من عوامل تعزيز استمرار ارتفاع الأسعار ما يبدو من انتعاش اقتصادي ملموس في البلدان المستهلكة الرئيسية للنفط خاصة في أوروبا
دفعت تطورات أسعار النفط خلال الأسبوعين الأخيرين إلى تبرعم حالة من عدم اليقين بشأن مستقبل الأسعار، فقد ارتفعت الأسعار خلال الفترة يوليو-سبتمبر بأقوى وتيرة لها خلال هذا الربع من السنة منذ عام 2004، عادت الأسعار لتنخفض منذ بداية هذا الشهر. والمهم في ذلك أن البعض حاول أن ينسب هذا الانخفاض بالقول إن الارتفاع كان مبالغا فيه وأن ”العوامل الأساسية قد لا تكون قوية بما يكفي لدعم استمرار موجة الصعود، خصوصا في السلع الأولية التي تعتمد على النمو مثل النفط“. كما ذكر المسئول عن استراتيجية السلع لدى ساكسو بنك بالدنمارك.
وكان النفط من نوع برنت قد سجل مكاسب بلغت حوالي 20% في الربع الثالث من العام، وجرى تداوله عند مستوى مرتفع بلغ حوالي 59.49 دولار الأسبوع الماضي، وهو ما يعد أعلى سعر للخام منذ شهر يوليو 2015، لكنه عاد للانخفاض بنحو 6.5% على مدى 3 أيام من التداول في بداية شهر أكتوبر.
وهناك عدد من العوامل التي تدعم استمرار ارتفاع الأسعار، مقابل عوامل أخرى قد تدفع نحو انخفاضها.
من عوامل تعزيز استمرار ارتفاع الأسعار ما يبدو من انتعاش اقتصادي ملموس في البلدان المستهلكة الرئيسية للنفط خاصة في أوروبا، وإلى حد ما في الولايات المتحدة، والأغلب أن النمو الاقتصادي سيتجاوز التوقعات السابقة في العديد من البلدان المستهلكة الرئيسية
ويأتي على رأس العوامل التي تدعم استمرار ارتفاع أسعار النفط ما يرد من دول الأوبك وشركائها في اتفاق خفض الإنتاج العالمي بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا، من تأكيد على التزامهم بالاتفاق، والإشارات المتكررة من أكثر من مسئول إلى احتمال كبير لتمديد أجل الاتفاق لما بعد تاريخ انتهائه المحدد في نهاية مارس المقبل. وربما كان من أهم التطورات في هذا الصدد التصريحات التي سبقت زيارة الملك سلمان لروسيا على لسان العديد من المسئولين الروس عن أهمية التنسيق السعودي-الروسي فيما يتعلق بهذا الاتفاق. والواقع أن اتفاق خفض الإنتاج الحالي لم يصبح ممكنا إلا بعد التوصل لاتفاق ثنائي بين المملكة السعودية وروسيا يوم 5 سبتمبر 2016، فالبلدان هما أكبر منتجين ومصدرين للنفط الخام في العالم. ويعزز من ذلك أيضا تصريحات بعض مسئولي الأوبك كوزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي الذي قال إن نسبة التزام الإمارات بالاتفاق العالمي على خفض إمدادات النفط تبلغ 100%، وأشار إلى أنه تم خفض الصادرات بمقدار 10% على مدى الشهرين الماضيين.
ومن عوامل تعزيز استمرار ارتفاع الأسعار ما يبدو من انتعاش اقتصادي ملموس في البلدان المستهلكة الرئيسية للنفط خاصة في أوروبا، وإلى حد ما في الولايات المتحدة، والأغلب أن النمو الاقتصادي سيتجاوز التوقعات السابقة في العديد من البلدان المستهلكة الرئيسية، وهو ما يترتب عليه زيادة لم تكن متوقعة في الطلب على النفط.
إلى جانب ذلك ما يزال اتجاه المخزون من النفط الخام ومنتجاته لدى الدول المستهلكة الكبيرة في طريق الانخفاض، وهو ما يعد من العوامل التي تعزز من اتجاه السوق نحو مزيد من التوازن خلال الفترة المقبلة.
أما فيما يتعلق بالعوامل التي تدفع لانخفاض الأسعار فهناك عوامل ظرفية طارئة وهناك عوامل أكثر هيكلية.
من العوامل الظرفية أن جزءاً من الارتفاع الذي حدث خلال الأسبوع الماضي جرى على إيقاع إجراء الاستفتاء في إقليم كردستان العراق، وما رافقه من تهديدات تركية بوقف صادرات نفط الإقليم عبر ميناء جيهان التركي، وهو ما يعني خسارة السوق العالمية لما يزيد على نصف مليون برميل يوميا، وكان من الطبيعي أن يتزايد نشاط المضاربة في ظل حالة عدم اليقين التي ولدها هذا الاستفتاء، ومن الطبيعي أيضا أن يعود السعر للانخفاض بعض الشيء مع عدم تحقق أي من هذه التهديدات واستمرار عمل خط كركوك-جيهان بطاقته المعتادة.
أما فيما يتعلق بالعوامل الهيكلية فنشير إلى ما أظهرته البيانات من أن شركات الطاقة الأمريكية أضافت 6 حفارات نفطية في الأسبوع المنتهي في 29 سبتمبر، ليصل العدد الإجمالي إلى 750 حفارا. وتعد هذه هي أول زيادة في عدد الحفارات في 7 أسابيع.
وينبغي أن نضع في الاعتبار أمرين مهمين في هذا السياق؛ الأول أن القدرة على إنتاج النفط الصخري ليست مطلقة، بمعنى أن هناك حدا أقصى من الإنتاج سيتم الوصول إليه في حال استغلال كافة المكامن المتوفرة حاليا، ويقدر البعض أن الإنتاج الإجمالي للولايات المتحدة من النفط الخام لن يزيد في أفضل الأحوال عن 10.5 مليون برميل يوميا، وهو مستوى إنتاج قياسي لم يتحقق منذ عام 1970، أي زيادة بنحو مليون برميل يوميا عن مستوى الإنتاج الراهن.
الأمر الثاني أن مكامن النفط الصخري التي يتم استغلالها بكثافة أكبر حاليا هي ذات التكلفة الأقل، وهو ما يمكن من تحقيق أعلى أرباح ممكنة، ومن المنطقي أن التوجه لاستغلال مكامن جديدة أعلى تكلفة تتطلب أن تكون أسعار النفط في السوق العالمية أكثر ارتفاعاً، بمرور الوقت ستدخل مكامن جديدة، بالطبع، في مجال الإنتاج الأمريكي ولكنها مكامن تقتضي توفر أسعارا أعلى في السوق العالمية حتى تعمل على أساس اقتصادي سليم.
وكلا الأمرين السابقين يفضيان إلى أن القدرة على التأثير على الأسعار بزيادة الإنتاج الأمريكي هي في نهاية المطاف قدرة محدودة، والأكثر أهمية أنها قدرة ترتبط إلى حد كبير بجدول الأسعار المتحقق في السوق العالمية.
ولا يمكن أيضا التغافل عن دور المضاربة في محاولة تضخيم بعض التطورات، وهو ما يحدث حاليا للتأثير سلبا على الأسعار، ومن المرجح إذا آخذين في الاعتبار العوامل السابقة أن أسعار النفط ربما ستستمر في مسيرتها نحو الارتفاع، أو على أقل تقدير سيظل النفط من نوع برنت يدور في نطاق قريب من 55-60 دولار للبرميل، إلى أن تشهد عوامل العرض أو الطلب تغيرا ملموسا بشكل يكفي للتأثير بقوة على الأسعار لتأكيد الاتجاه نحو الارتفاع أو الانخفاض.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة