تعيش سلطنة عُمان اليوم فرحة عيدها الوطني الحادي والخمسين.
ويوافق اليوم الوطني لسلطنة عُمان 18 نوفمبر من كل عام، وتحل هذه الذكرى في ظل نهضة عمانية متجددة يقودها السلطان هيثم بن طارق آل سعيد.
وفي الوقت، الذي تطوي فيه السلطنة عاماً من التنمية الشاملة، فإنها تبدأ عاماً جديداً من مسيرة البناء لمستقبل مشرق.. ولعل من أكثر ما يميز سلطنة عُمان على مر تاريخها الحديث، الذي أسس نهضتها المغفور له السلطان قابوس بن سعيد، ذلك الطابع الخاص الذي تمتاز به سياستها الخارجية، وينعكس بالتبعية على منظومة العلاقات العُمانية مع مختلف دول العالم.
وتتفرّد السلطنة بتبني سياسة خارجية قوامها الرئيسي ما يمكن تسميته "الحياد المرن"، أي الحياد الديناميكي الذي تقوم الدولة من خلاله بالجمع في تحركاتها ومواقفها الخارجية بين تجنب المحاور والاستقطابات الإقليمية أو العالمية، والإيجابية في التعاطي مع القضايا والتطورات ذات الصلة بالأمن الوطني والمصالح العليا للدولة.
وهو مفهوم ليس جديداً في العلاقات الدولية، وإن عُرف في الماضي باسم "الحياد الإيجابي"، وكان مرتبطاً بصفة خاصة بمواقف الدول، التي تجنبت الدخول في أحلاف عسكرية أو محاور سياسية، خصوصاً خلال فترة الحرب الباردة.
غير أن السياسة الخارجية العُمانية أكثر تميزاً عن ذلك النمط التقليدي للحياد، فهي من ناحية ليست رد فعل على وجود استقطابات محددة أو أحلاف دائمة، ومن ناحية ثانية لا تضع قراراتها واختياراتها وفقاً للأطراف التي تتعامل معها، وإنما وفقاً للقضايا والتطورات ذات الصلة، حيث المعيار هو الصالح العام، سواء الوطني المتعلق بالسلطنة نفسها أو القومي المتعلق بالاستقرار والأمن في المنطقة بمستوييها الخليجي والإقليمي.
لذلك يمكن للمراقب حصر قائمة طويلة من الأحداث والتطورات والقضايا والمشكلات الإقليمية والعالمية، كانت بوصلة السياسة العُمانية تجاهها مرنة وتعتمد الموضوعية معياراً أساسياً لا تتقيد فيه بطبيعة العلاقات القائمة مع الأطراف المعنية أو بخبرات وتجارب سابقة سلبية كانت أو إيجابية.
وبمطالعة سريعة لحصاد السياسة الخارجية العمانية، يمكن بسهولة الخروج بنتيجة واضحة ومحددة.. أنها نجحت في الحفاظ على الأمن والاستقرار والسيادة وتماسك شعبها، والاحتفاظ في الوقت نفسه بسمعة دولية ممتازة ومكانة إقليمية متميزة ومنظومة علاقات إيجابية وتعاونية مع الدول الأخرى.
وليس أدل على تماسك وقوة السياسة الخارجية العمانية في مواجهة تداعيات التغيرات الدولية، من استقرارها واستمرارها وفق الثوابت والمحددات نفسها، رغم تغير النظامين العالمي والإقليمي مرات عدة خلال نصف قرن مرّ من عُمر عُمان الحديثة.
عالمياً، من الحرب الباردة في سبعينيات وثمانينيات القرن العشرين إلى تفكك الاتحاد السوفييتي والانفراد الأمريكي بقيادة النظام العالمي، ونشر "العولمة" الاقتصادية والثقافية، إلى التعددية القطبية على وقع الصعود الصيني وعودة روسيا إلى الحركة الخارجية النشطة واستعادة الحضور والتأثير الفعال في بعض الأقاليم، منها الشرق الأوسط خصوصاً.
وإقليمياً، خلال الفترة ذاتها، شهدت منطقة الشرق الأوسط محطات مهمة صعوداً وهبوطاً.. من التلاحم العربي في حرب أكتوبر، إلى تداعيات كارثة الحادي عشر من سبتمبر بالهجوم الإرهابي على بُرجيْ التجارة في أمريكا، قبل أن تجتاح عواصف ما يسمى "الربيع العربي" عددا من دول المنطقة.
في مواجهة كل تلك التقلبات العالمية والإقليمية، امتلكت سلطنة عُمان بقيادة المغفور له السلطان قابوس بن سعيد، ومن بعده حاليا السلطان هيثم بن طارق، قدرة استثنائية على التفاعل بإيجابية وبثبات في آن، وتجسدت "شخصية الدولة" العمانية في حركتها الخارجية، وبالتالي انعكست إيجابيتها وقوتها على الاحترام والمكانة التي نالتها على المستويين الإقليمي والعالمي.
ومن أبرز تجليات تلك المكانة وذلك الاحترام، اضطلاع السلطنة بعدد مهم ومفصلي من أدوار الوساطة في حزمة قضايا ومشكلات بالإقليم.. وكان للوساطة العمانية في هذه القضايا دور جوهري في الخروج بها إلى بر الأمان وتحقيق إنجازات لم تكن لتتحقق دون الدور الذي لعبته السلطنة كوسيط مُرحَّب به ويحظى بثقة واحترام مختلف الأطراف.
كان ذلك واضحاً في قضايا وتطورات كثيرة.. مثل تحركها النشط لتطويق الأزمة اليمنية واستضافة جولات عدة من المباحثات بين مختلف الأطراف بحضور أممي.
أخيراً، فإن المغزى الأهم الذي تجسده دائماً الوساطات العُمانية، هو التنوع والشمول والموازنة التي تحرص عليها سياستها الخارجية، حتى أنها تقيم علاقات ممتازة وروابط متينة مع دول مختلفة ذات سياسات وأيديولوجيات متنوعة، بل إن للسياسة العمانية خطوطاً مفتوحة وإيجابية مع دول كثيرة تجمعها اختلافات جذرية، بينما تحتفظ جميعها دائماً بعلاقة جيدة مع السلطنة، صديقة كل الحكومات والشعوب.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة