كما هو متوقع كلما اقتربنا من موعد فرض العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيرانية في 4 نوفمبر المقبل زادت التكهنات والمضاربات.
كما هو متوقع كلما اقتربنا من موعد فرض العقوبات الأمريكية على صادرات النفط الإيرانية في 4 نوفمبر المقبل زادت التكهنات والمضاربات بشأن أسعار النفط، ومن الطبيعي إذن أن تشهد الأسعار حالة من عدم الاستقرار خلال الفترة الحالية، وقد يستمر ذلك حتى تعود العوامل الرئيسية (العرض والطلب) للوضوح الكامل عقب فرض العقوبات بالفعل، لهذا شهدنا مؤخرا جهات كبرى عاملة في قطاع النفط مثل شركة توتال الفرنسية تتوقع وصول سعر برميل النفط الخام من نوع برنت إلى 100 دولار قبل نهاية هذا العام، مقابل توقعات أخرى لبنك من أكبر البنوك الاستثمارية في العالم "جولدمان ساكس" ألا تشهد أسعار النفط أي ارتفاع ليظل سعر برميل النفط يتراوح بين 70 و80 دولارا.
إذا حدث لأي سبب من الأسباب أن ارتفعت الأسعار قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في 6 نوفمبر المقبل فالمرجح اللجوء للاحتياطي الاستراتيجي، خاصة أن الكونجرس الحالي ذا الأغلبية الجمهورية لن يعترض على قرار ترامب
حالة عدم الاستقرار إذن ليست خاصة بما قد يحدث بعد 4 نوفمبر، بل تخص الوقت الراهن، فالتكهنات والمضاربات تترتب عليها مصالح آنية ومستقبلية معا، وربما يكون ما حدث من تطورات خلال الأيام القليلة الماضية خير دليل على ذلك، فقد ارتفعت الأسعار حتى بلغ سعر برنت ما يزيد على 82 دولارا للبرميل، وهو السعر الأعلى منذ عام 2014، ثم انخفض هذا السعر بعد إعلان إدارة معلومات الطاقة الأمريكية، يوم الأربعاء الماضي، حدوث زيادة في المخزون التجاري من النفط الخام لأول مرة في 3 أسابيع، بعد أن كانت التوقعات السائدة هي حدوث انخفاض، ثم إذا بالأسعار ترتفع مرة أخرى بعد إغلاق جلسة التداول، عقب تصريحات لوزير الطاقة الأمريكي نفى فيها وجود أي نية لدى الإدارة في استخدام المخزون الاستراتيجي للتأثير على الأسعار.
حقائق العرض والطلب: القراءة المتأنية للوقائع الثابتة المؤثرة على العرض والطلب ربما تقودنا إلى تأييد عدم حدوث زيادة كبيرة في أسعار النفط، بالرغم مما نشهده من تضارب في التصريحات والمصالح معا، فقد شهدت أسعار النفط ارتفاعا ملحوظا عقب انتهاء لجنة مراقبة الإنتاج المكونة من بعض بلدان الأوبك وشركائها في اتفاق خفض الإنتاج بالجزائر يوم الأحد الماضي، حيث خلص الاجتماع إلى عدم وجود ضرورة لرفع مستوى الإنتاج فورا مع وجود توازن بين العرض والطلب، ومع ذلك أكد القرار أيضا التمسك بالقرار السابق بالعودة إلى مستوى خفض الإنتاج المتفق عليه، وهو ما يعني عمليا زيادة منتظرة في الإنتاج قدرها نصف مليون برميل يوميا، إلا أن الجميع تجاهل الوعد بالزيادة المستقبلية في الإنتاج، وربما يكون قد ضاعف من اضطراب الأوضاع ذلك الهجوم الذي شنه فجأة الرئيس الأمريكي على الأوبك متهما إياها بالتسبب في ارتفاع الأسعار، ومطالبا لها بزيادة الإنتاج فورا.
والحقيقة أن موقف الرئيس لا ينسجم حتى مع موقف باقي أركان إدارته، إذ كان وزير الطاقة الأمريكي قبل أسبوع واحد فقط، وبعد لقاءين مع وزير الطاقة السعودي ووزير الطاقة الروسي قد أشاد بموقف البلدين الداعم لاستقرار الأسواق، كما لا ينسجم مع تصريحات واضحة من قبل العديد من الأطراف المسؤولة عن العرض العالمي، فقد عبرت روسيا (أكبر منتج وثاني أهم مصدر عالمي) بوضوح عن رضاها عن مستوى للأسعار يتراوح بين 70 و80 دولارا، وتأكيد وزير الطاقة على أن الأسعار المرتفعة غير مفيدة لأي طرف، وأعلنت الجزائر، التي تصنف عادة ضمن جناح الصقور في الأوبك الداعي لرفع الأسعار دوما، موقفا مماثلا.
وأعلن وزير الطاقة السعودي أن أسعار النفط الآن "متوازنة على نحو جيد للغاية"، المحصلة إذن أن الكثير من المنتجين المهمين داخل الأوبك وخارجها يقبلون بالمستوى الحالي للأسعار، ولا يعملون أو يؤيدون حتى زيادته.
من المهم أيضا الإشارة إلى بعض التطورات الإيجابية على جانب العرض، وربما يكون من أهمها زيادة الإنتاج الليبي مؤخرا ليبلغ 1.28 مليون برميل يوميا لأول مرة منذ خمس سنوات، وينطبق نفس الحال على نيجيريا التي زاد إنتاجها مؤخرا على 2 مليون برميل يوميا، وتوقع زيادته بنحو 300 ألف برميل أخرى خلال العام المقبل من حقل بحري جديد، ومن المتوقع أيضا على نطاق واسع عودة المنطقة المحايدة بين المملكة العربية السعودية والكويت للإنتاج خلال العام المقبل وهو ما يضيف نحو 300 ألف برميل يوميا، هذا بالطبع علاوة على توقع زيادة الإنتاج الأمريكي من النفط الصخري خلال العام المقبل بنحو 700 ألف برميل يوميا، وزيادة إنتاج بلدان أخرى خارج الأوبك، أضف إلى ذلك كله وجود طاقة إنتاج فائضة في بعض الدول كالمملكة السعودية والإمارات والكويت وروسيا يمكن استخدامها لا سيما خلال العام المقبل.
في الوقت ذاته ينبغي الأخذ في الاعتبار احتمال انخفاض معدل نمو الطلب، فتصاعد الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، من المنتظر أن يكون لها أثرها السلبي على معدلات النمو الاقتصادي، وبالتالي على الطلب على النفط، كما أن رفع أسعار الفائدة الأمريكية مؤخرا بمقدار ربع نقطة مئوية وانتظار رفعها مرة أخرى في شهر ديسمبر تجعل أسعار النفط أعلى بالنسبة للدول صاحبة العملات الأخرى، لتسعير النفط بالدولار، مما يُخفض طلب هذه الدول، وبالإجمال إذن من المتوقع أن تبلغ زيادة الطلب نحو 1.4 مليون برميل يوميا بعد أن كانت تزيد على 1.6 مليون برميل خلال السنوات القليلة الماضية.
وفي ضوء كل ما سبق من احتمالات لأوضاع العرض والطلب، ليس من المستغرب خشية وزير الطاقة السعودي من احتمال توفر فائض عرض خلال العام المقبل.
الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي:
تبقى في النهاية حقيقة إمكانية استخدام الاحتياطي الاستراتيجي الأمريكي لمعادلة تأثير غياب النفط الإيراني على الأسعار، فقد تفاعلت الأسواق بسرعة مع قول ريك بيري وزير الطاقة الأمريكي إن أي سحب من المخزون الاستراتيجي من النفط الخام سوف يكون له "أثر طفيف وقصير المدى إلى حد كبير". فمن ناحية المدى القصير، ليس المطلوب سوى المدى القصير أي الشهور المتبقية من هذا العام حتى يتسنى للدول الأخرى رفع مستوى إنتاجها، أما من ناحية الأثر الطفيف فهذا يتوقف على الكمية التي يمكن طرحها من الاحتياطي الاستراتيجي، فبداية من المقرر بالفعل طرح 11 مليون برميل من هذا الاحتياطي خلال شهري أكتوبر ونوفمبر، وذلك ضمن خطة قديمة لبيع نحو 240 مليون برميل على عدد من السنوات لتمويل الموازنة الفيدرالية، لكن الأهم الإشارة إلى السوابق التاريخية، فقد قامت الإدارة الأمريكية قبيل الانتخابات الرئاسية في عام 2000 بطرح 30 مليون برميل بمعدل مليون برميل يوميا لمدة شهر، مما كان لها تأثيره الواضح على الأسعار، وأخيرا فنفي وزير الطاقة الأمريكي استخدام الاحتياطي الاستراتيجي ليس دليلا أكيدا على عدم استخدامه فعلا، إذ دأب الرئيس الأمريكي على مخالفة أركان إدارته، ونرى في هذا التصريح مجرد ضغط لاعتصار كل نقطة نفط يمكن إنتاجها بالفعل من خارج الولايات المتحدة قبل اللجوء لاستخدام احتياطيها الاستراتيجي، إذ هناك العديد من التصريحات لمسؤولين أمريكيين يؤكدون فيها أن بلادهم ستعمل على تغطية الطلب العالمي على النفط قبل سريان العقوبات، لكن إذا حدث لأي سبب من الأسباب أن ارتفعت الأسعار قبل انتخابات التجديد النصفي للكونجرس في 6 نوفمبر المقبل فالمرجح اللجوء للاحتياطي الاستراتيجي، خاصة أن الكونجرس الحالي ذا الأغلبية الجمهورية لن يعترض على قرار ترامب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة