لعل أهم جانب يكشفه حديث الأمير بندر هو أنه رغم الاتهامات الظالمة، واللغة الإعلامية المسفة التي قابلت عطاء المملكة.
بثّت قناة "العربية" لقاءً مطوّلاَ وشيّقاَ من ثلاثة أجزاء مع رئيس الاستخبارات السعودية سابقاً، وسفيرها السابق في واشنطن الأمير بندر بن سلطان. الأمير بندر شغل مناصب مهمة ومؤثرة سياسياً في تلك الآونة، إضافة إلى الجهد السياسي الخارجي الكبير الذي اتصف بـ"المهنية والاتزان" عندما كان الأمير سفيراً للرياض في واشنطن، نظراً لعلاقته الطيبة مع الكثير من الرؤساء والسياسيين وصناع القرار في العالم.
والمثير للاهتمام هو أنه يندر أن يتحدث المسؤولون السعوديون عن تجاربهم الماضية وذكرياتهم، ولكن في حالة الأمير بندر أوضح أن ما دفعه للخروج والحديث في هذا التوقيت هو الإساءات المتكررة من القيادات الفلسطينية لدول الخليج العربية وقياداتها، ومحاولة تحميلها أخطاء وفشل سياسات هذه القيادات طيلة السنوات الماضية.
بالتفاصيل، وثّق الأمير بندر بن سلطان المواقف التاريخية المشرفة للمملكة تجاه قضايا المنطقة وخاصة القضية الفلسطينية، وكشف مجمل الأخطاء الفادحة التي ارتكبت من قبل القيادات الفلسطينية، والتي أضرّت بقضية عادلة ومحقة مثل قضية فلسطين التي وصفها بـ "القضية العادلة ولكنها تملك أسوأ المحامين عنها".
كشف الدبلوماسي المخضرم والخبير في كواليس المنطقة والسياسة الدولية، مجمل المواقف العجيبة للقيادات الفلسطينية، وفضح الألاعيب المتكررة للرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وكيف أنه كان يتراجع صباحاً عمّا وافق عليه مساء، وأحيانا كان يتراجع قبل صعوده مسرح إعلان الاتفاق. وبيّن الأمير بندر كيف تحوّلت القضية العادلة إلى سلعة تتاجر بها القيادات الفلسطينية والأطراف الأخرى التي راهنت عليها مثل تركيا وإيران. وسرد الأمير بندر في لقائه مع "العربية" قصة انحراف بوصلة الفلسطينيين من الأردن إلى لبنان إلى الكويت، إلى غيرها من المواقع التي شتت جهود التحرير، وبددت حلم الدولة الفلسطينية، وأدخلت القضية في متاهات ومعارج لم تخدم أحداً سوى الجانب الإسرائيلي، الذي استثمر بدهاء في تناقضات وأخطاء القيادات الفلسطينية.
ولعل أهم جانب يكشفه حديث الأمير بندر هو أنه رغم الاتهامات الظالمة، واللغة الإعلامية المسفة، التي قابلت عطاء المملكة ودعمها المطلق للقضية الفلسطينية، إلا أنها تجاهلت كل ذلك وواصلت ضغطها على واشنطن لتحسين وضع الفلسطينيين وإقامة دولة لهم، بل إنها في مراحل ما - كما ذكر الأمير - دعمت الفلسطينيين في خياراتهم رغم عدم اتفاقها مع هذه الخيارات، حماية للقضية من التشرذم والانقسام، وقدمت النصائح الحكيمة للفلسطينيين ولكنهم لم يأخذوا بها. يستذكر الأمير بحرقة مراوغة القيادات الفلسطينية والفرص الضائعة التي بسببها ما زال الشعب الفلسطيني يدفع الثمن غالياً من أرضه ودمائه حين قال: "الشيب اللي جاني بسبب الفرص الضائعة من القيادات الفلسطينية".
لقاء الأمير بندر بن سلطان مع العربية، الذي حمل الكثير من الحقائق المغيبة، يمثل مرحلة جديدة قوامها الشفافية وتسمية الأشياء بمسمياتها، وينهي فصلاً طويلاً من الصمت النبيل تجاه خطاب منفصل عن الواقع، خطاب الجانب الفلسطيني الذي عوضاً عن أن يتحمل وزر أخطائه التاريخية وخياراته العبثية، ومواقفه المتقلبة، اختار أن يسيء للدول التي طالما دعمت القضية الفلسطينية وجعلتها أهم أولوياتها.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة