذكرة الموقف الأمريكي المتحيز، وأعلنت السعودية أنها مجبرة تجاه ذلك على خفض كميات النفط، مع ما في ذلك من ضرر بدول السوق الأوروبية المشتركة، التي عليها أن تنصح أمريكا بموازنة موقفها المؤيد لإسرائيل.
المذكرة السعودية -كما تشير الوثائق- كانت صادمة للبريطانيين، الذين لم يكن لديهم تصور لأن يملك العرب الجرأة للإقدام على مثل تلك الخطوة الخطيرة.
خاصة وأن تقييما من السفارة البريطانية في القاهرة خلال شهر يونيو/ حزيران، أي قبل شهر من بدء حظر النفط، استبعد أن تدفع مصر باتجاه استخدام هذا السلاح الفتاك بالاقتصاد، ووصفت إدارة الشرق الأدنى وشمال أفريقيا بالخارجية البريطانية، تهديدات المصريين بأنها" جوفاء".
استجابة دول الخليج للطلب المصري
بيد أن إشارة أخرى من رئيس الإدارة نفسه، أوردت أن البريطانيين "تلقوا تقريرا (حُذف مصدره) بأن وزير الحربية المصري- أحمد إسماعيل علي- طلب خلال جولة في دول الخليج أبريل/نيسان، من الدول المنتجة للنفط أن توقف تدفق النفط إذا اندلعت الحرب".
كما استبعدت التقييمات البريطانية المختلفة التي أوردتها الوثائق، بحث حظر النفط في المحادثات التي جرت قبل حرب أكتوبر بين العاهل السعودي الملك فيصل بن عبدالعزيز، والرئيس أنور السادات.
في نهاية المطاف نفذ العرب التهديد المفاجئ للبريطانيين والأمريكيين على حد سواء، وأصبح وقف النفط أمرا واقعا، حتى أن الولايات المتحدة كشفت في فبراير/شباط عام 1974، عن خطة "مشروع استقلال" في مجال الطاقة، لكنه لم ير النور، قبل إعلان وزراء النفط العرب في الشهر الموالي نهاية حظر النفط، وذلك بعد تقدم محادثات فض الاشتباك بين مصر وإسرائيل.
aXA6IDMuMTI5LjY5LjEzNCA= جزيرة ام اند امز