البلاستيك "حصان طروادة" بيئي.. كيف أصبح تهديدا بيئيا خفيا؟
حث فريق عالمي من العلماء المجتمعَ العالمي على الاعتراف بالمخاطر البيئية والصحية الكاملة التي تشكلها المواد البلاستيكية.
وطالبوا بتصنيفها على أنها ملوثات ثابتة ومتراكمة بيولوجيا وسامة.
وفي دراسة حديثة أشار العلماء إلى تصنيف البلاستيك الذي يشمل جزيئات متناهية الصغر كملوثات ثابتة ومتراكمة بيولوجيا وسامة (PBT)، ومن شأن هذا التصنيف أن يزود الحكومات بالوسائل اللازمة لتعزيز تنظيم إنتاج البلاستيك واستخدامه وإعادة تدويره.
- العالم يحتشد في باريس لقتل البلاستيك.. دوافع خطيرة وآمال مشروعة (حوار)
- خارطة طريق لدحر التلوث البلاستيكي.. 3 تحولات عميقة لإنقاذ الكوكب
تقدم الدراسة المنشورة في دورية "العلوم البيئية والتكنولوجيا" (Environmental Science and Technology) استعراضاً شاملاً للحالة الحالية للمعرفة حول الميكروبلاستيك في أنظمة المياه العذبة، بما في ذلك مصادرها ونقلها ومصيرها والآثار المحتملة على الكائنات الحية المائية وصحة الإنسان.
كما تحدد الدراسة الأوجه الرئيسية للثغرات المعرفية واحتياجات البحث في هذا المجال، وتؤكد أهمية تطوير أساليب موحدة لأخذ العينات وإجراء التحليل، وتحسين فهمنا للمخاطر البيئية وصحة الإنسان المرتبطة بالميكروبلاستيك.
يؤكد الدكتور خوان خوسيه ألافا، الباحث الرئيسي للمحيطات ووحدة أبحاث تلوث المحيطات السمكية في جامعة كولومبيا البريطانية (UBC) والمؤلف الرئيسي للدراسة، الحاجة الملحة للمزيد من البحث والعمل لمعالجة مشكلة التلوث المتزايدة بالميكروبلاستيك في أنظمة المياه العذبة، والتي تترتب عليها آثار بيئية وصحية عامة مهمة على المستوى العالمي.
ويقو ل ألافا: "يجب علينا إثارة الوعي العالمي وفهم المخاطر التي تشكلها هذه الملوثات"، ويشمل البحث علماء من مناطق مختلفة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك كندا والولايات المتحدة وأوروبا وأمريكا الجنوبية وآسيا.
عصر "البلاستيسين"
يقو ل ألافا "نحن نعيش في عصر يهيمن عليه البلاستيك-البلاستيسين". ويضيف "البلاستيك منتشر في كل مكان، إنه يتخلل المحيطات والمناطق الساحلية والنظم الإيكولوجية الأرضية، وقد تم اكتشافه داخل الحيوانات في جميع أنحاء العالم، وهو جزء لا يتجزأ من الأنسجة والأعضاء البشرية، وحتى في أعماق خندق ماريانا، أعمق منطقة في محيطاتنا، هذه المواد لا تتحلل بسهولة، وبالتالي فهي تستمر لسنوات لا حصر لها".
إن السمات التي تجعل البلاستيك جذابا -مثل شعبيته ومتانته وكفاءته- هي أيضاً العوامل التي تجعله خطيراً، نظراً لعمره الطويل، ومعدلات التحلل البطيئة، والمتانة الرائعة، يمكن أن يستغرق البلاستيك ما يصل إلى 2500 عام للتحلل أو التفكك.
وتجدر الإشارة إلى أن زجاجات المياه المصنوعة من البولي إيثيلين تيرفثاليت (PET) والزجاجات البلاستيكية عالية الكثافة المصنوعة من البولي إيثيلين (HDPE) تمثل هذه المشكلة، إذا لم يتم تنفيذ أي تغييرات فسيستمر التأثير البيئي العالمي للبلاستيك في إعادة تشكيل النظم البيئية وله آثار ضارة على المحيطات.
"حصان طروادة" في المحيط
تميل المواد البلاستيكية إلى التراكم داخل الكائنات الحية، والحيوانات المائية معرضة بشكل خاص للتعرض للجزيئات الدقيقة والنانوية، وتشكل هذه الجزيئات تهديدا ساما للكائنات البحرية، حيث يمكنها تغيير التعبير الجيني والبروتيني، وتحفيز التفاعلات الالتهابية، والتأثير على نمو الدماغ، وإعاقة معدلات النمو والتكاثر، بالإضافة إلى ذلك فإنها تعطل السلوكيات الطبيعية للتغذية، مما يعيق قدرة الحيوانات على الحصول على التغذية السليمة.
تؤكد الدكتورة غونيلا اوبرغ، وهي مؤلفة مشاركة تابعة لمعهد جامعة كولومبيا البريطانية للموارد والبيئة والاستدامة: "من الأهمية بمكان أن تضع في اعتبارك أن المشكلة تتجاوز مجرد البلاستيك". وتضيف "تحتوي العديد من المواد البلاستيكية على مواد كيميائية معترف بها بمفردها، على أنها ثابتة ومتراكمة بيولوجيا وسامة".
ويمكن لهذه المواد البلاستيكية، التي تحتوي على سموم أخرى، أن تعمل بمثابة "حصان طروادة" في المحيط.
وتشرح الدكتورة غابرييلا أغيري مارتينيز، وهي مؤلفة مشاركة تابعة لجامعة أرتورو برات في تشيلي: "كثيرًا ما تتغذى الكائنات الحية على هذه المواد البلاستيكية عن غير قصد، مما يؤدي إلى دورها كناقلات للعديد من المواد الكيميائية والكائنات الدقيقة".
بصمتنا البيئية
يستهلك البشر أيضا هذه الجزيئات من خلال الطعام الذي نتناوله، بما في ذلك المأكولات البحرية، بينما لا يزال البحث في المخاطر الصحية المحتملة قيد التحقيق، فإن قدرة البلاستيك على التراكم في الأنسجة والأعضاء البشرية تشكل خطرا كبيرا، خاصة بالنسبة للمجتمعات الساحلية التي تعتمد بشكل كبير على المأكولات البحرية كمصدر للغذاء.
يقول الدكتور ألافا "تم اكتشاف جزيئات البلاستيك في المشيمة البشرية وحليب الثدي والرئتين والقولون"، "ومن ثم فإن التعرض لا يمكن إنكاره، فبينما حظرت كندا بالفعل ست فئات من المواد البلاستيكية التي تستخدم مرة واحدة، لا يزال من الأهمية بمكان القضاء على المواد البلاستيكية الضارة الأخرى، مثل زجاجات المياه المصنوعة من مادة البولي إيثيلين تيرفثالات، وهي تتطلب جهداً عالمياً للقضاء بشكل فعال على المواد البلاستيكية الضارة من العالم".
وتؤكد الدكتورة ميلاني بيرجمان، وهي مؤلفة مشاركة منتسبة إلى معهد ألفريد فيغنر، مركز هيلمهولتز للقطب والقطب البحوث البحرية "الوصول إلى هذه المفاوضات مقيدة للغاية، مما يجعل من الصعب على ممثلي المجتمع المدني والأوساط العلمية المشاركة والتأكيد على أهمية معالجة هذا الجانب الذي لم يحظ بالاهتمام الكافي حتى الآن".
وفي النهاية، يعبر الدكتور ألافا عن تطلعه إلى أن تعكس بصمتنا البيئية في النهاية الانتقال من البلاستيك إلى البدائل القابلة للتحلل والمواد الصديقة للبيئة.
ويؤكد "يجب أن نفكر بنشاط في استراتيجيات لنصبح روادا في الحفاظ على المحيطات ونلهم الأجيال القادمة لتغيير تصورهم للبلاستيك وعادات استهلاكهم".
aXA6IDE4LjExNy4xNTYuMTcwIA==
جزيرة ام اند امز