أي جهد يُبذَل لمحاصرة التطرف، يُذكر ويُشكر، بلا ريب، لكن يجب ألا نُبالغ في الأمور... نحن نحوم حول الحمى... ولمّا ندخله بعد
فتوى تحريم تفجير النفس بالانتحار بزعم أن ذلك عمل جهادي، هل تُوْقِف بالفعل هذه الأعمال الشيطانية؟
يستند المنظّرون للجماعات الإرهابية إلى جملة من الحجج والجدليات الفقهية، وضميمة من النصوص، إن كانت قرآنية أو نبوية أو من مقولات السلف القديم، لمنح أعمالهم الغطاء الشرعي الديني المطلوب.
هذه الساحة ميدان صراع بين مشايخ الدين والمؤسسات الدينية الرسمية وشبه الرسمية مع أهل التنظير أو الرجل «الشرعي» كما يُسمّى في أدبيات الجماعات الإرهابية، مثل «القاعدة» و«طالبان» و«أنصار الشريعة» و«أنصار بيت المقدس» و«داعش» و«الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة»، ومن قبل جماعة شكري مصطفى بمصر، «التكفير والهجرة»، و«الجماعة المحتسبة» بالسعودية، جماعة «جهيمان». يعني نعرف أن مشايخ الفتوى في الأزهر المصري وهيئة كبار العلماء بالسعودية أصدروا كثيراً من الفتاوى ضد شبكتَيْ «القاعدة»، و«داعش» وأشباههما من الأطراف المجرمة باسم الدين، لكن لم تُحْدِث الأثر «الناجع» الشافي الكافي المطلوب.
هذه الساحة ميدان صراع بين مشايخ الدين والمؤسسات الدينية الرسمية وشبه الرسمية مع أهل التنظير أو الرجل «الشرعي» كما يُسمّى في أدبيات الجماعات الإرهابية، مثل «القاعدة» و«طالبان» و«أنصار الشريعة» و«أنصار بيت المقدس» و«داعش» و«الجماعة الليبية الإسلامية المقاتلة»
هل يعني هذا كفّ رجال الفتوى الرسمية عن إكمال هذا الجهد والاستمرار فيه؟
أكيد لا... فهو واجب ديني وإبراء للذمة، أولاً، ثم هو «مرابطة» على جبهة الصراع الفكري والمعنوي مع هؤلاء القتلة ثانياً.
قبل أيام احتفت باكستان الرسمية بكتاب أصدرته الحكومة يكشف عن فتوى صادرة عن أكثر من 1800 من علماء الدين الباكستانيين تحرّم التفجيرات الانتحارية، وقال الرئيس الباكستاني ممنون حسين عن هذا الكتاب وتلك الفتوى: «هذه الفتوى أساس قوي لاستقرار المجتمع الإسلامي المعتدل»، أما رجال الفتوى الباكستانية فقالوا: «لا يملك أي فرد أو جماعة سلطة إعلان الجهاد». وأضافوا: «التفجيرات الانتحارية تتنافى مع التعاليم الإسلامية الأساسية ولذلك فهي مُحرّمة». الكتاب صنعته الجامعة الإسلامية العالمية التابعة للدولة الباكستانية، وسيشهد الرئيس الباكستاني مراسم إصدار الكتاب في إسلام آباد، هل سيكفّ القتلة من شبكات «حقّاني» و«طالبان باكستان» و«طالبان أفغانستان» و«لشكر طيبة»، وغيرهم، عن التفجيرات الانتحارية ضد الناس بسبب هذه الفتوى؟
ثم هل التفجير الانتحاري، وأي عمل مماثل هو فقط المشكلة، أم العقل الذي تربّى عليه الفتى الذي نحر نفسه والناس بحزام ما؟
أي أن المشكلة الحقيقية التي لم ينزل الخطاب الديني - ليس في باكستان فقط - لساحة نزالها، هي «المفاهيم» التي تغذّي هؤلاء في الأربطة، وبعض المساجد والمدارس والمجالس في البيوت، التي تسقي عقل الشاب والشابّة بقطرات سوداء سامّة عن الجهاد والحاكمية والخلافة... هذا أصل الداء.
أي جهد يُبذَل لمحاصرة التطرف، يُذكر ويُشكر، بلا ريب، لكن يجب ألا نبالغ في الأمور... نحن نحوم حول الحمى... ولمّا ندخله بعد!
نقلا عن "الشرق الأوسط"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة