فتيات اليمن يرسمن آلامهن بـ«وجع وأمل» (خاص)
أياد ملطخة بالدماء تكبل وجه فتاة إلا من عين واحدة تظهر عجزها عن مقاومة العنف في بلد أضعفت فيه حرب الحوثيين مكانة المرأة والطفل.
هذا ما عكسته إحدى اللوحات الفنية لطالبات في مدارس عدن، انخرطن مؤخرا في جهود للمجتمع المدني تسعى لمعالجة ظاهرة العنف القائم على النوع الاجتماعي في هذا البلد الممزق بحرب انقلاب الحوثي.
حاولت 35 طالبة من المدارس الأساسية والثانوية في العاصمة المؤقتة عدن مقاومة العنف بطرقهن الخاصة.
رسمن بأناملهن لوحات تجسد العجز والهشاشة النفسية للفئات المجتمعية وخصوصاً النساء وحملت الكثير من الرسائل للمجتمع اليمني لمكافحة الظاهرة.
ورغم صغر أعمارهن عكست أناملهن ما يتأثر به الأطفال غالباً في أي مجتمع تطحنه الحرب، مما يترك عقداً في النفوس لا تنتهي بمرور الزمن، وتكبر معهم مخلفةً مشكلات نفسية مجتمعية، وخصوصاً عند الفتيات منهم.
وكان انخراط هذه الفتيات ونقل تجاربهن في لوحات عميقة المعنى فرصة مبتكرة لمشروع مجتمعي قادته منظمة يمنية غير حكومية معنية في الفنون بتمويل وكالات دولية بهدف نشر وتعزيز ثقافة الأمان، والابتعاد عن العنف في ظل حرب حوثية ألقت آثارها على البلاد.
استيعاب مخاطر العنف
إحدى طالبات مدارس عدن وتدعى يسرا محمود والتي انخرطت في حملة المناصرة المجتمعية، قالت لـ"العين الإخبارية" إن "لوحتها الفنية أبرزت سعي الفتيات وبحثهنّ عن الأمان، الذي لا يمكن أن يتوفر في ظل استمرار العنف ضد النساء والفتيات".
وتشير إلى أن مشاركتها في مسابقة الرسم، ضمن المشروع الذي حمل اسم "أمننا"، مثلت فرصة ساعدتها أولاً على استيعاب مخاطر العنف في سن مبكرة وثانياً الوقوف في وجه انتشاره من خلال اللوحات التي من شأنها رفع مستوى وعي المعنفات من صغار السن.
وتضيف أنها اكتسبت مفاهيم عميقة حول العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتأثيراته على استقرار المجتمع "فبدون الوقوف ضد العنف لن يستقيم الحال، إذ أن أي مجتمع لا يقوم إلا على العدالة والمساواة".
مقاومة الاضطهاد
أحد الجوانب المميزة في هذه الجهود المجتمعية أنها أفسحت مجالاً لإشراك مدارس ومراكز عدن المعنية بذوي الاحتياجات الخاصة، من ذوي الهمم، لرسم لوحات أكثر ألقاً وتأثيراً.
هذا ما أكدته الطالبة اليمنية المنتسبة لذوي الهمم، فاطمة سالم، التي قالت إنها "حاولت من خلال رسوماتها التعبير عمّا يتعرض له ذوو الاحتياجات الخاصة من اضطهاد وتهميش، وحرمان من الخدمات والفرص".
تقول لـ"العين الإخبارية" إن "هذه الممارسات تصنف ضمن العنف، خصوصاً إذا كان المتضررين منها هم من الفتيات والنساء، عندها يكون عنفاً قائماً على النوع الاجتماعي".
وتوضح أن رسالتها، لا تختلف عن رسائل غيرها من فتيات مدارس عدن، إذ إن "جميعهن يبحث عن الأمان، ويتمنين أن يتجنب المجتمع ممارسة العنف ضد أي شخص أو فئة".
غايات وحوافز
تلقت الفتيات المشاركات حوافز مادية لتشجيعهن على الاستمرار في تجسيد واقعهن في لوحات فنية من شأنها الحد من العنف ضد المرأة والطفل وذلك خلال معرض رسومات نظمته مؤسسة "عدن للفنون والعلوم"، وكالة غير حكومية، ضمن سلسلة فعاليات للتوعية بهذه الظاهرة.
وهو ما أكده رئيس المؤسسة، عبدالله البكري، خلال حديثه عن مراحل مشروع "أمننا" الممول من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، بشراكة مع منظمة كير العالمية بهدف تعزيز وعي طالبات المدارس.
يقول البكري لـ"العين الإخبارية" إن مثل هذه المشاريع والجهود تسعى إلى "تعزيز السلام المجتمعي في المدارس، ووقاية الطلاب من العنف القائم على النوع الاجتماعي، بمشاركة السلطات ولجان مجتمعية وفنانين".
ويضيف أن مسابقة الرسم التي انخرطت فيهن الطالبات، تعد جزءاً من حملة مناصرة للمُعنفات، والفئات المضطهدة، واستهدفت "الاطلاع على رؤية الفتيات للعنف، وكيفية مواجهته من وجهة نظرهنّ، ومنحهنّ فرصة للتعبير عن موقفهنّ من هذه الظاهرة".
الحرب الحوثية وتبعاتها الإنسانية فاقمت العنف القائم على النوع الاجتماعي كما أدت إلى تآكل شبه تام في آليات الحماية في البلاد مما عرض ملايين النساء والفتيات للعنف وسوء المعاملة.