أوركسترا النهاية في بيليم.. نتائج COP30 تحت المجهر
في الكواليس، تدور العديد من المشادات؛ فما شكّل أوركسترا النهاية في بيليم؟
تقترب فعاليات "مؤتمر الأطراف المعني بالتغيرات المناخية في دورته الثلاثين" (COP30) من الانتهاء، ومع بداية الأسبوع الثاني من المفاوضات، يزداد الحماس ويسهر المفاوضون لساعات متأخرة من الليل للوصول إلى القرارات الختامية، والتي قد لا تُرضي جميع الأطراف على أي حال، لكنها تُوضح مسارات العمل المناخي بعد انتهاء المؤتمر. حسنًا، هذا يأخذنا لسؤال مهم، حول ما الفرق بين الأسبوع الأول والثاني من المفاوضات؟ وما كواليس الأسبوع الثاني من COP30 المنعقد في بيليم بالبرازيل؟
الأسبوع الأول
تنطلق فعاليات مؤتمرات الأطراف المعنية بالتغيرات المناخية، وفي الكواليس تبدأ الوفود التفاوضية في النقاشات، ويشرح "هشام عيسى"، المنسق المصري السابق لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغير المناخي (UNFCCC)، طبيعة الأسبوع الأول، قائلًا للعين الإخبارية أنّ "الوفود التفاوضية الفنية تحضر خلال الأسبوع الأول، ويتناولون موضوعات جدول المناقشات خلال المؤتمر".
وتجدر الإشارة إلى أنّ تلك المفاوضات في الأسبوع الأول تقوم في إطار اجتماعات الهيئات الفرعية التنفيذية، وهما: الهيئة الفرعية التنفيذية (SBI) والهيئة الفرعية العلمية والتكنولوجية (SBSTA). وفي COP30، انعقد خلال الأسبوع الأول الدورات الثالثة والستين من اجتماعات الهيئات الفرعية.
وخلال انعقاد الهيئة الفرعية التنفيذية والهيئة الفرعية العلمية والتكنولوجية، تُجرى متابعة لتنفيذ اتفاق باريس، وتعمل الوفود الفنية على مسودات نصوص الاتفاقات وتتناقش حولها، لذلك قد تظهر بعض النصوص مليئة بالأقواس، وهذا يُشير إلى البنود التي تختلف عليها الأطراف ولم تُحسم بعد. وهكذا تستمر المناقشات التفصيلية في الموضوعات الرئيسية، وهي: التمويل والتخفيف والتكيّف والخسائر والأضرار، بالإضافة إلى الشفافية وآليات التنفيذ وغيرهم من الموضوعات الرئيسية في العمل المناخي. وعادةً، تكون المفاوضات تقنية أو فنية أكثر منها سياسية، لذلك لا تخرج قرارات نهائية من هذا الأسبوع، وعندما يختلف الأطراف على بعض القضايا؛ فهي بذلك تُرفع إلى المستوى السياسي في الأسبوع التالي.
الأسبوع الثاني
تنتقل المفاوضات من المستوى الفني والتقني إلى المستوى السياسي والوزاري، وتُجرى المفاوضات السياسية. تصف "غوى النكت"، المديرة التنفيذية في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في حوارها مع العين الإخبارية، الأسبوع الأخير في مفاوضات مؤتمر الأطراف المعني بالمناخ على أنه "هو اللحظة الحاسمة التي تتحول فيها الكلمات إلى أفعال؛ إذ يمثل المرحلة النهائية لتوحيد الاتفاقيات والالتزامات والخروج بالنص النهائي الذي سيُحدّد مسار العمل المناخي".
من جانبه، يقول "هشام عيسى" للعين الإخبارية أنه في الأسبوع الثاني "غالبًا يحضره متخذو القرار، ويُشارك فيه الوزراء، وعندما تحدث أزمة، يُشارك رؤساء الوزراء، وفي بعض الأحيان، يتم الرجوع لرؤساء الدول". ويتابع عيسى شارحًا كواليس الأسبوع الثاني، قائلًا أنه خلاله "تُعرض نتائج المفاوضات والمسودات الأولية على متخذي القرار، والذين غالبًا يكونون وزراء البيئة والتخطيط والبترول، أو بالأحرى، الوزراء المسؤولين عن ملف المناخ في بلادهم".
وخلال تلك الجلسات الأخيرة من المفاوضات، تُحذف الأقواس من النصوص وتصل الأطراف إلى صيغ توافقية، ويصور لنا السيد "هشام عيسى" تلك الكواليس، قائلًا للعين الإخبارية: "تكون هناك جلسات واجتماعات وزارية كثيرة خلال جدول أعمال الأسبوع الثاني، وتدور المناقشات والمفاوضات حول الموضوعات الحساسة، مثل التمويل المناخي أو التخفيف أو خفض الانبعاثات والموضوعات المتعلقة بالتنسيقات بين الدول المتقدمة والنامية".
بعد ذلك، تُعلن التعهدات الوطنية الجديدة واتفاقات التمويل والمبادرات الأخرى الكبرى. ويتم اعتماد الصيغة النهائية للنصوص التي اتفقت عليها الأطراف، وتكون التغطية الإعلامية على أعلى مستوى. وهذا أمر طبيعي؛ إذ تخرج للنور نتائج المفاوضات التي استمرت لنحو أسبوعين.
توضح "النكت" القضايا التي ما زال الجدل قائم عليها في COP30، قائلة للعين الإخبارية: "بعد أسبوعين من النقاش المكثّف، يجب على الدول اغتنام هذه الفرصة للتوصل إلى اتفاقيات واضحة لتقليص استخدام الوقود الأحفوري وتسريع التحول إلى الطاقة المتجددة، مع توفير تمويل مناخي حقيقي وعادل يدعم التخفيف والتكيّف والتعويض عن الخسائر والأضرار. أي تأخير يعني استمرار المخاطر على المجتمعات الأكثر عرضة لأزمة المناخ؛ بالنسبة للملايين على الخطوط الأمامية، هذه مسألة بقاء، فالتمويل المناخي هو قبل كل شيء قضية عدالة مناخية".
أوركسترا النهاية في بيليم!
خلال الساعات الأخيرة من المؤتمر، قد يُضطر المفاوضون للعمل إلى وقت طويل من الليل للوصول إلى صيغ نهائية، وتتصاعد التوترات والخلافات والمشادات الكلامية بين متخذي القرار في الممرات أو في غرف المفاوضات المخصصة، وقد تمتد المفاوضات إلى ساعات أكثر من المعلن عنها لاختتام المؤتمر. وهناك العديد من الأمثلة بالفعل على مؤتمرات الأطراف المعنية بالتغير المناخي (COPs)، والتي امتدت إلى ساعات زائدة، على سبيل المثال في COP27 بشرم الشيخ في مصر، امتدت المفاوضات إلى ما يقرب من 40 ساعة؛ لأن الأطراف لم تكن قد وصلت بعد إلى صيغة نهائية؛ خاصة مع الإصرار على موافقة الأطراف على إنشاء صندوق الخسائر والأضرار.
يوم السبت الموافق 15 نوفمبر/تشرين الثاني 2025، اختُتمت الدورة 63 للهيئات الفرعية، وانتقلت المسودات الأولية إلى المستوى الوزاري الذي بدأ في يوم الاثنين الموافق 17 نوفمبر/تشرين الثاني، مع بعض التحديات؛ إذ تجلت الاختلافات بين الأطراف وأولوياتهم في أثناء الأسبوع الأول من المؤتمر؛ خاصة فيما يتعلق بالقضايا الرئيسية، مثل التمويل والتكيف والتخفيف والمساهمات المحددة وطنيًا والطاقة والتكنولوجيا وبناء القدرات وتمويل الخسائر والأضرار. لذلك، تتجه الأنظار بشكل مكثف إلى الأسبوع الثاني من المفاوضات. يشبه هذا مشهد الأوركسترا؛ إذ عمل الفنيون والمتخصصون خلال الأسبوع الأول في تحضير المسودات وضبط إيقاع المفاوضات، وتسليم المسودات للوزراء والقادة في الأسبوع الثاني، ويخرج عن قراراتهم العرض النهائي أمام العالم؛ لتحديد مسار العمل المناخي بعد المؤتمر.
ويجدر بالذكر أنه في يوم الثلاثاء الموافق 18 نوفمبر/تشرين الثاني -خلال الأسبوع الثاني من COP30- طالبت أكثر من 80 دولة بوضع خارطة طريق من أجل الانتقال بعيدًا عن الوقود الأحفوري، وجاء هذا النداء بتأييد واسع من النشطاء البيئيين. مع ذلك، عارضت العديد من الدول التي تعتمد على الوقود الأحفوري. وما زالت التوترات تتصاعد بين الأطراف في هذا الصدد.
وفي بعض الأحيان، قد يُضطر رؤساء الدول للتدخل في حال تصاعدت الأزمة إلى مستوى لا يمكن حله عبر رؤساء الوزراء. وبالفعل انتشرت الأخبار حول عودة "لولا دا سيلفا"، رئيس دولة البرازيل إلى بيليم يوم الأربعاء 19 نوفمبر/تشرين الثاني؛ لمتابعة سير المفاوضات حول الوقود الأحفوري وإنهاء إزالة الغابات والتمويل المناخي؛ باعتبارها القضايا الرئيسية التي يتصاعد حولها الجدل في الساعات الأخيرة من COP30، والتي تستهدف رئاسة البرازيل تحقيق إنجازات ونتائج رئيسية بشأنها. ويُعد التدخل في هذا التوقيت من رئيس الدولة يعني تصاعد الخلافات، وحان وقت تدخل قادة الدولة.
فالتمويل المناخي لم يخرج بقرارات أو تعهدات مالية مرضية بعد، وتوضح "النكت" للعين الإخبارية أبعاد التعهدات المالية الضعيفة قائلة: "الحقيقة الصعبة هي أنّ التعهدات الحالية لا تكفي؛ تقرير المساهمات المحددة وطنيًا لعام 2025 يظهر أن العالم يسير بعيدًا عن مسار 1.5 مئوية، بعد أن تجاوز هذا الحد على مدار سنة كاملة مع استمرار ارتفاع معدلات ثاني أكسيد الكربون والميثان. كلّ عُشْر درجة إضافية يعني آثارًا أشد قسوة على المجتمعات الأكثر هشاشة".
وتختتم رسالة قائلة: "الأسبوع الثاني هو الاختبار الحقيقي لمصداقية المجتمع الدولي. رسالتنا في غرينبيس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا واضحة: لكي يكون هذا المؤتمر مؤتمر الحقيقة والتنفيذ، يجب توفير تمويل مناخي حقيقي وعادل يسهل الوصول إليه، ووضع خطة استجابة عالمية لمعالجة فجوة الطموح المرتبطة بهدف 1.5 درجة مئوية، وتسريع خفض الانبعاثات خلال هذا العقد الحاسم. نطالب باعتماد بندٍ دائمٍ جديدٍ على جدول الأعمال لدفع تنفيذ الهدف الجديد للتمويل المناخي (NCQG)، ولا سيّما زيادة التمويل المناخي من الدول الصناعية المسؤولة تاريخيًا عن الانبعاثات . ويمكن تحقيق ذلك من خلال تعزيز مبدأ “الملوِّث يدفع” عبر فرض ضرائب على أرباح شركات النفط الدولية لفتح المجال أمام زيادة التمويل المناخي".
تنتشر في الممرات أحاديث حول المشادات الكلامية بين الوزراء وصناع القرار داخل غرف المفاوضات، ما يؤكد تصاعد الخلافات بين ممثلي الأطراف، خاصة في الموضوعات الرئيسية المتعلقة بالشفافية والتمويل والتجارة وضعف آليات المساهمات المحددة وطنيًا. لكن، ما النتائج بعد أوركسترا النهاية لاختتام COP30؟ حسنًا، تقترب النهاية.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMjcg جزيرة ام اند امز