الفلسطينية هدى أبو خوصة.. من رعي الأغنام لمدارج الجامعة
لم تمنعها خصوصية مجتمعها الريفي، وظروفها العائلية من استكمال تعليمها
لا تشكل حالة معزولة، ففي مختلف أرجاء المعمورة فتيات يشبهنها ممن تسلحن بعزيمة فولاذية لاستكمال دراستهن، رغم العقبات التي لا تخلو منها سبل الباحثين عن العلم والمعرفة والتميز.
هي هدى أبوخوصة، شابة فلسطينية لم تمنعها خصوصية مجتمعها الريفي، وظروفها العائلية من استكمال تعليمها، ووضع حجر أساس متين لمستقبل يفتح الباب على مصراعيه أمام حياة أخرى.
تقول هدى (24 عاما): "عندما أنهيت المرحلة الابتدائية أعطاني أبي ورقة مكتوبا فيها جملة واحدة، ودون أن أعرف مراده منها لكي أثبت نباهتي قرأتها دون لعثمة، فكان قراره أن أكف عن الذهاب إلى المدرسة، وأتفرغ لرعاية الأغنام".
وتضيف الشابة لـ"العين الإخبارية": "يومها كانت صدمتي شديدة، وبكيت لأيام حتى اقتنع والدي أن أكمل دراسة المرحلة الإعدادية فقط، على أن يتحمل مسألة الدفاع عن قراره أمام باقي أفراد العائلة".
وتتابع: "فعلاً نجحت في المرحلة الإعدادية بامتياز، كما نفذت شرط والدي برعي الأغنام بعد المدرسة، فكنت أسوق الماشية بلباسي المدرسي، وأجلس معها في خلوتنا وأقرأ على الأغنام دروسي بصوت عالٍ، وأكتب الأشعار لها، وأرددها".
وتكمل: "حتى بنات مدرستي في الفترة المسائية يمررن عليّ ويتناقلن أخباري بسخرية واستهزاء، وهذا لم يكن يحبطني، بل بالعكس زادني إصرارا على أن أكمل مشواري".
الإقناع في وجه الخضوع
توضح "أبو خوصة": "بعد المرحلة الإعدادية مرض والدي شديداً، ما تطلب سفره للعلاج ورافقته والدتي لفترة سنتين، وفي هذه الفترة منحتني جدتي فرصة الدخول للمرحلة الثانوية، وكانت تصرف على تعليمي من مالها الخاص، وتواجه اعتراضات من باقي أفراد العائلة".
وتضيف: "ورغم ذلك نجحت في الصف الثاني الثانوي، وقتها عاد والدي من سفره، وطلب مني أن أنهي مسيرتي التعليمية، وأن أنتبه لشؤون البيت ورعاية الأغنام. حينها أنشئت مدرسة ثانوية بجوار حينا، فضغطت على والدي من أجل أن أتحصل على الثانوية العامة، ولاشتداد المرض عليه وافق بشرط متابعة الأغنام والاعتناء بها".
وتتابع: "بالفعل واصلت تعليمي في هذه السنة رغم الظروف القاسية التي مررنا بها ووفاة والدي، وحصلت على الثانوية العامة التي أهلتني لدخول الجامعة".
تغيير مفاهيم
وتحكي هدى: "بعد وفاة والدي اضطرت جدتي إلى بيع مصوغاتها الذهبية حتى أسجل بالسنة الأولى في الجامعة، رغم اعتراض إخوتي والآخرين من أبناء العشيرة، وفعلاً دخلت الجامعة تخصص تربية".
للحصول على منحة كاملة من الجامعة، قررت الشابة التفوق خلال السنوات الأربع حتى لا تلزم عائلتها بأي مصاريف.
وتضيف: "لم أدخل مطعم الجامعة إلا مرة واحدة، وكنت أسير على الأقدام من البيت إلى الجامعة التي تبعد عن بيتنا 10 كيلومترات تقريباً، أخرج قبل موعد الدروس بساعة وأصل إلى البيت بعد انتهاء الدراسة بساعة، وكنت سعيدة جداً لأنني أول فتاة بدوية في منطقتنا تذهب إلى الجامعة".
وعن أثر تعليمها رغم عادات مجتمعها تقول: "تشجعت بنات جيلي، وبعضهن نجحن في استكمال التعليم، والأمر لم يتوقف عند الفتيات بل الشباب أيضاً".
وتتابع: "كانت هناك قناعة سائدة بأن التعليم والعلم كلام فارغ ومضيعة للوقت، لكن بإصراري على نيل شهادتي الجامعية، استطعت أن أغير الواقع وبدأ الشباب والفتيات بالذهاب إلى المدارس، ومنهم من وصل فعلاً إلى الجامعات".
مشروع خاص
هدى التي حصلت على شهادتها الجامعية لم تتوانَ في البحث عن وظيفة ولو بشروط متدنية، لتثبت نفسها في سوق العمل، إذ أصبحت منسقة في إحدى المؤسسات بعد أن حصلت على شهادات تقدير وتكريم من بعض الأماكن التي عملت فيها متطوعة لفترات طويلة.
اليوم ، حصلت على موافقة إحدى الجهات الدولية بتمويل مشروع تقدمت به خاص بتربية المواشي، كما حصلت على تمويل لمشروع آخر لرفع نسبة الوعي التعليمي في المجتمعات البدوية، إضافة إلى تجوالها على المناطق المهمشة والتي ترفض تعليم الفتيات بشكل خاص.
تقول هدى التي تأمل أن تحصل على أعلى المؤهلات العلمية في مجالها "الحياة تستحق أن نناضل من أجلها، وأن نقف بوجه العقبات لتغيير الكثير من المفاهيم. فالعلم سلاحٌ وحامله لا يهزم وإن تأخر نصره".