عرض 30 لوحة من أعمال جبران خليل جبران في متحفه للمرة الأولى
المتحف المميز لفيلسوف الكلمة جبران خليل جبران يضم 440 لوحة أصلية ما بين معروض ومحفوظ، وتعرض 30 لوحة للمرة الأولى كانت في مخزن المتحف.
أعيد ترميم متحف جبران خليل جبران في بلدة بشري شمال لبنان، وخرجت من بين المحفوظات مقتنيات جديدة لم تكن متاحة للزوار بسبب ضيق المكان.
تأسس المتحف عام 1975، وعلى مدار الـ20 عاما الماضية خضع المتحف لإصلاحات وترميم 3 مرات. ووفقا لصحيفة "الشرق الأوسط" فإن المتحف أعيد افتتاحه الشهر الماضي، وافتتحت غرف جديدة، وبدت المعروضات أكثر بهاءً. واحتاج الوصول إلى الاتفاق على مشروع الترميم مع اليابانيين إلى عام من الاتصالات، وأضيفت 3 غرف جديدة، وعرضت نحو 30 لوحة إضافية للمرة الأولى.
يأتي ذلك بالتزامن مع الاحتفاء بمرور 95 سنة على صدور كتاب "النبي" في لندن. ويضم المتحف المميز لفيلسوف الكلمة جبران خليل جبران 440 لوحة أصلية ما بين معروض ومحفوظ، رسمها في بلد المهجر أمريكا.
كانت المساحة السابقة لا تسمح بعرض أكثر من 135 لوحة، في حين أصبح بمقدور الرواد رؤية نحو 175 لوحة وهم يتجولون في القاعات. ولا تزال أكثر من 200 لوحة غير متاحة بسبب ضيق المكان. وهي من الكنوز الفنية التي لها قيمة عالمية كبرى؛ لما لجبران من شهرة بين القراء من أقصى الشرق إلى أمريكا.
وشمل الترميم إعادة تجديد الغرف، وتهديم بعضها، وإعادة بناء غيرها. وتم تزويد المتحف بصالة أنيقة للاستقبالات، وطورت خدمة "الأوديوفون" بلغات عدة؛ ليستمع الزائر إلى الشروحات أثناء تجواله.
وجاء هذا بعد منحة مالية أسهمت بها السفارة اليابانية لاقتناعها بالمشروع، الذي قدم من بين مشروعات عدة أخرى؛ لأنه يسمح بإخراج لوحات جديدة من مخازنها ووضعها في متناول ذواقة الفن.
وأكد مدير المتحف جوزيف جعجع، أن "هذه اللوحات محفوظة، وفق شروط فنية عالية تحميها من التلف، ولا يخفي أن عدداً كبيراً من هذه الأعمال أصبحت في حاجة إلى ترميم بسبب الوقت الطويل الذي مضى عليها، لكنها تنتظر التمويل الكافي".
غالبية مقتنيات المتحف لها صيت واسع بين المختصين، لا سيما 80 لوحة زيتية معروفة لجبران. من اللوحات الجديدة التي أضيفت وصارت متاحة للزيارة، وتستحق أن تقصد لوحة "الخريف" التي رسمها جبران في بداية شهرته كفنان تشكيلي.
هناك أيضًا لوحة "المفكر" التي لا بد أن يعرفها عشاق جبران بفضل صورها المتداولة بغزارة. وهي لرجل ملتحٍ يسند وجهه بيده، ويتأمل في كرة من الكريستال. ومع إعادة تأهيل المتحف صار للوحات الـ12 التي رسمها جبران لكتاب "النبي" وللمرة الأولى، في تاريخ متحفه، صالة خاصة بها تجمعها مع بعضها، ومعها أيضاً تعرض ترجمات لهذا الكتاب في 55 لغة مختلفة، علماً بأن "النبي" الذي كتبت له شهرة استثنائية صارت له ترجمات اليوم إلى 104 لغات.
وأكد مدير متحف جبران أن "العلاقة بين السفارة اليابانية والقيّمين على المتحف متواصلة ولم تنقطع يوماً، ويتوافد الزوار اليابانيون على بشرّي لاكتشاف إرث جبران، كما أن السفراء اليابانيين حين يفدون إلى لبنان يحبون زيارة مقتنيات جبران. وهذه ليست المرة الأولى؛ ففي عام 2008 أسهموا في تجديد الإضاءة، وتمديدات الكهرباء".
تستقبلك على مدخل المتحف، الذي هو أشبه بمغارة كبيرة منحوتة في الصخر. منحوتة لرأس جبران ضخمة من البرونز فوق ساقية ماء، تمر قرب التمثال وتصعد سلماً حجرياً لتصل إلى شرفة المبنى المطلة على مشهد جبلي خلاب، ومنها تدخل إلى المتحف، الذي لا يشبه المتاحف الكبيرة التي أنشئت لتكون موائمة لعرض الأعمال الفنية أو المقتنيات الشخصية.
نحن في دير مار سركيس، الذي كان يسكنه رهبان، واشتهى كاتب النبي، أن يكون لها مقر ومستقر في نهاية أيامه، وسعى لذلك بكل جهده لتحقيق غايته. وبالفعل تواصل مع الرهبان عبر وسيط في بشري، واستمرت المفاوضات لسنوات طوال.
ويتحدث مدير المتحف جعجع باعتباره أيضاً ابن بشري شارحاً: "الأمر كان يتطلب وقتاً طويلاً. وكان لا بد من انتظار وصول الرسائل بالبريد، وإتمام جزء إضافي من المفاوضات، ومن ثم إعلام جبران وانتظار رده في كل مرة. ولحسن الحظ أنه حين توفي كان الاتفاق وصل إلى خواتيمه. وبرحيله عادت أخته مريانا بجثته، والمبلغ الذي كان قد اتفق عليه لشراء الدير، ليجد سكينته النهائية هنا في هذا المكان المحفور في الصخر، هو وحاجياته الأثيرة التي نقلت من بوسطن، وعلى من يريد أن يراها ويمتع ناظريه بها أن يقصد هذه البلدة الوادعة التي فيها بيته البسيط حين كان طفلاً.
يضم المتحف أيضا بعض المقتنيات الشخصية لجبران ومنها: حقيبة جلدية كان يحملها صغيراً حين يذهب إلى المدرسة، وفوانيس وأقلام، وجزء من مكتبته الخاصة، لا سيما المؤلفات الإنجليزية التي كان اشتراها، والموسوعات التي كان يقتنيها. ولعل أهم المعروضات على الإطلاق هي مخطوطات جبران الموجودة بخط يده التي تصل إلى ما يقارب الـ50.
وحول ما إذا كانت مخطوطة كتاب "النبي" من بين هذه الدفاتر، يجيب مدير المتحف متأسفاً: "هذه المخطوطة من مقتنيات اللبناني الأصل الشهير كارلوس سليم، وموجودة في متحف سمية في المكسيك. لكن في المقابل، لدى المتحف النسخة الأولى من كتاب (النبي) التي طبعت وأرسلت لجبران ليصححها. وهذه التصحيحات التي أجراها، موجودة بخط يده. وهي وثيقة رائعة لمن يود دراسة جبران والتعديلات الأخيرة التي أجراها على كتابه الأشهر".
ويضيف: "أما المخطوط الكامل الذي يمكن الاطلاع عليه بخط يد الكاتب فهو (يسوع ابن الإنسان) الذي كتبه بالإنجليزية، وكتبه بعد (النبي) مباشرة. هناك مخطوطة قصيدة (المواكب)، وجزء من (دمعة وابتسامة)، والويلات التسع الشهيرة التي صدرت بعد وفاة جبران. من منا لا يعرف ذاك النص الشهير الذي قال فيه: (ويل لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين، ويل لأمة تلبس مما لا تنسج، وتأكل مما لا تزرع)".
وأوضح مدير المتحف: "لدينا مشروع جاهز يقضي بترميم كل لوحات جبران في أتيلييه يتم تجهيزه داخل المتحف. لأن هذا يخفف كثيراً من التكلفة، فنقل مئات اللوحات إلى خارج لبنان يحتاج إلى مبلغ كبير للتأمين عليها يصل أقله إلى مليون دولار، هذا عدا التدابير الخاصة لحفظها أثناء النقل وعدم تعرضها للأذى أو الفقدان وربما السرقة. ولا بد أن الألوان والتكلفة الفنية للترميم عالية أيضاً".
ويشرح جعجع، أن اتصالات جرت مع عدد من مدارس الفن في فرنسا، لإقناعهم بالمجيء إلى بشري وترميم اللوحات في المكان. وهناك اتفاق تم، و"يبقى علينا سعر المواد، وهذا يخفض التكاليف بشكل كبير جداً. وفي هذه الحالة فإن ترميم كل لوحات جبران لا يحتاج إلى أكثر من 150 ألف يورو، وهو مبلغ نحاول تأمينه لتنفيذ المشروع".
ومع أن المبلغ ليس كبيراً نسبة إلى كل ما يهدر، فإن مدير المتحف يعد أن المشكلة الرئيسية تكمن في "قلة الاهتمام بالثقافة والفنون بشكل عام، وليسوا كثراً الذين هم على استعداد لتمويل مشروع من هذا النوع".
ويضيف: "نحن في لبنان ولسنا في بريطانيا. ومتحف جبران مؤسسة خاصة. ولولا إيرادات كتب جبران لما استمر المتحف الذي يعيش بفضلها". وما يعود إلى المتحف نسبة ضئيلة من مبيعات كتب جبران باللغة الإنجليزية فقط. وستكون هذه السنة الأخيرة التي تستفيد فيها المؤسسة من عوائد كتب الأديب. إذ بعد 80 عاما وأكثر من رحيل الكاتب يسقط حقه في العائدات، وكان الناشر الأمريكي قادراً على تجديد الحقوق، لكن الفترة وصلت إلى خواتيمها مع عام 2018.