جائحة كورونا ستمنح فرصة غير مسبوقة لزيادة المدخرات وسداد الديون
التحدي الكبير الذي يواجه الدول والمجتمعات والأفراد، أثناء أزمة كورونا، هو طول مدة الإغلاق التي التزمت بها جميع دول العالم تقريبا، والتي قادت إلى آثار اقتصادية عميقة تمثلت في توقف نشاطات القطاع الحكومي، وقطاع الأعمال، وارتفاع معدل البطالة بصورة خطيرة وغير مسبوقة، وتزايد معدل الفقر، ودخول ملايين من البشر تحت حزام الفقر المدقع، وتراجع معدلات النمو الاقتصادي، ومعه سوف تنتكس عمليات التنمية، وتبتعد البشرية عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة.... إلخ.
كل هذا هو نصف الصورة، والنصف الآخر هو أن الاقتصاد ذاته له وجهان: أولهما الإنفاق الذي نالت منه جائحة كورونا بصورة شديدة، ومنعت المستهلكين من العديد من الأنشطة الاقتصادية مثل السفر والسياحة والتسوق، والمطاعم، والترفيه.... الخ. والوجه الآخر هو الادخار الذي ذهب إليه كل ما لم يذهب إلى جانب الإنفاق.
ما نخرج به من هذه الدراسة أن الحكومات تستطيع أن توجه التفكير والتخطيط للاستفادة من المدخرات التي تحققت في فترة الإغلاق.
نشرت صحيفة "الجارديان" البريطانية يوم الأحد 31 مايو/أيار 2020، دراسة أعدها "معهد السياسات الجديدة" تتناول تأثير حالة الإغلاق التي فرضت لمواجهة جائحة كورونا على ثروات المجتمع البريطاني بمختلف طبقاته الغنية والفقيرة. جاءت فيها مجموعة من الحقائق التي تنطبق على جميع المجتمعات بدرجة أو بأخرى... منها: أن أغنى 20٪ من البريطانيين قد خفضوا إنفاقهم بنحو 23 مليار جنيه إسترليني بحلول منتصف يونيو/حزيران، وفقاً لتحليل "معهد السياسة الجديدة" الذي أظهر أن جائحة كورونا ستمنح فرصة غير مسبوقة لزيادة المدخرات، وسداد الديون.
فبعد ثلاثة أشهر من الإغلاق، ستؤدي التخفيضات في نفقات الأسر على الترفيه، والرياضة، ومستحضرات التجميل، وتناول الطعام والشراب خارج المنزل، والنقل، إلى أن أولئك الذين يمثلون نسبة 20٪ الأدنى دخلا في المجتمع سيخفض إنفاقهم بمقدار 3.5 مليار جنيه إسترليني.
استنادًا إلى الأرقام التي تغطي الثلاثة أشهر الأولى من إغلاق جزء كبير من الاقتصاد فإن إجمالي الأموال غير المنفقة من جميع فئات الدخل من المرجح أن تصل إلى 57 مليار جنيه إسترليني.
وقال دان كوري، المستشار الاقتصادي السابق لرئيس الوزراء، والمؤلف المشارك: "إن تقديراتنا التي تم جمعها باستخدام الإحصاءات الرسمية، تشير إلى أن الخُمس الأعلى للأسر، التي يبلغ عدد أفرادها 5.5 مليون، سوف ينخفض إنفاقها بنحو 23 مليار جنيه إسترليني إذا استمر الإغلاق لمدة ثلاثة أشهر. وسينخفض إنفاق من هم في ثاني أعلى خمس من الأسر بنحو 14 مليار جنيه إسترليني.
وخلصت الدراسة إلى أن المبلغ الذي وفرته الأسر القريبة من أعلى توزيع للدخل منذ بدء الإغلاق وصل إلى 23 مليار جنيه إسترليني؛ أي ما يعادل 4.5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، و48 ٪ مما تحصل عليه الحكومة في أكثر من ربع السنة من دافعي ضريبة الدخل الأساسي، والإضافي مجتمعين. إن ضريبة الثروة يمكن أن تجمع ما يصل إلى 174 مليار جنيه إسترليني سنويًا، للمساعدة في التعامل مع أزمة كورونا إذا فرضت الحكومة ضريبة على الثروة بنفس معدل الدخل.
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال بنك إنجلترا إن الودائع المصرفية ارتفعت بمقدار 13.1 مليار جنيه إسترليني في مارس/آذار، وهو ارتفاع شهري قياسي؛ غطت الأرقام فقط الأيام العشرة الأولى من الإغلاق؛ إذا تم تكرار معدل الزيادة على مدار 90 يومًا، فسيصل الإجمالي إلى 127 مليار جنيه إسترليني.
وما نخرج به من هذه الدراسة أن الحكومات تستطيع أن توجه التفكير والتخطيط للاستفادة من المدخرات التي تحققت في فترة الإغلاق، وتوجه ذلك لتوفير الموارد اللازمة لمعالجة أثار هذه الجائحة على الطبقات الأكثر فقراً واحتياجا، كذلك تستطيع أن تقدم أفكارا إبداعية لتشجيع أصحاب المدخرات بكل مستوياتهم للإسراع بإخراجها وضخها في الاقتصاد الوطني بما يعيد له حيويته، ويساعده على تجاوز آثار هذه الأزمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة