"العين الإخبارية" في معهد الأورام المصري.. ثورة ترميم تهزم الإرهاب
المبنى الضخم الذي يخضع للترميم والتجديد يعج مدخله بالمرضى وموظفي الاستقبال وأفراد الأمن ويمارس نشاطه في خدمة المرضى بشكل طبيعي.
أقل من 20 يومًا مضت على الانفجار الذي هزّ محيط معهد الأورام القومي بمنطقة المنيل وسط العاصمة المصرية القاهرة، وبمحاذاة كورنيش نهر النيل، في الساعات الأولى من ليلة الإثنين 5 أغسطس/آب الجاري.
ورغم حجم الخراب وضخامة التلفيات التي طالت أهم صرح مصري لعلاج الأورام ورغم أنَّ كثيراً من هذا الأثر ما زال قائماً، فإنَّ المعهد يستقبل المرضى بكامل الطاقة التي كان يستقبلهم بها قبل وقوع الحادث.
المبنى الضخم المغطى بأستار العلم المصري بألوانه الـ3 (الأبيض والأحمر و الأسود) علامة على خضوعه للترميم والتجديد، يعج مدخله بالمرضى وموظفي الاستقبال وأفراد الأمن، ويمارس نشاطه في خدمة المرضى بشكل طبيعي رغم زجاج الأبواب والنوافذ المهشم، والعمال الذين يسيرون لمتابعة عملهم في معظم أروقة المكان الذي تبدو آثار الحادث عليه واضحة للعيان.
التخريب والإصلاح
تصطف عربات الشركة التي تتولى عملية الترميم أمام المبنى، وبمدخل المعهد خُصِّصت غرفة على الجهة اليمنى لوضع جزء من معدات الترميم الجديدة من نوافذ ورخام وغيرها من الاحتياجات، وفي الطابق الأعلى مباشرة توجد غرفة عميد المعهد التي تهشّمت بالكامل ولم تقترب منها حتى اليوم يد الترميم، فكانت هناك أمور أولى بالترميم منها، هي كل ما يخص المرضى.
العمل بدأ على قدم وساق في اليوم التالي مباشرة لوقوع الحادث، وفي هذا الإطار، أكَّد الدكتور حاتم أبوالقاسم، عميد المعهد القومي للأورام، في مقابلة مع لـ"العين الإخبارية"، أنَّ هناك أولويات تحكم ترميم المعهد الذي من المقرر أن ينتهي العمل فيه خلال 3 أشهر على الأكثر بتكلفة تمَّ حصرها مبدئيًا تصل إلى 100 مليون جنيه وفقًا للشركة القائمة على الإصلاح والترميم.
وقال أبوالقاسم: "بمجرد بدء عمليات الإصلاح والترميم كان هدفنا الأول هو سرعة الانتهاء من إعادة تأهيل الجزء الخاص باستقبال المرضى وتلقيهم الخدمات من أجل عودة استقبالهم من جديد، وبالفعل تمَّ الانتهاء من هذه المرحلة خلال 10 أيام فقط، وساعد في سرعة الإنجاز أنَّ هذه المدة تضمنت إجازة عيد الأضحى المبارك، وخلو المستشفى من المرضى، فكان العمل يجري بأقصى طاقة في كل أرجاء المعهد".
وأضاف: "رمّمنا كل آثار التخريب، وجددنا الأجزاء التي كانت تعاني من مشاكل سابقة، وتمكنا من إعادة هذا الجانب الذي يمثِّل خط التعامل الأول مع المرضى إلى أفضل مما كان عليه سابقاً".
وتابع بقوله: "قسم العمليات عاد للعمل، وكذلك حجز المرضى، وجميع الخدمات الطبية التي تقدم للمرضى عادت أفضل من ذي قبل.. بعد ذلك اتجه العمل إلى مداخل المستشفى، أماكن انتظار المرضى وأماكن العاملين الموظفين (الإداري)، بحيث تسير خطوط الإصلاح بالمهم ثم الأقل أهمية".
لم تقتصر خطة العمل على إصلاح ما تلف وحسب، إذ قال عميد معهد الأورام: "تم استغلال وجود شركة (المقاولون العرب) التي تقوم بمجهود ضخم جدًا في الإصلاح فأدخلنا بعض الإضافات التي من شأنها تسهيل الخدمة للمرضى، مثل استحداث عيادات (الألم) حتى تستوعب ما كان من أعداد زائدة في السابق".
وأوضح: "كما استحدثنا وحدة للكشف المبكر، وأضفنا أماكن انتظار جديدة ومريحة للمرضى، وأعددنا موقعًا لجهاز رنين مغناطيسي جديد، فقد كان المعهد يمتلك جهازًا واحدًا، وكان الضغط عليه كبيراً، وسنبذل جهدنا لاستحداث مزيد من الأمور التي من شأنها تسهيل الخدمة وتسريعها وتحسينها".
تبرعات ضخمة
وعن التبرعات التي خرجت باسم معهد الأورام في الساعات التي تلت الانفجار مباشرة، قال حاتم أبوالقاسم: "نشكر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، على التبرّع الكريم للمعهد، وهذا ما اعتدناه من قيادة الإمارات وشعبها"، مؤكدًا أنَّ سفارة الإمارات في مصر تتواصل مباشرة مع الجهات المعنية بشأن التبرّع الذي بلغت قيمته 50 مليون جنيه حتى يصل بالكامل إلى المعهد.
وحول ما أثير عن تبرعات كثيرة وضخمة، علّق عميد معهد الأورام: "كلام كثير امتلأت به مواقع التواصل الاجتماعي في هذا الشأن، لكن في النهاية لن نستطيع الآن على الأقل إعلان رقم بعينه، فبعض التبرعات تأتي عن طريق الوزارة، وأخرى عن طريق جامعة القاهرة، وهناك مَن يتبرَع على حساب المعهد في البنوك سواء كانوا أفراداً أو شركات، الكل يساعد بما يستطيع، وفي النهاية نأمل في تسلّم كل التبرعات حتى وإن تأخرت قليلًا".
وامتنع عن تأكيد أو نفي ما أثير حول تبرّع شخصيات شهيرة للمعهد، فقال: "نحن لا نذكر أسماء لكن في النهاية كل مَن صرّح بأمر فهو مسؤول عنه، من سيتبرع فلوجه الله ولأجل عمل خير، وكل من قال كلمة في هذا الشأن هو مسؤول عنها، إن صدق فهي له وإن لم يصدق فهي عليه".
ويرى أنَّ الجميع متعاطف مع المعهد وشعر بأهميته والخدمة التي يقدمها، وأنَّه الوِجهة الأكبر التي تخدم مرضى الأورام في مصر كلها، فتوقف المعهد سيؤثر على مرضى كثيرين.
الترميم أولًا
وحول بدء الترميم فعليًا رغم عدم وصول التبرعات إلى المعهد حتى اللحظة، أوضح أبوالقاسم: "الصرح بحاجة لـ100 مليون جنيه طبقًا لتقديرات المهندسين، ليتم التغلب على آثار الحادث وإعادة التشغيل بصورة جيدة".
وأكد: "شركة (المقاولون العرب) بدأت العمل فورًا بعد ساعات من وقوع الحادث، وحتى اللحظة لم تتقاض مليمًا واحداً، إلا إنَّها بدأت العمل بموافقة مبدئية من وزير التعليم العالي ورئيس مجلس الوزراء، وتعمل بمعدل سريع وخلال شهرين أو 3 على الأكثر، ستنتهي من ترميم آثار الحادث وما خلّفه من خراب".
معهد الأورام المصري في أرقام
وحول أهمية المعهد وطاقته الخدمية، أشار الدكتور حاتم أبوالقاسم إلى إنَّ إحصائيات عام 2018 تؤكد أنَّ المعهد استقبل 300 ألف مريض خلال العام، منهم 25 ألف حالة جديدة والباقي يتردد للعلاج وأخذ الجرعات والمتابعة.
ويستقبل المعهد في المتوسط يوميًا، 1200 مريض إضافة إلى 400 مريض يخضعون للعلاج الكيماوي يوميًا ما بين أطفال وكبار وسيدات، وكذلك نحو 300 مريض علاج إشعاعي يوميًا، كما تجرى يوميًا نحو 20 عملية كبيرة، ومن 20 إلى 30 عملية عينات ومناظير وأشعة تداخلية.
مرضى شهدوا الانفجار
قالت السيدة رشيدة شملول من محافظة الشرقية إنَّها مريضة أورام منذ 4 سنوات، وكانت في المعهد ليلة الحادث، وتصف المشهد آنذاك بأنه لا يطاق من فرط التخريب الذي طال المعهد.
وأضافت: "سافرت إلى بلدتي ليلة الحادث بعد ساعتين من وقوعه، وعدت بعد 7 أيام، عندما هاتفتني إدارة المعهد لأعود وأستكمل علاجي"، مشيرة إلى أنّها تتلقّى علاجها على أكمل وجه دون أن تدفع مليمًا.
أما الحاج سعيد قابيل، مريض يتردد على المعهد منذ 11 عاماً فقال: "كنت موجوداً وقت الانفجار الذي نتج عنه تحطّم النوافذ والأسقف والأرضيات الرخامية في صالات الاستقبال".
وأكد: "هذا المعهد يُمثِّل قلبي فهو مصدر الحياة وأفضل أماكن العلاج في مصر وأنظفها بكل ما فيه من أطباء وطاقم تمريض وإدارة أيضًا".
ووجه الشيخ سعيد للعالم رسالة من سريره بإحدى غرف المعهد قائلاً: "بلدنا محدش يقدر عليها، ولا حد هياخد حبّاية رمل منها".