لم يعد النفط أو الذهب الأسود محور وأساس اقتصاد العديد من الدول ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة التي تمكنت خلال عقود قليلة من استغلال هذه الثروة الاستراتيجية في بناء اقتصاد متعدد الموارد، يأخذ في الحسبان تقلبات سعر هذه المادة في الأسواق العالمية
والأهم من ذلك أنها ثروة غير مستدامة بما أنها ستنضب في يوم من الأيام.
وقد خططت دولة الإمارات لهذا السيناريو، حيث وضعت القيادة الرشيدة منذ عهد المؤسس الشيخ زايد «رحمه الله»، سياسات عليا تتمحور حول تتمحور حول تنويع الموارد الاقتصادية وتقليل الاعتماد على الدخل النفطي، حتى بلغت نسبة مساهمة النفط في الناتج المحلي العام الماضي نحو 30 بالمئة مقارنة بنسبة 79 بالمئة في عام 1980.
لهذا لم يكون مفاجئا ما قاله صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة خلال القمة الحكومية السابقة في فبراير 2015، إننا سنحتفل في عام 2050 بتصدير آخر برميل نفط، فقد حققت الدولة خلال العقود القليلة الماضية قفزات عملاقة في سبيل بناء اقتصاد القرن الحادي والعشرين القائم على المعرفة والتكنولوجيا والابتكار.
طبعاً لم يكن أحد ليتخيل قبل خمسين عاماً ونيف حينما بدأت الدولة بتصدير نفطها إلى الأسواق العالمية ليكون مصدر دخلها الرئيسي أن يأتي يوم وتحتفل فيه بتصدير آخر برميل نفط ليكون مصدر دخلها متنوعاً يعتمد على قطاعات متقدمة مثل، الطيران والتكنولوجيا والابتكار والصناعات الذكية والسياحية وغيرها.
لقد كان اعتماد الدول على النفط كمصدر أساسي للدخل معضلة تهدد أمنها واستقرارها في حال تقلب أسعار الخام وتراجع الاحتياطي النقدي وعجز الميزانيات، بل حتى إن بعض المؤرخين والمفكرين الاستراتيجيين يعتبرون أن سعر النفط المنخفض كان سبباً رئيساً في انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، حيث كان يشكل النفط مصدراً رئيساً له للحصول على العملة الصعبة.
فلا ريب أن الاستقرار الاقتصادي هو بالمطلق استقرار أمني والعكس صحيح، فأي خلل اقتصادي يقود إلى التضخم وارتفاع الأسعار، وبالتالي انتشار التذمر الاجتماعي الذي هو شرارة الانفلات الأمني.
وعلى الرغم من أن دولة الإمارات تعد من أقل الدول النفطية تأثراً بتداعيات تدهور أسعار النفط، فقد جسدت الخلوة الخاصة بمناقشة مرحلة ما بعد النفط، بعد نظر القيادة الرشيدة وإيمانها بضرورة تحقيق نمو مستدام لا يتأثر بالعوارض الاقتصادية الطارئة مثل انخفاض أسعار الطاقة في الأسواق العالمية.
إن تجديد دولة الإمارات عزمها التخلي عن الاعتماد على النفط تدريجياً وتهيئة اقتصادها لعصر ما بعد النفط، هي خطوة في الاتجاه الصحيح نحو اقتصاد مستدام للأجيال القادمة.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة