زراعة الأعضاء في مصر.. طموح للصدارة وجدل لا ينقطع (تقرير)
تمضي مصر بقوة نحو التحول إلى مركز إقليمي لعمليات زراعة الأعضاء البشرية، وذلك وسط جدل واسع حول التبرع بالأعضاء بعد الوفاة.
ومهدت مصر الطريق لتلك الخطوة الطموحة، من خلال إصدار قانون ينظم عمليات التبرع بالأعضاء البشرية عام 2010، ويقضي على عمليات تجارة الأعضاء والمراكز غير المرخصة لنقل الأعضاء وزراعتها، ويحدد الضوابط الخاصة بالمتبرعين والمتلقين للأعضاء البشرية.
ووافقت مصر مؤخرا على إجراءات ترخيص مركزين جديدين لزراعة الكلى والكبد، حيث أشار المتحدث باسم وزارة الصحة المصرية لوجود أكثر من 37 مركزًا مرخصًا لنقل الأعضاء، لافتا إلى أن أحد المراكز المصرية لزراعة الأعضاء كان يحتل المرتبة الخامسة عالميًا.
ويحظى هذا الطموح الراسخ برعاية ومتابعة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي وجه قبل أيام خلال اجتماع مع رئيس الوزراء ووزير الصحة، بإنشاء أكبر مركز إقليمي لزراعة الأعضاء في مصر والشرق الأوسط وأفريقيا داخل تلك المدينة الطبية الجديدة في معهد ناصر، وسط العاصمة القاهرة.
خطط طموحة
ويتضمن المركز، بحسب وزارة الصحة المصرية، 12 غرفة عمليات و300 سرير داخلي، بالإضافة إلى 52 سرير رعاية فائقة، و56 سرير رعاية متوسطة، كما سيحتوي على 10 ماكينات غسيل كلوي، ومعمل متكامل، و12 عيادة خارجية، ومركز تأهيل وقسم للطوارئ، وذلك بالتعاون مع كبرى الشركات العالمية المتخصصة بهدف إنشاء منظومة متكاملة، تشمل شبكة قومية مميكنة لعمليات الزرع، والمرضى، والمتبرعين وفقاً للمعايير العالمية.
كما يستهدف المركز التوسع في تخصصات لزراعة أعضاء مختلفة مثل الرئة والقلب والكلى والكبد وغيرها، وكذلك توسيع قاعدة المتبرعين لتشمل حديثي الوفيات بدلاً من الاقتصار على الأحياء فقط.
وأوضحت الوزارة أنه سيتم اتباع إحدى الآليات القانونية لاستقبال حالات التبرع، وذلك من خلال ترك المتبرع وثيقة في الشهر العقاري أو تخصيص خانة ببطاقة الرقم القومي، أو غيرها من الوثائق الرسمية التي تثبت الرغبة في التبرع.
وشددت الوزارة على أن الهدف الأساسي من إنشاء مركز إقليمي لزراعة الأعضاء في مصر يتمثل في تقنين عمليات زراعة الأعضاء وإنهاء كافة ممارسات بيع الأعضاء البشرية بمقابل مادي والتي يجرمها القانون.
مجانا لغير القادرين
وحول آلية العمل داخل المركز الجديد، كشف مصدر باللجنة العليا لزراعة الأعضاء في وزارة الصحة والسكان، عن تفعيل صندوق لتمويل زراعة الأعضاء، الذي نص عليه القانون رقم 5 لسنة 2010، وذلك بالمراكز المخصصة لزراعة الأعضاء.
وأكد المصدر، لصحيفة "الشروق" المحلية، أن زراعة الأعضاء لغير القادرين ستكون على نفقة الدولة من الصندوق المخصص لذلك، ممن حل عليه الدور وفقا للضوابط الصادرة من وزير الصحة بصفته رئيس اللجنة العليا لزراعة الأعضاء، لافتا إلى أنه من المتوقع إجراء أول عملية لزراعة الرئة خلال الفترة المقبلة.
ضوابط صارمة
ويحدد قانون زراعة الأعضاء البشرية في مصر، والصادر عام 2010، الضوابط الخاصة بعمليات نقل الأعضاء، حيث نص على "أنه لا يجوز نقل أي عضو أو جزء من عضو أو نسيج من جسم إنسان حي بقصد زرعه في جسم إنسان آخر إلا لضرورة تقتضيها المحافظة على حياة المتلقي، أو علاجه من مرض جسيم".
كما يشترط القانون "أن يكون النقل هو الوسيلة الوحيدة لمواجهة هذه الضرورة وألا يكون من شأن النقل تعريض المتبرع لخطر جسيم على حياته أو صحته، ويحظر زرع الأعضاء أو أجزائها أو الأنسجة أو الخلايا التناسلية بما يؤدي إلى اختلاط الأنساب.
كذلك يجرم القانون "التعامل في أي عضو من أعضاء جسم الإنسان أو جزء منه أو أحد أنسجته على سبيل البيع أو الشراء أو بمقابل أيا كانت طبيعته"، كما ينص على أنه "لا يجوز أن يترتب على زرع العضو أو جزء منه أو أحد أنسجته أن يكتسب المتبرع أو أي من ورثته أي فائدة مادية أو عينية من المتلقي أو من ذويه بسبب النقل أو بمناسبته".
منع استغلال البسطاء
وسعى القانون لغلق الباب على عمليات نقل الأعضاء التي قد تستغل جهل البسطاء وعدم درايتهم بالمخاطر المترتبة على عملية التبرع بالأعضاء، مشددا على أنه "لا يجوز البدء في عملية النقل بقصد الزرع إلا بعد إحاطة كل من المتبرع والمتلقي -إذا كان مدركا- بواسطة اللجنة الثلاثية المنصوص عليها، بطبيعة عمليتي النقل والزرع ومخاطرهما المحتملة على المدى القريب أو البعيد".
ويقصر القانون عمليات نقل الأعضاء من المتوفين إلى الأحياء على المصريين فقط، وينص على أن يكون ذلك "لضرورة تقتضيها المحافظة على حياة إنسان حي أو علاجه من مرض جسيم أو استكمال نقص حيوي في جسده" وأن يكون "الميت قد أوصى بذلك قبل وفاته بوصية موثقة، أو مثبتة في أي ورقة رسمية، أو أقر بذلك وفقا للإجراءات التي تحددها اللائحة" التنفيذية للقانون.
أما بخصوص نقل الأعضاء لغير المصريين، فقد منع القانون التبرع بالأعضاء من المصريين إلى الأجانب، إلا في حالة الأزواج، وبشرط أن يكون قد مر على زواجهم أكثر من ثلاث سنوات، لكن يمكن التبرع بالأعضاء بين الأبناء من أم مصرية وأب أجنبي. كما يجوز إجراء عملية تبرع بالأعضاء بين الأجانب بشرط تقديم موافقة رسمية من الدولة التي ينتمون إليها.
جدل لا ينقطع
رغم تلك الضوابط الصارمة والواضحة، إلا أن الجدل لا ينقطع في مصر حول التبرع بالأعضاء، خاصة مع إعلان مشاهير عن عزمها التبرع بأعضائهم عقب الوفاة، ومن هؤلاء الفنانة إلهام شاهين التي وثقت بالفعل توكيلا في الشهر العقاري للتبرع بأعضائها بعد الوفاة، مشيرة إلى أنها أوصت إخوتها بفعل الأمر نفسه.
وقالت إلهام شاهين، في تصريحات تلفزيونية، إنها كانت أول من نادى بالتبرع بالأعضاء بعد الوفاة، ولم يسبقها سوى الطبيب المصري خالد منتصر، مضيفة: "الشخص بعد وفاته الدود هياكل أعضاؤه، فليه منتبرعش بيها لشخص آخر للاستفادة بها وترحمه من أوجاعه، والتبرع بالأعضاء بعد الوفاة أفضل عمل خير".
كما أعلن الداعية خالد الجندي أنه اتفق مع زوجته على توثيق رغبتهما في التبرع بأعضائهما بعد الوفاة، مؤكداً أن الفكرة لاقت قبولاً لدى زوجته حين طرحها عليها، خاصة أن الدولة سهلت توثيق تلك الرغبة من خلال مقار الشهر العقاري.
ضوابط شرعية
وأوضح الجندي، خلاله برنامج "لعلهم يتفقهون" عبر قناة "دي إم سي" المصرية، أن الشريعة الإسلامية لها ضوابط وشروط بشأن التبرع بالأعضاء من شخص إلى آخر كلاهما على قيد الحياة، وعلى رأسها عدم بيع الأعضاء باعتبار أن الإنسان ليس "قطع غيار" يتم بيع أعضائه للغير.
كما أن أحد أهم الشروط هو أن يكون التبرع تحت إشراف من وزارة الصحة والجهات المعينة بالدولة وليس لأي جهة أخرى، كما يشترط ألا يترتب على هذا التبرع أن يتم التمثيل بجثة المتوفى، فضلاً عن أنه لا يجوز التبرع بالأعضاء النطفية والتي تؤدي إلى اختلاط الأنساب.
ويفرق الجندي بين نوعين من الأعضاء، بحيث يمكن التبرع بأحدها بينما لا يجوز التبرع بالآخر: الأول هو الأعضاء الجسدية المنفردة وهي لا يجوز التبرع بها مثل القلب، أما المتكررة فيجوز التبرع بأحدهما متى كان ذلك لا يحقق ضرراً للمتبرع.
ورفض الجندي الأقاويل التي يرددها البعض عن رفض التبرع ونقل الأعضاء البشرية، معتبراً أن هذا نوع من التناقض، متسائلاً باستنكار: "لماذا لم يعترض هؤلاء على التبرع بالدم بين الناس طالما أنهم يرفضون ويستنكرون التبرع بالأعضاء بين الأحياء أو بين حي وميت.
موقف الشيخ الشعراوي
من جهته، قال الدكتور أسامة الأزهري، مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية وأحد علماء الأزهر الشريف، إن قضية التبرع بالأعضاء بعد الوفاة حظيت بجدل كبير اشتد في التسعينيات، مضيفا: "كان هناك صوت مُدوٍ وله قبول كبير يقول بتحريم نقل الأعضاء وهو رأي الشيخ محمد متولي الشعراوي".
وأضاف "الأزهري"، في تصريحات تليفزيونية سابقة، أن جماهير الفقهاء والعلماء أعلنوا إجازة التبرع بالأعضاء ولكن بشروط وضوابط، موضحا أن مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر أجاز التبرع بالأعضاء بعد الوفاة ولكن بضوابط.
وأشار "الأزهري" إلى أن الهدف من إيجاز التبرع بالأعضاء هو "تخفيف الألم وإحياء النفس والتعاون على البر والتقوى وليس التربح من أعضاء الإنسان"، مشيرا إلى أنه من يحصل على أموال مقابل بيع أعضاء الجسم يعتبر "آثما".
ثقافة تحتاج إلى وقت
اتفاق علماء الأزهر على إباحة التبرع بالأعضاء وزراعتها، وفقا لضوابط الشرع والقانون، لا ينفي وجود عقبات أخرى، ولعل أبرزها هو افتقاد المجتمع لثقافة التبرع بالأعضاء، خاصة بعد الوفاة، وهو ما اعترف به وزير الصحة المصري الدكتور خالد عبدالغفار، مشيرا إلى أن الوصول لهذه الثقافة يحتاج إلى مزيد من الوقت.
وأكد عبدالغفار أنه سيتم أيضا دراسة اعتماد وثيقة رسمية للتبرع بالأعضاء بعد الوفاة، موضحا أن القانون يتيح التبرع بالأعضاء بعد الوفاة، وتم مناقشته من قبل الأزهر والكنيسة والمجتمع المدني قبل 2010، وسيتم دراسة هذا الأمر من خلال ترك المتبرع وثيقة في الشهر العقاري أو تخصيص خانة في بطاقة الرقم القومي، متابعا: "كام مواطن ممكن حياته تتغير بعد التوسع في زراعة الأعضاء".
قطع غيار بشرية
أثار الحديث عن تحول مصر لمركز إقليمي لزراعة الأعضاء، انتقادات من البعض خوفا من تحول البلاد إلى مركز لقطع الغيار البشرية، لكن محمد فؤاد، المدير التنفيذي للمركز المصري لحماية الحق في الدواء، أوضح أن القانون وضع ضوابط صارمة لعمليات نقل الأعضاء، وجرم التبرع مقابل أموال وحدد سن المتبرع ٥٠ سنة وأن يكون كامل الأهلية بمعنى ألا يكون طفلا تحت ١٨ سنة أو محكوما عليه بالسجن ولو بالإعدام.
وأضاف فؤاد، في منشور عبر صفحته بموقع فيسبوك، أن هذا النصوص "معمول بها في قوانين الزراعة في ٩٠٪ من الدول"، وأنه "في جميع الأحوال لفظ تحول مصر إلى مركز (إقليمي) خلق هذه الأزمة وقد تكون مصر تخطط للنقل للأجانب في إطار الاستثمار في السياحة العلاجية".