صنع الله والنفط.. ثروة ليبيا خنجر في ظهرها
لم يكتف مصطفى صنع الله برؤية سلة من الأزمات الداخلية تضرب ليبيا، فأدخلها في صراع دولي مستخدما ورقة النفط.
وتعيش ليبيا أزمات أمنية واقتصادية وسياسية تطورت إلى صراع داخلي مؤخرا، إثر رفض عبد الحميد الدبيبة رئيس الحكومة السابقة، الخضوع لقرار برلمان البلاد القاضي بإعفائه وتكليف حكومة جديدة برئاسة فتحي باشاغا.
ورغم ذلك، دخل مصطفى صنع الله على خط الأزمة الروسية الأوكرانية، وأقحم بلاده في صراع دولي لا ناقة لها فيه ولا جمل.
ذلك الصراع المتمثل في نقص إمدادات الطاقة في السوق الأوروبية ومحاولة عواصم العالم تعويض ذلك بأي شكل، إذ حاول صنع الله في مارس/آذار الماضي إقناع العالم بمدى جدوى الاعتماد على النفط والغاز الليبيين لتعويض نقص الإمدادات الروسية.
صنع الله الرجل الذي يتحكم في المصدر الأول والوحيد للموازنة الليبية وهو البترول، قال في أكثر من بيان إن "ليبيا تملك موقعاً استراتيجياً لقربها من السوق الأوروبية ولديها احتياطيات كبيرة من النفط والغاز يمكنها تعويض نقص الطاقة في السوق العالمي".
وفي مايو/أيار، عاد صنع الله مرة أخرى وأكد قدرة واستعداد ليبيا على تزويد أوروبا بالنفط والغاز، قائلا إن "ليبيا تملك القدرة على التزويد الآمن لأوروبا بالنفط والغاز الطبيعي عبر البحر من خلال خطوط الأنابيب باستخدام البنية التحتية الموجودة".
وجاءت تصريحات صنع الله لإقحام ليبيا في ذلك الصراع الدولي، لا سيما أنها تعد دعما لخصوم روسيا، وتخالف تصريحات وزير النفط بحكومة الدبيبة منتهية الولاية محمد عون، والتي أكد فيها عدم قدرة ليبيا على "زيادة الإنتاج من النفط والغاز قبل نحو خمس سنوات"، موضحا أن "الإمكانات الموجودة لا تسمح بزيادة الإنتاج".
وواقعيا، فإن تصريحات عون هي الأقرب للحقيقة، كون البلاد تعيش أزمة نفطية منذ أربعة أشهر بعد إغلاق محتجين مطالبين بتنحي الدبيبة وإقالة مصطفى صنع الله وتوزيع عادل لإيراد النفط، موانئ وحقول نفطية ليبية.
تلك الإغلاقات تسببت في أزمة غاز وبنزين وغيرها من مشتقات البترول التي تحتاجها البلاد لإنتاج الطاقة الكهربائية وتعبئة أسطوانات غاز الطهي وتوزيع الوقود على المواطنين، أي أن ليبيا أصلا تعاني أزمة نفطية؛ فكيف تستطيع إنقاذ أوروبا من ذات الأزمة؟
وفي حين أن إنتاج ليبيا من النفط الخام بلغ قبل الأزمة 1.44 مليون برميل يوميا، فإنه حاليا لا يتعدى 200 ألف يوميا، بحسب إحصاءات رسمية، وهو الأمر الذي يكذب تصريحات صنع الله بشأن قدرة بلاده على تعويض الإمدادات الروسي من الطاقة.
لما يكذب صنع الله؟
ووسط كل ذلك الإصرار على الكذب بشأن قدرة البلاد النفطية وإقحامها في أزمة دولية، تساءل كثر عن سبب إصرار الرجل على هذا السلوك الغريب.
لكن الإجابة يعرفها الليبيون مسبقا، وهي أن ما يقوم به صنع الله لا يعدو مغازلة لدول أوروبية بعينها تقود معركة توفير بدائل عن الطاقة الروسية، وهي الدول التي تقف وراء قوة صنع الله في ليبيا وتدعمه منذ سنوات لينفذ أجندتها.
وهذا ما حصل في أزمة نقص الطاقة العالمية، حيث كان صنع الله يسعى بشتى الطرق لإرضاء تلك الدول، متجاهلا حقيقة أنه يدخل بلاده في أزمة دولية.
وواقعة أزمة الطاقة العالمية لم تكن الأولى التي يستخدم فيها مصطفى صنع الله نفط بلاده سلاحا، إذ تعود الرجل على ذلك في كل معاركه، خاصة الداخلية.
وعندما دخل صنع الله في حرب مع وزير النفط بحكومة الوحدة الوطنية منتهية الولاية محمد عون، استخدم النفط أيضا، وذلك عبر حجب جميع البيانات الخاصة بالنفط الليبي عن الوزارة، رغم أن مؤسسة النفط تتبعها.
وعلق عون على ذلك أمس الخميس، وقال "من موقعي كوزير لقطاع النفط وقفت على مجموعة من الاختلالات المالية والإدارية، وكتبت الكثير من التقارير بهذه الوقائع، لكن اليوم فقط أقدمت الجهات الرقابية الحكومية على إقالة مصطفى صنع الله".
قبل ذلك أيضا، وفي شهر مارس/آذار، كان صنع الله في خصومة مع الدبيبة، حيث استخدم ذات الورقة -وهي النفط- عبر حجب إيرادات بيع النفط عن حكومة الدبيبة منتهية الولاية، متحججا بوجود تعليمات لرئيس البرلمان المستشار عقيلة صالح بذلك.
في حين صرف صنع الله لنفس الحكومة 8 مليارات دينار بعدها بشهر واحد، متجاهلا تعليمات رئيس البرلمان نفسها، قبل أن يعود لحجب تلك الإيرادات مرة أخرى بعد عودة الخلاف بينه وبين الدبيبة من جديد، وهو ما برهن على أن الرجل يعمل وفق أهوائه في المؤسسة الحكومية التي يعتبرها إرثا وملكا شخصيا له.
وقبل سنوات، كان صنع الله على خلاف مع الجيش الليبي، رغم أن الجيش هو من حرر الموانئ والحقول النفطية من الجماعات المسلحة المسيطرة عليها في السابق. لكن وقتها استخدم صنع الله ورقة النفط ضد الجيش أيضا.
إذ طلب الجيش من صنع الله أكثر من مرة وقف توريد أموال بيع النفط للبنك المركزي في طرابلس الذي يديره الصديق الكبير، بعد تأكد الجيش أن تلك الأموال تذهب لتمويل جماعات إرهابية هاجمت حقول النفط أكثر من مرة، لكن صنع الله لم يستجب.
أما خلال الحرب التي قادها الجيش الليبي بين 2014 و2018 ضد جماعات إرهابية في بنغازي ودرنة والهلال النفطي، فكان لصنع الله أيضا دور مضاد للجيش، واستخدم النفط مرة أخرى.
وقتها، اتهم صنع الله الجيش باستخدام طائرات الحقول النفطية في المعركة، ناهيك عن تقليصه الحصة المخصصة للمنطقة الشرقية من وقود الديزل عندما شن الجيش الليبي حربا ضد المليشيات في العاصمة طرابلس، قبل عامين، وقال إن الجيش يستخدم ذلك الوقود في طائراته في الحرب التي يراها "غير مشروعة".
aXA6IDMuMTQ0LjEwOS4xNTkg جزيرة ام اند امز